كيف يُنظم الدماغ ذكرياتنا؟

3 دقائق
كيف يُنظم الدماغ ذكرياتنا؟
حقوق الصورة: شترستوك.

نُشرت دراسة أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا في إرفاين بالولايات المتحدة الأميركية، تكشف عن الآليات العصبية التي تتبعها منطقة تسمى "الحُصين أو قرن آمون" (Hippocampus) في الدماغ، لتنظيم الذكريات، ما قد يساعد في تعزيز فهمنا للأسباب المؤدية إلى الاضطرابات المعرفية كالإصابة بأمراض الخرف مثل ألزهايمر. وقد نُشرت الدراسة في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications) العلمية في 8 فبراير/شباط 2022. 

يتمتع الدماغ البشري بقدرة على تسجيل التجارب الحياتية، فتتكون بذلك خبرات متراكمة، تساعد الإنسان على التمييز بين الصواب والخطأ على المدى البعيد، ما يعزز عملية صنع القرار. وقد اتضح أنّ وراء هذه القدرة آليات عصبية لم تكن واضحة من قبل. 

منطقة الحصين أو قرن آمون 

الحصين هو عبارة عن تغضن منحني الشكل، يقع في منطقة الفص الصدغي في الدماغ. يتكون من 3 طبقات: طبقة هرمية وطبقتين ضفيريتين على الجانبين. يرتبط الحصين بمجموعة من الاضطرابات العصبية والنفسية، وذلك بحسب دراسة منشورة عام 2012 في "حوليات الأكاديمية الهندية لطب الأعصاب" (Annals of Indian Academy of Neurology) أُجريت في جامعة إندرا براثا الهندية. 

اقرأ أيضاً: ألاعيب الدماغ: هل يمكننا الوثوق بذكرياتنا؟

وظائف الحصين

يمتلك الحصين عدة وظائف مهمة، منها:

ربط الذاكرة بالعاطفة

اتضح أنّ للحصين دوراً بارزاً في عمليتي التعلّم والذاكرة، حتى أنه يربط الذاكرة بالعواطف. على سبيل المثال، عندما يشم الشخص رائحة عطر جميل في مناسبة سعيدة، تُسجلها ذاكرته. بعد ذلك بفترة زمنية، عندما يشم نفس الرائحة أو رائحة أخرى مشابهة لها، سرعان ما يسترجع ذكريات هذه المناسبة السعيدة والمشاعر التي غمرته أثناءها، حتى أنه قد يبتسم تلقائياً. يرجع الفضل في ذلك إلى الحصين الذي يربط الذاكرة بالمشاعر ويخزنهما معاً في الدماغ. 

معالجة الذكريات المكانية 

خلصت دراسة نُشرت عام 2000 في دورية (PNAS)، أجرتها مجموعة من الباحثين في جامعة لندن بالمملكة المتحدة إلى أنّ الجزء الخلفي من الحصين يشارك في معالجة الذكريات المكانية، وقد وجدوا أنّ مقدار نمو هذه المنطقة مرتبط بقدرة الشخص على تخزين الأماكن والشوارع في ذاكرته. 

على سبيل المثال، لدينا شخصان "أ" و"ب"، تحرك الاثنان في شارع مستقيم، وكلاهما حفظ الشارع جيداً، واستطاع السير فيه دون إرشاد في المرة الثانية، لكن عندما طُلب منهما التحرك في عدة شوارع مثل المتاهات، استطاع "أ" تذكرها مرة أخرى وأكمل طريقه فيها دون أن يتوه. أما "ب" لم يتذكر وتاه. الفرق بين الاثنين في منطقة الحصين، فـ "أ" كانت منطقة الحصين الخلفية لديه أكبر من تلك الموجودة لدى "ب". 

تعزيز عملية التعلّم 

عادةً ما نستوعب الدرس الذي استذكرناه قبل النوم مباشرة في اليوم التالي بسهولة، وهذا أمر طبيعي، فقد اتضح أنّ الحصين يساهم في تقوية الذكريات أثناء النوم ويزداد نشاطه بعد ممارسة أي نوع من التدريب أو التعلم، وهذا ما أشارت إليه دراسة منشورة في أكتوبر/تشرين الأول 2004 في دورية "نيرون" (Neuron).

كيف أُجريت الدراسة الحديثة؟ 

لجأ الباحثون إلى:

  • تقنية تسجيل الفيزيولوجيا الكهربية: وهي عبارة عن مجموعة من الاختبارات المتخصصة في فحص النشاط الكهربائي للدماغ.
  • التعلّم الآلي الإحصائي: وهو يعني استخدام التعلّم الآلي في تحليل البيانات السابقة، ما يساعد في التنبؤ بالبيانات المستقبلية. 

واستخدموا هاتين التقنيتين في تحليل كمية كبيرة من البيانات، وخرجوا بأدلة تشير إلى أنّ منطقة الحصين تشفّر التجارب (أي تخزنها وتحتفظ بها)، فتتراكم، ما يساعد في عملية صنع القرار مستقبلاً.

استغرق المشروع ما يزيد عن 3 سنوات ما بين تجميع البيانات وتحليلها والتجارب المعملية. عرّض الباحثون الفئران إلى 5 روائح مختلفة بالترتيب (A-B-C-D-E)، ثم اختبروا استجابتها عند تعريضها للروائح بصورة مرتبة، مثلاً: الرائحة A ثم B ثم C وهكذا. بعد ذلك عرّضوا الفئران للروائح بصورة غير مرتبة، هكذا: الرائحة A ثم B ثم D. 

وفي كلتا الحالتين، اختبروا مدى قدرة الفئران على معرفة التسلسل الصحيح للروائح، وكيف استطاعت أدمغتها بناء هذا التسلسل من خلال تسجيل وملاحظة أنماط النشاط العصبي لهذه الخلايا. لكن كانت قراءات نشاط الحصين كثيرة جدًا، ما أجبر الباحثين على اللجوء إلى علماء متخصصين في البيانات والإحصاء. استخدم الباحثون أساليب التعلم الآلي الاحصائي، لتحليل البيانات، وتمكنوا في النهاية من فك شيفرات كل رائحة وتحديد البصمة الخاصة بها. أي أنهم استطاعوا فهم الآليات العصبية المعقدة المتحكمة في الذاكرة أخيراً. 

عرف العلماء منذ مدة طويلة أنّ الحصين أو قرن آمون منطقة مهمة للغاية ومرتبطة بعدد هائل من الأنشطة التي نقوم بها في حياتنا اليومية، ولكنه في نفس الوقت جزء معقد في الدماغ، يخفي الكثير من الأسرار التي يكشفها العلم يوماً بعد يوم. 

المحتوى محمي