في يوم رأس السنة منذ 3 أعوام، حلقت مركبة فضائية بالقرب من قطعة من الجليد تبعد مليارات الكيلومترات عن الأرض، ما أسعد الكثير من العلماء. كانت هذه هي المرة الثانية التي تقترب فيها مركبة نيو هورايزنز من أحد الأجسام التي توجد في حزام كايبر البعيد، وذلك بعد التقاط صور لكوكب بلوتو القزم بتفصل غير مسبوق.
رصد حزام كايبر
الآن، حظيت مركبة نيو هورايزنز بفرصة ثالثة لإحداث نقلة نوعية في الطريقة التي يرصد فيها علماء الفلك الأجزاء البعيدة من المجموعة الشمسية. في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بدأت هذه المركبة المرحلة الثالثة من حياتها، وهي مهمة رصد حزام كايبر الممدّدة الثانية، أو مهمة كيم 2 اختصاراً (KEM2).
كل بضع سنوات، تخضع كل مهمة تجريها وكالة ناسا، حتى مهمة فوياجر التي أُطلقت من 45 سنة، لمراجعة رسمية يقرر فيها القائمون على المهمات ما إذا ينبغي الاستمرار فيها. خضع مشروع صوفيا (SOFIA، مرصد علم الفلك الستراتوسفيري الذي يعمل بالأشعة تحت الحمراء) الذي تديره وكالة ناسا لإحدى عمليات المراجعة هذه، ما تطلّب إيقاف عملياته في 30 سبتمبر/ أيلول 2022، وهو موعد نهاية السنة المالية. من ناحية أخرى، تم تجديد مهمة نيو هورايزنز بنجاح في صيف عام 2022 وتمديد عمليتها لمدة عامين مع استمرار طيرانها تجاه أقاصي المجموعة الشمسية.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن نعثر على الكوكب التاسع في نظامنا الشمسي؟
نظراً لأن هذه المركبة تتوجه إلى مناطق بعيدة للغاية في الفضاء، سيتم توسيع نطاق عملها في مرحلة كيم 2 ليشمل مجالات تتجاوز علوم الكواكب التي تم التركيز عليها في المراحل السابقة. يقول الباحث الرئيسي في مهمة نيو هورايزنز، آلان ستيرن (Alan Stern): "أصبحت هذه المركبة مرصداً متعدد التخصصات يعمل في حزام كايبر".
سيتم تقسيم هذه المهمة لتشمل مجالين آخرين؛ وهما الفيزياء الفلكية والفيزياء الشمسية. ستقوم مركبة نيو هورايزنز برصد الرياح الشمسية، وهي الجسيمات التي تصدرها الشمس. وستصل في النهاية إلى منطقتين تحمل الأولى اسم صدمة النهاية، بينما تحمل الثانية اسم حافة الغلاف الشمسي، وهما منطقتان يمكن اعتبارهما من الحدود الخارجية للمجموعة الشمسية. على الرغم من أن مركبتي فوياجر 1 وفوياجر 2 (Voyager 1 %2) وصلتا إلى حافة الغلاف الشمسي ورصدتا الرياح الشمسية، فإنهما فعلتا ذلك باستخدام تكنولوجيا أقل تقدّماً بكثير.
اقرأ أيضاً: مركبة نيو هورايزنز تمضي ليلة رأس السنة وهي تحدق بجسم فضائي غامض
نحو فهمٍ أفضل لحواف المجموعة الشمسية
ستساعد مركبة نيو هورايزنز علماء الفيزياء الشمسية على فهم شكل حواف المجموعة الشمسية بشكل أفضل واستكشاف حدود تأثير الشمس في الفضاء. تقع هذه المركبة أيضاً في أفضل مواقع السماء المظلمة (وهي مواقع يكون فيها التلوث الضوئي في أقل مستوياته). ما سيتيح لعلماء الفلك قياس كمية ضوء الخلفية في الكون، وهو أحد العوامل بالغة التأثير في تطور المجرات.
على الرغم من أن هذه الأهداف الجديدة مختلفة عن الأهداف الأساسية لمركبة نيو هورايزنز، فإنها ستستمر في دراسة الأجسام الجليدية والصخرية البعيدة أيضاً. أحرزت مهمة نيو هورايزنز نجاحات كبيرة في استكشاف المناطق البعيدة من المجموعة الشمسية؛ إذ إنها التقطت أول الصور المفصّلة لكوكب بلوتو القزم وأحد الأجسام الصغيرة في حزام كايبر والذي يحمل اسم 2014 إم يو 69 . يحتوي حزام كايبر على عدد كبير من الأجسام الجليدية، والتي تعتبر من البقايا المحفوظة بشكل جيد للمراحل الأولى من تشكل المجموعة الشمسية. ما يجعل دراستها ضرورية بالنسبة لعلماء الفلك في فهم تاريخ الكواكب وآليات تشكّلها.
تتحرك مركبة نيو هورايزنز حالياً بسرعة تبلغ 51 ألف كيلومتر في الساعة، متجاوزة بذلك سرعة انطلاق الصواريخ من الأرض. تبعد هذه المركبة نحو 54 وحدة فلكية عن الشمس، وستبتعد بمقدار 3 وحدات فلكية كل سنة، مقتربة إلى حواف المجموعة الشمسية. هذه المنطقة هي منطقة غير مكتشفة؛ إذ وصلت إليها 4 مسابر فضائية فقط، وهي تلك التابعة لمهمات فوياجر وبايونير (Pioneer). اتبعت هذه المركبات مسارات مختلفة عن مسار مركبة نيو هورايزنز وحمّلت الأدوات التكنولوجية التي تعود لسبعينيات القرن الماضي والتي أصبحت قديمة.
تقول عالمة المشروع في مهمة نيو هورايزنز، كيلسي سينغر (Kelsi Singer): "أشعر بالحماس لأننا سنتمكن من الوصول إلى المناطق الأبعد في المجموعة الشمسية". تضيف سينغر قائلة إنه خلال سنتين، ستبلغ المسافة بين هذه المركبة والشمس 60 وحدة فلكية، وستصل إلى حافة حزام كايبر الذي تعتبر دراسته باستخدام المراصد الأرضية مستحيلة.
اقرأ أيضاً: رسمياً: مركبة نيو هورايزنز التابعة لناسا تدخل التاريخ
نيو هورايزونز والرحلة الأيقونية
نظراً لأن الأجسام الموجود في حزام كايبر بعيدة للغاية، لن تستطيع حتى أكبر التلسكوبات الأرضية رصدها. ولكن مركبة نيو هورايزنز ستتمكن من رصد هذه الأجسام بسهولة لأنها ستصل إلى حزام كايبر. رصد فريق مركبة نيو هورايزنز في مهمتها الممددّة الأولى 36 جسماً من أجسام حزام كايبر باستخدام كاميرات المركبة. وبلغت المسافة بين المركبة وأقرب جسم رصدته 0.1 وحدة فلكية فقط. يتوقّع الفريق أن تقوم المركبة بأرصاد شبيهة في مرحلة كيم 2. حظي الفريق أيضاً بفرصة لاستخدام هذه المركبة لالتقاط صور فريدة للعملاقين الغازيين أورانوس ونبتون من زاوية لا يمكن التقاط الصور منها على الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، تحتوي مركبة نيو هورايزنز على أداة تحمل اسم عدّاد الغبار الطلّابي تتخصص في قياس كمية الغبار الفضائي التي تتعرض لها المركبة، والتي ستساعد العلماء على كشف توزّع الغبار في المناطق القريبة من حافة المجموعة الشمسية. على الرغم من أننا نتخيل أن الفضاء الخارجي فارغ تماماً، فإنه يحتوي على كمية لا يستهان بها من الغبار. هذا الغبار هو من بقايا عملية تشكّل الكواكب، وستساعد دراسته العلماء على فهم تاريخ المجموعة الشمسية بشكل أفضل.
اقرأ أيضاً: أقاصي النظام الشمسي في انتظارنا، والوقت يداهمنا لفعل ذلك
حالياً، لا تزال مركبة نيو هورايزنز في حالة سبات، وسيتم تنشيطها في شهر مارس/ آذار 2023. حتى ذلك الوقت، يحضّر فريق المهمة للاكتشافات العلمية المثيرة التي سينجزها، ويعمل العلماء بلا كلل على البحث عن أجسام حزام كايبر التي يمكن دراستها في المستقبل باستخدام المراصد الأرضية. إذا حالفهم الحظ، فقد تمثّل مرحلة كيم 2 واحدة من العديد من المراحل الممددة المستقبلية لهذه المهمة.
يقول ستيرن: "إن حالة المركبة ممتازة، وهي تمتلك ما يكفي من الوقود والطاقة لتعمل حتى العقد الرابع من القرن الجاري"، ويضيف: "لا شك في أن النجاحات الحالية لمركبة نيو هورايزنز لن تكون الأخيرة".