قد لا يكون الأوكسجين دليلنا إلى الكائنات الفضائية

3 دقائق
تشير دراسة جديدة نشرت في مجلة ACS Earth and Space Chemistry إلى أن وجود الأوكسجين في الغلاف الجوي على كوكب آخر ليس بالدليل المؤكد.

مع التزايد الكبير في أعداد الكواكب الخارجية المكتشفة على مدار العقد المنصرم، ازدادت آمالنا بالعثور على حياة على كوكب آخر يوماً ما. وعلى الرغم من أن الماء ما زال الدليل الأهم على إمكانية وجود حياة فضائية، فإن العلماء يبحثون عن الكثير من العناصر والمركبات الكيميائية الأخرى التي يمكن أن تزيد من احتمال تطور الحياة وبقائها على كوكب ما خارج الأرض. ويعتبر الأوكسجين طبعاً أحد هذه "الدلائل الحيوية" نظراً لأهميته بالنسبة لأشكال الحياة المعقدة على كوكبنا.

ولكن يبدو أننا نعلق أكثر مما يلزم من الآمال على الهواء الذي نتنفسه. حيث تشير دراسة جديدة في مجلة ACS Earth and Space Chemistry إلى أن وجود الأوكسجين في الغلاف الجوي على كوكب آخر ليس بالدليل المؤكد.

تقول نيكول لويس، وهي عالمة مختصة بالكواكب الخارجية في جامعة كورنيل، ومؤلفة مشاركة في الدراسة الجديدة: "يعود وجود الأوكسجين بكميات كبيرة في الغلاف الجوي الأرض إلى وجود الحياة". وعلى الرغم من أن الحياة يمكن أن توجد بالتأكيد من دون مقادير كبيرة من الأوكسجين، فإن "أغلبية الأفكار الحالية حول كيفية كشف الحياة على الكواكب الأخرى تركز على العثور على كواكب ذات غلاف جوي أشبه ما يكون بالغلاف الجوي للأرض".

ولكن قبل أن نعرف ما إذا كان غاز ما أو تركيبة ما من الغازات دليلاً على الحياة، يجب "أن نفهم بشكل كامل العمليات الكيميائية على الكوكب"، كما يقول تشاو هي، وهو باحث في جامعة جونز هوبكنز والمؤلف الأساسي للبحث الجديد. ويتابع قائلاً إن دراستهم "تقدم بعض المعلومات حول كيمياء الغلاف الجوي" وتشير إلى وجود عدة عمليات يمكن أن تنتج الأوكسجين بسهولة بدون وجود البيولوجيا. ولهذا، يجب على العلماء أن يفكروا باحتمال كون الأوكسجين يمثل دلالة مزيفة على وجود الحياة الفضائية.

بطبيعة الحال، ليست دراسة هذا السؤال بالأمر السهل. وقد استفاد هي وزملاؤه من بحث السديمات الكوكبي الخاص في جامعة جونز هوبكنز، أو فيزر، وهو عبارة عن حجرة تجريبية يمكن أن تقوم بمحاكاة نطاق واسع من الظروف الكيميائية المختلفة للغلاف الجوي، بدءاً من السطح المتجمد لبلوتو وصولاً إلى درجات الحرارة الهائلة للزهرة. وتقوم الفكرة على تعريض خليط دقيق من الغازات إلى مصدر طاقة عالية، مثل البلازما أو الضوء فوق البنفسجي، وكلاهما يمكن أن يصدر عن النجوم، وذلك لرؤية ما إذا كانت السديمات ستتشكل، وهي جزيئات صغيرة ناتجة عن التفاعلات الكيميائية الضوئية، وما إذا كان هذا سيؤدي إلى تغير البنية الكيميائية للغلاف الجوي نفسه.

تقول سارة هورست، وهي بروفسورة في علوم الكواكب من جامعة جونز هوبكنز، ومؤلفة مشاركة في البحث الجديد: "لا تقتصر الفكرة فقط على محاكاة العمليات الكيميائية التي تحدث في تلك الأغلفة الجوية، بل تغييرها بطريقة منهجية لمحاولة فهم العمليات المهيمنة على الأشياء التي يمكننا رصدها من مركباتنا الفضائية وتلسكوباتنا".

قام هي وفريقه باختبار تسعة خلائط غازية مختلفة تحاكي التراكيب الكيميائية المتوقعة للغلاف الجوي على كواكب خارجية من نوعي الأرض العملاقة ونبتون المصغر، وهي الأنواع الأكثر شيوعاً من الكواكب الخارجية في درب التبانة. تحوي تلك الأغلفة الجوية كميات مختلفة من ثنائي أوكسيد الكربون والهيدروجين والماء، كما تتراوح درجات حرارتها ما بين 26.7 و371.1 درجة مئوية.

وجد الفريق في المحصلة أن التعرض إلى الأشعة فوق البنفسجية والبلازما أدى إلى تغيير الخلائط الغازية المختارة بشكل أدى إلى إنتاج عدة أنواع مختلفة من الدلائل الحيوية، بما فيها الأوكسجين وبعض المركبات العضوية، بشكل واضح وبدون مكونات أحيائية، أي أن هذه المواد قد تكون ناتجة عن النشاط الكيميائي الضوئي، ما يشير إلى أن الأوكسجين قد لا يعني بالضرورة وجود حياة نشطة.

تقول لويس: "سيكون من الهام بالنسبة لعمليات الرصد السابقة، والتي تدعي اكتشاف الحياة، أن تكون قادرة على التأكد من أن هذه الدلائل الحيوية لم تنشأ عن مصادر لا أحيائية. يجب أن نستمر بدراسة الطريقة التي تنشأ فيها مواد بيولوجية بشكل مزيف في الغلاف الجوي للكواكب الخارجية، وتحديد مجموعات الملاحظات والأطوال الموجية التي تمتد عليها والتي تسمح لنا باستبعاد عمليات الكشف الإيجابي الخاطئة".

تعاني الدراسة من بعض المشاكل، مثل قصر فترة عمليات المحاكاة الكيميائية التي كانت تجري على مدى بضعة أيام فقط، إضافة إلى كون الخلائط الغازية مبنية على توقعاتنا حول الكواكب الخارجية بدلاً من الملاحظة المباشرة، والتي لا نمتلك حالياً التكنولوجيا اللازمة لها. قد يتم التخلص من بعض هذه الصعوبات على مدى العقد المقبل عندما يصبح من الممكن استخدام أدوات جديدة مثل التلسكوب الفضائي جيمس ويب لقياس التركيب الكيميائي لبعض العوالم البعيدة، غير أن هذه النتائج تمثل تذكيراً جيداً لنا بأنه يجب ألا نحد أنفسنا بالكواكب الشبيهة بالأرض.

قد تكون أهم نتيجة للدراسة أنها ببساطة تبين عدم إمكانية الاعتماد على بعض القياسات البسيطة لاكتشاف الحياة الفضائية، كما تحذر هورست: "إن التجارب نفسها ليست الجواب النهائي. ولكنها قطعة هامة من أحجية تتضمن الملاحظات والنماذج الحاسوبية والتجارب المخبرية. لسنا أول من يقول هذا، ولسنا الوحيدين، ولكنه سيكون من الصعب للغاية الاعتماد على قياس تركيب الغلاف الجوي فقط للبحث عن الحياة". وتؤكد هورست على الحاجة إلى مزيد من الدراسة لمعرفة مساهمة بعض العناصر الأخرى في إنتاج الدلائل الحيوية حتى بغياب البيولوجيا، مثل النشاط البركاني وضربات المذنبات، إضافة إلى أنشطة كيميائية جديدة يجب أن نأخذها بعين الاعتبار.

ما زالت الحقيقة هناك بانتظارنا، غير أنها أكثر تعقيداً مما كنا نتوقع.

المحتوى محمي