مميزة كبصمات الأصابع: لماذا تختلف أصوات البشر؟

3 دقائق
أصوات البشر
حقوق الصورة: شتر ستوك/ بليون فوتوز.

إنّ القدرة على التواصل ونقل آرائنا وخواطرنا هي واحدة من أعظم مزايا الإنسان، ومن أهم العوامل التي نقلته إلى قمة الهرم الغذائي بين الكائنات. ومع سيطرة البشر على الأصوات التي تخرجها أفواههم لتشكيل الجُمل، انفتح المجال أمام عالمٍ قائمٍ على الكلام؛ عالم به الآن الأغاني والخطابات وكل ما تقدمه الحضارة الحديثة. لم يكن هذا ممكناً بدون الصوت الفريد لكل بشريّ.

يعتقد معظم العلماء أن صوت الإنسان فريد من نوعه، مثل بصمات أصابعه؛ قد يكون هذا صحيحاً لأن أصواتنا تعتمد على تشريح الحبال الصوتية وامتلاك شخصين لنفس التشريح هو أمرٌ شبه مستحيل، وهذا ما يؤدي إلى امتلاك أصواتٍ مميزة. وفي حين أن التمييز بين الأصوات قد يكون صعباًفي البداية، تميل آذاننا إلى التكيف مع التفاصيل الدقيقة لصوت الشخص، وخاصة الفرد المقرب؛ مثل الوالدين أو الأصدقاء.

يجرب  الكثير من الناس أنفسهم في الغناء ولكنهم نادراً ما يحققون النجاح. الحقيقة هي أن معظم المطربين والمغنّين يخضعون لسنواتٍ من التدريب على الموسيقى لجعل أصواتهم مناسبةً للغناء، على الرغم من أن الجميع يمكنه الغناء ولو نظرياً. ورغم أن البعض قد يكون قادراً على الغناء بشكلٍ طبيعي، إلا أن معظمهم سيضطر إلى الخضوع لتمريناتٍ مختلفة لتدريب حبالهم الصوتية لتكون متّسقة وسلسة وقادرة على تغيير النغمة وطبقة الصوت.ت.

كيف يتم توليد الصوت؟

يتم توليد الصوت البشري من خلال ثلاثة أعضاء وهي: الرئتان، والحنجرة (صندوق الصوت)، والأعضاء الصوتية فوق الحنجرة؛ بما في ذلك اللسان والشفتان والأسنان والحنك الصلب. تعمل الرئتان كمضخة لتوليد ضغط هواء كافٍ لاهتزاز الحبال الصوتية، والتي يمكن أن تنتج نبضاتٍ مسموعة. حدوث هذه الاهتزازات يسمى التردد. وتعمل عضلات الحنجرة على تهدئة الحبال الصوتية للتحكم في النغمة وطبقة الصوت.

تعتمد درجة الصوت على مجموعة متنوعة من العوامل؛ تواتر الاهتزاز وطول الحبال الصوتية والتوتر المطبّق على الحبال الصوتية. تساعد الأعضاء الصوتية فوق الحنجرة الحنجرة على ضبط النغمة للتعبير عن المشاعر المقابلة للصوت. وينتج عن تفاعل تلك الأعضاء مع الحبال الصوتية مجموعة واسعة من الأصوات. كما أن رنين الصوت -بمساعدة الأنف والجيوب الأنفية والبلعوم وتجويف الفم- يمكن أن يحدد الطريقة التي يبدو بها الصوت.

اقرأ أيضاً: لأول مرة: ترجمة أفكار رجل عاجز عن الكلام إلى عبارات على الشاشة

لماذا تختلف أصوات البشر؟

نظراً لوجود ثلاثة أعضاء في جسم الإنسان تعمل جنباً إلى جنب لتوليد صوت، فإن الاختلافات الطفيفة حتى في أحد الأعضاء يمكن أن تنتج أصواتاً مختلفة. لذا، فإن تنوع الأصوات يرجع إلى التغيرات الطفيفة في تشريح هذه الأعضاء ومدى اعتدال الحبال الصوتية. والنظام الذي يولد الصوت، مثل العديد من الأعضاء الأخرى، يتغير بمرور الوقت، وبالتالي يمكن أن تتغير أصوات الناس مع تقدم العمر.

على سبيل المثال، يحدث تغير الصوت في أثناء مرحلة البلوغ. نظراً لأن الهرمونات الجنسية المختلفة تُحدث تغييرات في الجسم، فإن الصوت هو أحد العوامل التي تخضع لتغييرٍ جذري. قبل سن البلوغ، تكون الحبال الصوتية لكل من الفتيات والفتيان نحيفة وذات تردد عالٍ. لكن خلال فترة البلوغ، يؤثر هرمون التستوستيرون الذكري على الحبال الصوتية، ما يجعل الحنجرة أكبر حجماً ويخفض تردد الحبال الصوتية، ويكون الصوت الناتج عميقاً ومنخفض النبرة. بينما تمر النساء بمرحلة انتقالية مماثلة، لكن مدى تضخم الحبال الصوتية يكون أقل بكثير، ويتم الحفاظ على التردد، لذلك تميل النساء إلى امتلاك صوتٍ عالي النبرة.

ومع ذلك، على الرغم من أن الهرمونات لها تأثيرٌ كبيرٌ على الصوت، إلا أن نشاطها يختلف اعتماداً على الفرد نفسه. وبالتالي، على الرغم من أن كل شخص يمر بمرحلة البلوغ ويختبر نفس التغييرات، فقد يختلف مدى كلاً منها. وكما ذكرنا أعلاه، فإن وجود ثلاثة أعضاء مسؤولة عن توليد الصوت يمكن أن يسبب الاختلاف بين الأصوات، لكن حقيقة أن هناك تأثيراً للهرمونات على الصوت تجعله أحد العوامل وراء الأصوات الفريدة.

تلعب التأثيرات الهرمونية دوراً في نوع الصوت الناتج والعواطف المرتبطة به. فالإثارة والسعادة على سبيل المثال يترتب عليهما زيادة في حدة الصوت، بينما قد يتسبب الحزن في صوتٍ أعمق. ولوحظ وجود تأثير هرموني كبير على الحبال الصوتية عندما تتحدث المرأة إلى الرجل لجذبه، يتمثل ذلك بارتفاعٍ طفيفٍ في طبقة الصوت. ويفسر دماغ الرجل ذلك على أنه قدرة إنجابية عالية لتلك المرأة بسبب المستويات المرتفعة من الهرمونات الجنسية. وفي حين أن هذه الاستجابة -لكل من الرجل والمرأة- قد لا تكون ناجمةً عن وعي، فقد تم إثبات تصرف البشر بهذه الطريقة.

اقرأ أيضاً: الناس الذين يسمعون أصواتاً في رؤوسهم يمكنهم أيضاً إدراك الكلام الخفي

كما يمكن أن تؤثر صحة الفرد على صوته، إذ يتردد صدى الصوت عن طريق الأنف والحنجرة وتجويف الفم والجيوب الأنفية. وفي الحالات المرضية؛ مثل نزلات البرد، حيث يعاني المرضى من سيلان الأنف، يلاحظ تغير واضح في الصوت. كما يمكن أن تؤثر اضطرابات الكلام والأمراض العصبية على الصوت، لكن إجراء جلسات روتينية مع معالج النطق سيؤدي بالتأكيد إلى تحسين هذا الاضطراب.

أصوات البشر، شأنها شأن بصمة قرنية العين وبصمة أصابع يد الإنسان، تختلف من شخصٍ لآخر، وهي بذلك تخلق نوعاً من الذكريات الفريدة المتميزة في ذاكرة كل واحدٍ منا ترتبط بالشخص والحدث والظروف المحيطة. وعليه، فما الصوت إلا عاملٌ آخر يجعل كل شخصٍ منا كياناً فريداًمستقلاً بذاته.

المحتوى محمي