بدأت مركبة كاسيني مجموعتها النهائية من الدورات حول زحل يوم الأحد 23 أبريل. وستنقض باتجاه الغلاف الجوي لزحل وتتبخر في 15 سبتمبر، وذلك بعد 22 مروراً سريعاً في المنطقة الفاصلة بين الكوكب العملاق الغازي وحلقاته.
بعد 20 سنة، وآلاف الصور الخلابة، والكثير من الاكتشافات العلمية، أصبحت المركبة الفضائية كاسيني جاهزة أخيراً للتقاعد. ولكن هذه المركبة العجوز لن تتقاعد مسترخية على الشاطئ، بل سترحل بأبهة لاهبة. وبالتحديد، تخطط ناسا لجعل المركبة تدخل بسرعة إلى الغلاف الجوي لزحل، حيث ستذوب وتتبخر.
بدأت مهمة كاسيني الأخيرة يوم الأحد 23 أبريل، وذلك بمجموعة أخيرة من الدورات في الفراغ الفاصل بين زحل وحلقاته. وبعد إكمال 22 عبوراً في هذه المنطقة المجهولة، واستكشاف أعالي امتدادات زحل، ستنقض كاسيني مباشرة نحو دمارها في الغلاف الجوي يوم 15 سبتمبر. ما زال أمامنا بضعة أشهر لنتمتع بالصور والبيانات التي ستستمر كاسيني بإرسالها إلينا، وما زالت هذه المركبة بدون شك تخبئ لنا بعض الاكتشافات. ولكن مع اقتراب نهاية المهمة، لنلق نظرة على كل ما حققته هذه المركبة الفضائية على مدى السنوات الماضية.
5. حل لغز اللونين
تسبب لابيتوس، قمر زحل، بالحيرة للفلكيين منذ القرن السابع عشر، حيث كان يختفي في بعض الأحيان. وفي النهاية، أدركوا أن أحد جانبيه داكن كالفحم، والآخر أبيض كالثلج. وقد أوحت هذه الظاهرة الغريبة للكاتب آرثر كلارك بتخبئة نصب للكائنات الفضائية على الجانب الداكن للابيتوس في فيلم 2001: A Space Odyssey.
بعد أن اقتربت كاسيني من القمر ثنائي اللون لمسافة 1,000 ميل (حوالي 1,609 كيلومتر)، ساعدت على كشف سر هذا التلون المميز. حيث أن قمر لابيتوس مقفل مدياً على زحل، ما يعني أن جانباً واحداً فقط منه يواجه العملاق الغازي بشكل دائم. أي أن الجانب الآخر في الاتجاه المعاكس دائماً أثناء دورانه.
يضرب الحطام من أقمار زحل وحلقاته الجانب الذي يواجه زحل كالحشرات التي تصيب زجاج السيارة الأمامي، ما يتسبب باللون الداكن. من ناحية أخرى، فإن الجانب الداكن يكتسب الحرارة بسرعة أكبر، وبالتالي فإن الجليد يتبخر عنه باستمرار ويتراجع إلى الجانب الأبيض، حيث يستقر ويزيد من بياضه.
4. اكتشاف أقمار جديدة
يدور حول زحل أكثر من 50 قمراً، ومن المرجح وجود أقمار أخرى لم يتم اكتشافها أو تأكيد وجودها بعد. ساعدت كاسيني على اكتشاف بعض هذه الأقمار، بما فيها آنثي، والقمر الصغير آيغون، ودافنيس المحبب، الذي يظهر هنا وهو يشق طريقه عبر حلقات زحل، والأقمار بيضوية الشكل ميثون، باليني، وبوليديوسيس. كما قدمت لنا المركبة الفضائية صوراً مقربة مذهلة لأقمار أخرى لزحل، مثل هايبيريون الاسفنجي، وأطلس الشبيه بالفطيرة المحشوة.
3. تيتان شبيه بالأرض إلى درجة كبيرة
كان تيتان، أكبر أقمار زحل، مجرد كرة سديمية قبل أن تنزل كاسيني مسبار هويجينز هناك في 2005. وقد اكتشف المسبار الروبوتي من على السطح عالماً بدا مألوفاً بشكل غريب: فقد كان مغطى بالبحيرات والأنهار. ولكن بدلاً من أن يتدفق فيها الماء، فهي مليئة بالهيدروكربونات السائلة.
تقول ليندا سبيلكر، العالمة المشرفة على مشروع كاسيني، أن استكشاف تيتان كان أحد المراحل المفضلة من المهمة: "لقد كان من المثير أن نرى مدى شبه سطح تيتان بسطح الأرض، مع قنوات نهرية، وبحيرات وبحار من الميثان، وأن ندرك أنه يوجد في تيتان دورة ميثان مشابهة لدورة الماء هنا على الأرض، حيث توجد غيوم وأمطار تملأ البحيرات التي تتبخر بدورها، وهكذا دواليك".
لا يصلح تيتان كموطن، على الأقل بالنسبة لنا، ولكن غلافه الجوي الكثيف وسطحه الذي يعج بالنشاط دفع بالعلماء إلى اعتباره أحد أهم الأماكن للبحث عن الحياة الفضائية في نظامنا الشمسي. وقد تكون هذه الحياة مبنية على الميثان، كما الحياة على الأرض مبنية على الماء، ما يجعلها فائقة الغرابة فعلاً.
2. إينسيلادوس يحتوي على فوارات ومحيط
قبل كاسيني، اعتقد العلماء أن هذا القمر الصغير والمتواضع مجرد كتلة جليدية. ولكن بعض القراءات الغريبة من مقياس المغنطة في كاسيني دفعت بالعلماء إلى إرسالها لإلقاء نظرة أقرب، وعثروا على ما أثار ذهولهم: فوارات من بلورات المياه تتفجر من القطب الجنوبي لإينسيلادوس، في دلالة على وجود محيط عميق تحت القشرة الجليدية. وحيث يوجد الماء، يوجد احتمال لوجود الحياة كما نعرفها.
لم تُبنَ كاسيني للبحث عن الحياة، ولكن علماء البعثة تمكنوا من إعادة معايرة بعض أدواتها بهدف "تذوّق" محتويات الفوارات، محاولةً منهم لتحديد ما إذا كان المحيط الداخلي صالحاً للحياة. ويبدو حتى الآن أنه كذلك.
بعد أن نفذت كاسيني أعمق اندفاعة داخل دفقة خارجة من إحدى الفوارات، اكتشفت وجود غاز الهيدروجين ضمن بخار الماء. ومن المرجح أنه صادر عن مداخن هيدروجينية حرارية في قعر المحيط في إينسيلادوس. ويوجد على الأرض ميكروبات تأكل هذا الهيدروجين بدمجه مع ثنائي أوكسيد الكربون.
أظهرت كاسيني أنه بوجود الماء، والغذاء، والحرارة، تتوافر على إينسيلادوس أغلبية المكونات اللازمة لنشوء الحياة كما نعرفها.
1.عملياً قد تتواجد الحياة في أي مكان
لا يقع زحل في "المنطقة الصالحة للسكن" لنظامنا الشمسي، أي المنطقة المحيطة بنجم ما حيث الحرارة ليست مرتفعة أو منخفضة بشكل يمنع وجود الماء على سطح كوكب ما. وعلى الرغم من هذا، يعتبر تيتان وإينسيلادوس من أهم الأماكن للبحث عن حياة فضائية في النظام الشمسي. أثبتت نتائج كاسيني -إضافة إلى أوروبا، قمر المشتري الذي قد يحوي محيطاً داخلياً أيضاً- أن الحياة يمكن أن تنشأ في أي مكان، وليست بالضرورة بحاجة إلى "منطقة ذهبية" (المنطقة الصالحة للسكن). تقول سبيلكر: "لقد شهدنا نقلة حقيقية في إطار العمل، نقلة في تفكيرنا حول الأماكن المحتملة للعثور على الحياة، في نظامنا الشمسي أو أي نظام شمسي آخر. لقد تغير تفكيرنا كثيراً عندما علمنا باحتمال وجود هذه العوالم المحيطية، في نظامنا الشمسي، حيث يمكن أن تكون الحياة قد نشأت بشكل مستقل تماماً عن الأرض".
ما التالي؟
ستعبر كاسيني المنطقة الفاصلة بين زحل وحلقاته للمرة الأولى. وإذا جرى كل شيء على ما يرام، ولم تصطدم مع أية حبيبات شاردة من حلقة زحل الداخلية، ستستمر المركبة الفضائية باستكشاف هذه المنطقة الجديدة حتى منتصف سبتمبر، وقد ترسل معلومات جديدة حول قلب زحل، وجاذبيته، وحقله المغناطيسي. وبالطبع، سترسل بطاقات بريدية جميلة على طول الطريق.
في 12 سبتمبر، سيعطي تيتان كاسيني "قبلة الوداع"، على حد تعبير سبيلكر، على شكل دفعة ثقالية للمركبة الفضائية إلى مسار يتجه مباشرة نحو الغلاف الجوي لزحل، حيث ستلقى حتفها. من الضروري حرق كاسيني، حيث أن وقودها يوشك على النفاد، ولا ترغب ناسا بتلويث تيتان أو إينسيلادوس بأية ميكروبات أرضية قد تكون متعلقة بها.
تقول سبيلكر: "إنها نهاية مشرّفة لكاسيني، حيث ستحمي هذه العوالم المحيطية، وتستمر بإرسال البيانات العلمية حتى آخر ثانية. إنها مناضلة حتى الرمق الأخير".
على الرغم من عدم وجود بعثات جديدة إلى زحل حالياً، إلا أن برنامج نيو فرونتييرز في ناسا يدرس بعض العروض للعودة إلى تيتان وإينسيلادوس. وقد قدمت سبيلكر شخصياً عرضاً لمركبة فضائية تحلق عبر دفقات إينسيلادوس المائية للبحث عن المكونات الأخيرة المفقودة لنشوء الحياة.
سيعمل العلماء لسنوات على تحليل بيانات كاسيني، وما زال هناك المزيد من الاكتشافات المخبأة في هذا الصندوق من الكنوز. بل قد يكون هناك بعض الاكتشافات اللاحقة أيضاً قبل نهاية البعثة.
تقول سبيلكر: "أمامنا 22 أسبوعاً رائعاً ضمن المرحلة الأكثر إثارة من البعثة. عندما نذهب إلى مكان جديد، لا يمكن أن نتوقع ما سنجد. يمكننا أن نخمن، ولكن في هذه البعثة، شهدنا حتى الآن الكثير من المفاجآت".