أثبت باحثون من جامعة «جونز هوبكنز» الأميركية أن التفضيلات التي لدينا كبالغين قد تستند إلى قرارات عشوائية اتخذناها عندما كنا صغاراً جداً.
نختار نحن البشر الأشياء التي نحبها، ونبتعد عن الأشياء التي نكرهها، أو هذا ما نعتقده، لكن هذه الدراسة، المنشورة في دورية علم النفس «Psychological Science» العلمية، أثبتت أننا نحب الأشياء لأننا نختارها، ونكره الأشياء التي لا نختارها.
نحن نحب ما نختار.. لا نختار ما نحب
في الحقيقة، يعرف علماء النفس والفلسفة منذ زمن طويل أن البشر يبنون تحيزات غير واعية طوال حياتهم من خلال الاختيار بين الأشياء التي هي في الأساس متشابهة، فيقررون دون وعي أيضاً أن يحبوا شيئاً ما أو يكرهوه، بناءً على اختيارات سابقة التحديد.
لكن «ليزا فيجينسون»، المدير المشارك لمختبر جامعة جونز هوبكنز لتنمية الطفل، والمتخصصة في تطور الأطفال، أرادت أن تفهم جذور هذا الاتجاه. لذلك، توجهت نحو الأطفال الصغار، ممن بلغت أعمارهم 10-20 شهراً، لكونهم مازالوا مثل صفحة بيضاء، لم تؤثر عليهم اختيارات سابقة، وفي الأساس، ليس لديهم خيارات كثيرة، وبذلك هم العينة المثالية للدراسة. ووجدت أن تشكيل تفضيلات البالغين يبدأ في وقت مبكر من الحياة، لكون الأطفال أيضاً ينخرطون في اتخاذ قرارات عشوائية.
صمم الباحثون تجربة، تضم أطفالاً صغاراً، بعضهم قادر على المشي قليلاً، والبعض الآخر يزحف فقط، ووضعوا أمام كل واحد منهم في مكان قريب منه لعبتين على شكل كتلتين مدروستين جيداً، ولا يوجد في أي منهما ما يميزها حقاً، فكلتاهما ناعمتين متساويتين في السطوع ولهما الألوان ذاتها، والفرق بينهما أن واحدة منقطة والأخرى مخططة.
بشكل عشوائي، اختار نصف الأطفال الكتلة المنقطة، واختار النصف الآخر الكتلة المخططة. بعد ذلك، أخذ الباحثون الكتلة التي اختارها الطفل، واستبدلوها بواحدة أخرى، ثم عرضوا عليه الكتلة/ اللعبة الجديدة، وتلك التي لم يخترها في المرة الأولى، وكان عليه الاختيار بينهما.
في هذه المرة لم يكن الاختيار عشوائياً، بل رفض أغلبية الأطفال الكتلة التي سبق لهم رفضها، واختاروا الكتلة الجديدة، كما لو كانوا يقولون: «حسناً، لم أختر هذا الشيء في المرة الأخيرة، أعتقد أنني لم أحبه كثيراً»، وذلك على حد تعبير ليزا فيجينسون التي أضافت قائلةً: «هذه هي الظاهرة الأساسية. لن يحبذ الكبار الشيء الذي لم يختاروه، حتى لو لم يكن لديهم تفضيل حقيقي في المقام الأول. والأطفال كذلك، لا يفضلون الشيء غير المختار».
تجربة أخرى للتأكد
قد يقول البعض إن نتيجة هذا الاختيار جاءت لكون الأطفال يحبون تجربة الألعاب الجديدة، لذلك أجرى الباحثون لاحقاً تجربة أخرى لاستبعاد هذا الاحتمال. في هذه المرة، لم يُترك الخيار للأطفال، بل اختار الباحثون لهم، فقد لفتوا نظر الطفل إلى كلتا اللعبتين، ثم أعطوهم واحدة فقط ليلعبوا بها. ثم أعادوا القسم الثاني من التجربة الأولى، وتُرك الخيار للطفل بين اللعبة التي أعطاه إياها الباحث، وبين لعبة جديدة تماماً.
في هذه التجربة، اختار بعض الأطفال اللعبة الجديدة، ولم يخترها البعض الآخر. أي أنه عند إزالة عنصر الاختيار بعيداً، فإن ظاهرة "حب ما نختار" تزول أيضاً.
نحن نحب خياراتنا العشوائية
يؤكد هذا البحث أنه في بعض الأحيان لا تأتي معتقداتنا وتفضيلاتنا من التفكير العقلاني لدينا، بل نحن نختارها عشوائياً، ومن ثم نحبها ونضع تبريرات لها على أساس حبنا لها فقط. تماماً مثل الطفل الذي يقول: «لم أختر هذا، أعتقد أنني لا يجب أن أحبه كثيراً». فاختياراتنا تؤثر على إبداءات الإعجاب وعدم الإعجاب لدينا منذ بداية حياتنا، وهي لا تنشأ من التفكير المنطقي، لكنها تعتمد على خيارات بسيطة وعشوائية نبدأ في اتخاذها في وقت مبكر جداً في الحياة.
يرتبك الكبار عندما تكثر الخيارات أمامهم، ويسعى الباحثون مستقبلاً لمعرفة ما إذا كان هذا ينطبق أيضاً على الأطفال.