اكتشاف كوكب خارجي عملاق ساخن جداً قد يجيب عن الأسئلة المتعلقة بموت النجوم

4 دقائق
يعد تلسكوب ناسا الفضائي الاستكشافي أحد الأدوات التي يمكن لعلماء الفلك استخدامها لدراسة كواكب مثل "إتش دي 167768 بي". وكالة ناسا

لقد اكتشف علماء الفلك آلاف الكواكب الخارجية التي تدور حول نجوم أخرى خلال العقود القليلة الماضية، والعديد من هذه العوالم لا يشبه الكواكب الموجودة في نظامنا الشمسي في أي شيء. تعد فئة كواكب المشتري الحارة (Hot Jupiter) أحد أنماط الكواكب الخارجية المثيرة للفضول، فهي كواكب تشبه كوكب المشتري من ناحية الحجم، ولكنها على نقيض جارنا الغازي العملاق، أي المشتري، فإن هذه الكواكب قريبة جداً من نجومها التي تدور حولها.

أحد أكثر كواكب المشتري حرارة

في إطار برنامج أوكاياما طويل الأمد لاكتشاف الكواكب (Okayama Planet Search Program) الذي بدأ في عام 2001، اكتشف فريق من علماء الفلك اليابانيين مؤخراً أحد أكثر كواكب المشتري الحارة سخونة حتى الآن، وهو يدور حول نجم يُعرف بـ "إتش دي 167768" (HD 167768). كان الأمر المثير للدهشة أكثر أن هذا الكوكب يدور حول نجم قديم يحتضر، في مكانٍ لا يُتوقع أن يوجد به كوكب حتى ذلك الوقت. 

يقول عالم الفلك بجامعة طوكيو للتكنولوجيا والمؤلف الرئيسي لهذا الاكتشاف، هوانيو تنغ، إن الحظ قد حالفهم إلى حد ما باكتشاف هذا الكوكب بالنظر إلى أنه حالة نادرة بالفعل.

يُدعى هذا الكوكب الجديد "إتش دي 167768 بي" (HD 167768 b)، وهو قريب جداً من نجمه الأم إلى درجة أنه يدور حوله مرة واحدة خلال 20 يومٍ أرضي فقط. يُعتبر هذا الكوكب من فئة كواكب المشتري الدافئة من الناحية الفنية باعتبار أن فئة كواكب المشتري الحارة تحتاج إلى أقل من 10 أيام أرضية لإتمام دورة واحدة حول نجومها. مع ذلك، يقول مؤلفو الدراسة إن حرارة "إتش دي 167768 بي" تصل إلى 1650 درجة مئوية، أي تقارب درجة حرارة المحرك النفاث تقريباً، وبالتالي هو أكثر سخونة من جميع كواكب المشتري الساخنة الأخرى المعروفة تقريباً. 

على الرغم من أن كوكب المشتري الحار هذا يستغرق وقتاً أطول قليلاً من الوقت النموذجي لكواكب المشتري الحارة لإتمام دورة كاملة حول نجمه، إلا أن النجم قد تضخم، ما أدى إلى تقصير المسافة من سطحه المتوهج إلى الكوكب. نسبياً، لو كانت معظم النجوم التي تدور حولها كواكب المشتري الحارة بحجم قطعة من حلوى "إم آند إمز" (M&Ms)، لكان نجم كوكب "إتش دي 167768 بي" بحجم كرة الغولف. تبلغ المسافة بين الكوكب الغازي وشمسه مرة ونصف قطر النجم- ولفهم السياق، 108 مرات طول شمسنا داخل مدار الأرض. 

اقرأ أيضاً: هل يؤثر طقس الفضاء العنيف على وجود كواكب خارجية صالحة للحياة؟

نشر تنغ والمؤلفون المشاركون هذا الاكتشاف في نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام فيما يُسمى ورقة أولية (بحث لم يخضع لمراجعة الأقران)، وهي طريقة ينشر العلماء من خلالها نتائج عملهم قبل خضوعها إلى مراجعة الأقران اللازمة للنشر في المجلات العلمية. في هذه الحالة، تم قبول دراسة كوكب المشتري الساخن في مجلة "بابليكيشن أسترونوميكال سوسايتي أوف جابان" (Publications of the Astronomical Society of Japan).

ماذا يحدث في نهاية عمر الشمس؟ كثير من الأسئلة المعلقة

يقول عالم الفلك في جامعة كانساس، جوناثان براندي، والذي لم يشارك في التقرير الجديد: «كان علماء الفلك يعتقدون في السابق أن عملية شيخوخة النجم ستكون "قاتلة للكواكب الخارجية القريبة من المدار"، مثل كوكب "إتش دي 167768 بي"». عندما ينفد الوقود النجمي الذي يحافظ على استمرار تفاعلات الاندماج النووية، ينتفخ النجم وتتوسع طبقاته الخارجية وعادةً ما يبتلع الكواكب الأقرب منه- أو هكذا يعتقد علماء الفلك. في الواقع، لا تزال هناك العديد من الأسئلة المعلقة حول ما يحدث في نهاية حياة أي نظام شمسي، مثل ما إذا كانت الكواكب ستنجو أو تتغير مع موت نجومها.

تقول عالمة الأبحاث في معهد وكالة ناسا لعلوم الكواكب الخارجية، أورورا كيسيلي: «لقد اُكتشفت العشرات من الكواكب التي تدور حول نجوم عملاقة متطورة ومتقدمة في السن، لكن جميع هذه الكواكب تقريباً يقع على مسافات بعيدة من النجوم المضيفة لها. في الحقيقة، يساعدنا كوكب "إتش دي 167768 بي" في الإجابة عن بعض الأسئلة حول ما يمكن أن يحدث للكواكب عندما تصبح نجومها المضيفة عملاقة وتقترب من نهايتها».

اقرأ أيضاً: بحثاً عن علامات الحياة: كواكب خارجية رصدت الأرض

"إتش دي 167768 بي" مثير للاهتمام أيضاً لسبب آخر، إذ يتواجد في مكان ليس من المتوقع أن يوجد فيه كوكب بالأصل. تأخذ مجرة درب التبانة شكل كريب محشو داخل فطيرة رقيقة، حيث يُعرف الكريب بالقرص الرفيع والفطيرة بالقرص السميك. وتميل النجوم الموجودة في القرص السميك إلى أن تكون أقدم بكثير، ويُعتقد أنها بيئات أقل ملاءمة لتشكل الكواكب حولها. بالنسبة لنا، فإننا في القرص الرفيع، ولكن تم اكتشاف "إتش دي 167768 بي" في القرص السميك.

كواكب أخرى مماثلة

يحمل هذا العالم المثير للفضول علامات على أن هناك كواكب أخرى تشبهه. لقد تم اكتشاف "إتش دي 167768 بي" باستخدام طريقة السرعة الشعاعية المثبتة، حيث يقيس علماء الفلك حركة النجم لاستنتاج وجود الكواكب المخفية. لاحظ الفريق علامتين أخريين محتملتين للكواكب في البيانات، ما يشير إلى وجود كوكبين قريبين يدوران على مسافة أبعد قليلاً عن النجم، وكانا ليتما دورتهما حول النجم في 41 و95 يوماً أرضياً على التوالي. للتحقق مما إذا كان هذان الكوكبان المجاوران موجودين بالفعل، يحتاج العلماء إلى إلقاء نظرة أقرب على هذا النظام. على سبيل المثال، باستخدام تلسكوب ناسا الفضائي الاستكشافي "تيس" (TESS). ستسمح عمليات الرصد الإضافية للكوكب الجديد لعلماء الفلك بالبحث بشكل أعمق في أسئلة حول الكواكب القديمة بعد أن أصبحت لديهم الآن هذه العينة الممتازة لتحليلها.

اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يفيد تصنيع الحمم البركانية في فهم الكواكب الخارجية؟

ومع ذلك، لن يكون بمقدورنا مشاهدة كوكب "إتش دي 167768 بي" إلى الأبد، فوفقاً لحسابات تنغ وزملائه، لن يبقى هذا الكوكب إلا لمدة 150 مليون سنة أخرى فقط- وهي مدة قصيرة جداً نسبياً في المقاييس الزمنية للكون. (بينما ستبقى الأرض لـ 5 مليارات سنة أخرى على الأقل). إنها فرصة استثنائية لرؤية كوكب يوشك وجوده على الانتهاء.

يقول براندي: «من الناحية الكونية، ستكون هذه آخر مرة يمكننا فيها دراسة الكوكب، فنظراً لأن النجم المضيف يستمر في التضخم، ففي النهاية سيبتلع هذا الكوكب تماماً وكأنه يتناول وجبة العشاء».

المحتوى محمي