كشف فريقٌ بحثي من مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية (CFA)، أنه ربما تم اكتشاف علامات على كوكب يمرّ أمام نجمٍ خارج مجرة درب التبانة لأول مرة. وهذه النتيجة المثيرة للاهتمام؛ التي حصلوا عليها باستخدام مرصد "تشاندرا الفضائي للأشعة السينية" التابع لناسا، تفتح نافذةً جديدةً للبحث عن الكواكب الخارجية على مسافاتٍ أبعد من أي وقت مضى. نُشرت تفاصيل الاكتشاف يوم الأحد 24 أكتوبر/تشرين الأول في ورقةٍ بحثية ضمن دورية "نيتشر" العلمية.
اقرأ أيضاً: خريطة شاملة لأكثر من 25 ألف من الثقوب السوداء
ما هي الكواكب الخارجية وكيف يمكن العثور عليها؟
تُعرف الكواكب الخارجية على أنها كواكب خارج نظامنا الشمسي. وحتى الآن؛ كانت جميع الكواكب الخارجية المرصودة والمحتملة موجودةً في مجرة درب التبانة، وكلها تقريباً تبعد عن الأرض نحو 3000 سنة ضوئية. أما هذا الكوكب الخارجي المحتمل، فيقع في المجرة الحلزونية "مسييه 51" (Messier 51)؛ والتي تسمى أيضاً "مجرة الدوامة" نظراً لشكلها المميز، وتبعد نحو 28 مليون سنة ضوئية؛ ما يعني أنه سيكون أبعد بآلاف المرات عن تلك الكواكب الموجودة في مجرة درب التبانة.
تستند هذه النتيجة الجديدة إلى ما يسمى بـ "عمليات العبور"؛ وهي الأحداث التي يحجب فيها مرور كوكب أمام نجمه بعض ضوء النجم؛ ما يسبب خفوتاً ملحوظاً. ويستخدم علماء الفلك عادةً كلاً من التلسكوبات الأرضية والفضائية؛ مثل تلك الموجودة في مهمتي "كبلر" و"تيس" التابعين لوكالة ناسا، للبحث عن تلك الانخفاضات في الضوء البصري والإشعاع الكهرومغناطيسي الذي يمكن للإنسان رؤيته؛ ما يتيح اكتشاف آلاف الكواكب.
لكن بدلاً عن ذلك؛ بحث علماء الفلك هنا عن الانخفاضات في سطوع الأشعة السينية الواردة من "ثنائيات الأشعة السينية" الساطعة؛ وهي فئة من النجوم الثنائية التي تضيء في الأشعة السينية؛ إذ تحتوي هذه الأنظمة المضيئة عادةً على نجم نيوتروني أو ثقب أسود يسحب الغاز من نجم مصاحب يدور عن قرب. وتصبح المادة القريبة من النجم النيوتروني أو الثقب الأسود شديدة السخونة؛ ما يجعلها تتوهج في الأشعة السينية.
ونظراً لأن المنطقة التي تنتج الأشعة السينية الساطعة صغيرة، فإن الكوكب الذي يمر أمامها يمكن أن يحجب معظم الأشعة السينية أو كلها؛ ما يسهل تسجيل عبوره لأن الأشعة السينية يمكن أن تختفي تماماً في تلك الأثناء. وقد يسمح هذا باكتشاف الكواكب الخارجية على مسافاتٍ أكبر بكثير من دراسات العبور الضوئي الحالية؛ والتي لا تستطيع سوى اكتشاف انخفاضٍ طفيف في الضوء، لأن الكوكب يحجب جزءاً صغيراً فقط من النجم.
اقرأ أيضاً: قد تحمل صورة المستعر الأعظم هذه سرّ نشوء الكون
كوكب محتمل خارج درب التبانة بحجم زحل تقريباً
استخدم الفريق هذه الطريقة لاكتشاف تلك الكواكب الخارجية المحتملة في نظام ثنائي يسمى"M51-ULS-1"، يقع في مجرة الدوامة؛ إذ يحتوي هذا النظام الثنائي على ثقب أسود أو نجم نيوتروني يدور حول نجم مصاحب له كتلته نحو 20 ضعف كتلة الشمس. واستغرق العبور الذي حجب الأشعة السينية؛ والذي اكتشفوه باستخدام بيانات مرصد تشاندرا، نحو ثلاث ساعات؛ إذ انخفض خلالها انبعاث الأشعة السينية إلى الصفر.
وبناءً على هذه المعلومات وغيرها، قدّر الباحثون أن الكوكب الخارجي المحتمل، سيكون بحجم كوكب زحل تقريباً، ويدور حول النجم النيوتروني أو الثقب الأسود على مسافة ضعف المسافة بين زحل والشمس.
في حين أن هذه دراسة محيرة، ستكون هناك حاجة إلى مزيد من البيانات للتحقق من التفسير على أنه كوكب خارجي؛ إذ يتمثل أحد التحديات في أن المدار الكبير للكوكب المحتمل يعني أنه لن يعبر أمام النظام الثنائي الحاضن له مرةً أخرى لمدة 70 عاماً تقريباً؛ ما يحبط أية محاولات رصدٍ أخرى لعقود.
إذا ثبت وجود الكوكب في هذا النظام، فمن المحتمل أن يكون له تاريخٌ مضطرب وماضٍ عنيف؛ إذ كان على هذا الكوكب الخارجي أن ينجو من انفجار مستعرّ أعظم نتج عنه نجم نيوتروني أو ثقب أسود، وقد يكون مستقبله خطيراً كذلك، لأنه في مرحلةٍ ما، يمكن أن ينفجر النجم المضيف أيضاً ويشكّل مستعرّاً أعظم ويدمر الكوكب مرةً أخرى بمستويات عالية جداً من الإشعاع.
سيبحث المؤلفون في أرشيفات كل من مرصديّ "تشاندرا"، و"إكس إم إم نيوتن" التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، بحثاً عن المزيد من الكواكب الخارجية المحتملة في المجرات الأخرى؛ إذ تحتوي مجموعات بيانات تشاندرا الكبيرة على ما لا يقل عن 20 مجرة؛ بما في ذلك مجرات أقرب بكثير من مجرة الدوامة؛ ما يسمح باكتشاف حالات العبور الأقصر. كما تجدر الإشارة أن هناك خط بحثٍ آخر مثيراً للاهتمام؛ وهو البحث عن حالات العبور التي تحجب الأشعة السينية أمام مصادر الأشعة السينية في مجرة درب التبانة، وذلك لاكتشاف كواكب قريبة جديدة في بيئاتٍ غير عادية.