إذا ألقيت نظرة على سماء الليل، وحدَّقت في النجوم، فقد يهمك أن تعرف أنه قد يوجد مقابل كل واحدة من هذه النقاط المضيئة جسمٌ آخر لم يستطع التألُّق مثلها، ولكن الفلكيين أمضوا عقوداً من الزمن وهم يحاولون معرفة سبب تألق بعض الكرات الغازية واختفاء غيرها في هذا الظلام.
ولكن الآن -وللمرة الأولى- اكتشف الفلكيون نجماً فاشلاً، يماثل في حجمه نجماً آخر ناجحاً، وهو ما يتناقض مع ما نعرفه حول تشكُّل النجوم.
فقد نشر باحثو معهد كارنيجي للعلوم بحثاً في مجلة Astrophysical Journal، حيث درسوا نظاماً نجمياً غريباً، يبعد عن الأرض حوالي 12 سنة ضوئية، ويتضمن هذا النظام نجماً أصغر من الشمس بقليل هو "إيبسيلون إندي إيه"، ونجمين فاشلين هما "إيبسيلون إندي بي" و"إيبسيلون إندي سي".
اكتشف الفلكيون هذين النجمين الفاشلين -أو "القزمين البُنيَّين"- في 2002 ولكن لم تُقَس كتلتهما الدقيقة بالضبط، وأمضى الفريق عدة سنوات في مراقبة الجسمين وأثرهما الخفيف على النجم الأم، الذي أدى إلى انزياحه قليلاً عن موضعه المركزي في النظام.
أما النتيجة فقد كانت مفاجئة؛ حيث إننا إذا أخذنا الكتلة فقط بعين الاعتبار، فمن المفترض بأحد الجسمين على الأقل أن يكون نجماً، كما أن الآخر لا يقل عنه كثيراً، وفي الواقع فإنهما يعتبران أكبر أقزام تي من ناحية الكتلة حتى الآن (أقزام تي هي نوع غني بالميثان من الأقزام البنية).
يقول سيرجيو ديتريش (فلكي مختص بالرصد في كارنيجي، والمؤلف الأساسي للدراسة): "لقد اكتشفنا أن هاتين الكتلتين يقعان في منطقة حرجة للغاية، تماماً بين النجوم والأقزام البنية".
وتبلغ كتلة إيبسيلون إندي بي حوالي 75 ضعفاً من كتلة المشتري (أضخم كوكب في نظامنا الشمسي)، وهو من أخف النجوم المعروفة، ويتمتع بكتلة مماثلة للنجم في-بي-10 الذي يشكل مع النجم جليس 752 نظاماً ثنائياً، وتبلغ كتلته أيضاً 75 ضعفاً من كتلة المشتري، أما إيبسيلون إندي سي فكتلته تمثل 70 ضعفاً من كتلة المشتري، وهي أخفض كتلة نظرية ممكنة للنجم.
أما الفرق الحقيقي بين إيبسيلون إندي بي وإيبسيلون إندي سي من جهة، وبين في-بي-10 من جهة أخرى، فهو الحرارة؛ حيث يأخذ في-بي-10 ذرات الهيدروجين ويُدمجها محولاً إياها إلى ذرات هيليوم، مما يؤدي إلى التوهج الذاتي وإطلاق الطاقة والحرارة، أما إيبسيلون بي وإيبسيلون سي فهما باردان، يقول ديتريش: "نعلم أن هذه الأجسام عبارة عن أقزام بنية لأنها باردة للغاية، ومن المقبول به أن مجال الكتلة المطلوب للاندماج يتراوح ما بين 70 و80 ضعفاً من كتلة المشتري، لكنها أبرد بكثير من النجوم".
وعلى الرغم من وجود الكثير من الأجسام "المرشحة للنجومية" في المنطقة الرمادية ما بين النجم والقزم البني، إلا أن كتلها ليست معروفة بدقة، غير أن نظام إيبسيلون إندي يقدِّم للعلماء فرصة رصد فريدة؛ حيث إن مشاهدة النجوم وهي تتفاعل مع الأجسام من حولها يساعد في تحديد كتلة هذه الأجسام، والنجم نفسه، وحينئذٍ يمكن للفلكيين مراقبة مقدار الشد الذي تطبقه الأقزام البنية على نجمها الرئيسي.
يقول ديتريش: "هذه أول أقزام بنية مؤكدة تقع في هذا المجال الكتلي، كما أن هناك عدة أجسام أخرى نعرف كتلها، ولكن نظراً لكونها دافئة فلسنا متأكدين من كونها نجوماً أو أقزاماً بنية يافعة للغاية".
وتعتبر هذه المسألة فرقاً هاماً للغاية؛ حيث إن الأقزام البنية كبيرة الكتلة تتألف من نفس المكونات التي تتألف منها النجوم، بل قد تتمتع بنفس الاندماج الأوَّلي، وهو تفاعل نووي يحدث بشكل تلقائي في النجوم، حيث تلتهب الأقزام البنية أيضاً في هذا الوقت، وتبدو كأي نجم أولي آخر، يقول ديتريش: "عندما تكون هذه الأجسام في بداية حياتها -أي في أول بضعة ملايين من السنوات- تحصل على دفعة بدائية من الاندماج، ثم تصل إلى مرحلة الاستقرار بعد مرور فترة من حياتها، إما كقزم بني أو نجم". ويضيف ديتريش أن معظم النجوم تلتهب بحرارة أعلى من 2100 كلفن، وهي طريقة أخرى للتمييز ما بين النجوم والأقزام البنية، على الرغم من أن الأقزام البنية على وجه الخصوص قد تبقى حارة بعد التشكُّل وتصدر بعض الضوء. ومن الجدير بالذكر أن إيبسيلون إندي بي وإيبسيلون إندي سي لا يُصدران أي ضوء، وتبلغ حرارتهما حوالي 900 كلفن و1300 كلفن على الترتيب.
تقول إميلي رايس (وهي بروفسورة مساعدة في الفلك والفيزياء في جامعة ستاتن آيلاند، وباحثة مساعدة في المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي، وغير مشاركة في هذه الدراسة): "أرى أن هذه النتيجة مفاجأة كبيرة، ولكنها نتيجة هامة للغاية لفهم هذه الأجسام".
كما تقول رايس إنه كان من المحتمل أن توجد تفاعلات اندماج محدودة ومتفرقة في إيبسيلون إندي بي وإيبسيلون إندي سي، ولكنها تقارن هذا الوضع بمحاولة تشغيل سيارة، حيث يدور المفتاح ولكن دون أن يُقلع المحرك، وتضيف بأن النجوم "لن تنطفئ طالما بقي المحرك في حالة التشغيل".
وقد أمضى ديتريش وفريقه عدة سنوات في تتبع أجسام كهذه، وأثناء ذلك نشروا بحثاً في 2013 يتحدث عن بعض الأجسام المرشحة. أما بالنسبة لعدم تحول إيبسيلون إندي بي وإيبسيلون إندي سي إلى نجوم -على الرغم من كتلتهما التي تقارب القيمة المطلوبة لكتلة النجوم- فإن ديتريش يقول إن هذا قد يتعلق بعدد العناصر الثقيلة في الغلاف الجوي، وما إذا لم تكن النجوم الغازية التي تشكِّل الجسم كثيفة بما يكفي لإطلاق التفاعلات.
وبشكل عام فإن جميع العناصر الأثقل من الهيليوم في الجدول الدوري يشار إليها على أنها "معادن". وفي بعض النماذج، فإن بعض الأجسام شبه الخالية من المعادن نسبياً قد لا تتحول إلى نجوم إلا بعد الوصول إلى كتل أكبر بكثير، بحيث تماثل كتلة النجوم بشكل لا يرقى إليه الشك. يقول ديتريش: "إذا لم يكن لديك معادن، وكان الجسم الأوَّلي مكوناً فقط من الهيدروجين، فإن الحد الكتلي النجمي يصل إلى 98 ضعفاً من كتلة الشمس"، ولكن هذه الأجسام لم تتواجد في مجرتنا منذ بدايات تاريخها.
وقد نكتشف في السنوات المقبلة المزيد من الأجسام الغريبة الواقعة على هذا الحد بين النجوم والأقزام البنية، وقد عثر الباحثون بالفعل على نجوم صغيرة وباردة للغاية مثل ترابيست-1 بكتلة تقارب 80 ضعفاً من كتلة المشتري، وقد يكتشف العلماء أيضاً المزيد من الأجسام التي تقترب كثيراً من حد النجوم، مثل إيبسيلون إندي بي، حيث تعتبر من أغرب الأجسام في الكون، وقد بدأنا نقترب من اكتشاف السر الذي يعطي النجم قوته حقاً.