ملخص: زار أكثر من 270 رائد فضاء محطة الفضاء الدولية، ويقيم باستمرار على متنها عدد من رواد الفضاء، ما يجعلها مكاناً يمكن إجراء دراسات حول أحداث مرّت عليه. وقد طبق الباحثون استراتيجية ميدانية تقليدية تحمل اسم "حفرة المجرفة التجريبية" لتحليل تكيّف "المجتمع الصغري" المتغير باستمرار على متن المحطة وتحوله بمرور الوقت، وبما أنها لا تحتوي على مواقع يمكن التنقيب فيها، اختار الفريق 6 مواقع في مختلف أقسامها وكلّف رواد الفضاء بالتقاط صور يومية لكل مساحة على مدار شهرين تقريباً في عام 2022. تركز الدراسة الجديدة على النتائج التي استخلصها رواد الفضاء من أول موقعين موثّقين بالكامل للعيّنة، وهما موقع مربّع الشكل مخصص رسمياً لصيانة المعدات وآخر يقع بالقرب من معدات التمرينات الرياضية والمراحيض في المحطة، وقد لاحظ الباحثون أنماطاً متباينة للمواقع المختلفة ومراحل النشاط المختلفة حتى في موقع صغير ومغلق يشغله عدد قليل من الأشخاص خلال فترة قصيرة نسبياً. كما لم يتم استخدام الموقعين المربعيّ الشكل لوظائف مميزة واضحة كانت مخصصة لهما أساساً.
ركّز علماء الآثار عبر التاريخ على المواقع الأرضية دائماً في ممارساتهم. ولكن هذا آخذ في التغير مع استمرار البشرية في استكشاف الفضاء. بعد ما يزيد على عقدين من الزمن من إنشاء محطة الفضاء الدولية وزيارة أكثر من 270 رائد فضاء لها، أصبحت هذه المحطة أول موقع خارج الأرض يمكن فحصه بتطبيق الطرق الأثرية.
اقرأ أيضاً: ما الفوائد العلمية لجلب عيّنات من المريخ؟ وما التحديات التي تواجه العملية؟
دراسة أثرية على متن محطة الفضاء الدولية
طبّق فريق من جامعة تشابمان في ولاية كاليفورنيا في دراسة نشرتها مجلة بلوس ون (PLOS ONE) بتاريخ 7 أغسطس/آب 2024 استراتيجية ميدانية تقليدية تحمل اسم "حفرة المجرفة التجريبية" لتحليل تكيّف "المجتمع الصغري" المتغير باستمرار على متن محطة الفضاء الدولية وتحوله بمرور الوقت. تتضمن هذه المشروعات في الأرض إنشاء حفر تنقيب صغيرة وفق مجالات منتظمة عبر موقع ما لجمع المعلومات حول كيفية توزّع القطع الأثرية، ثم اختيار حفر تبدو محتوياتها واعدة بصورة خاصة لإجراء دراسة مفصّلة أكثر. بما أن محطة الفضاء الدولية لا تحتوي على مواقع يمكن التنقيب فيها، اختار الفريق 6 مواقع في مختلف أقسامها وكلّف رواد الفضاء بالتقاط صور يومية لكل مساحة على مدار شهرين تقريباً في عام 2022.
تركز الدراسة الجديدة على النتائج التي استخلصها رواد الفضاء من أول موقعين موثّقين بالكامل للعيّنة، وهما موقع مربّع الشكل مخصص رسمياً لصيانة المعدات وآخر يقع بالقرب من معدات التمرينات الرياضية والمراحيض في المحطة. تمكّن الباحثون من تحديد 5,438 مثالاً من "القطع الأثرية" المستخدمة لتلبية احتياجات مختلفة باستخدام برنامج تحليل صور جديد مفتوح المصدر طوّروه بأنفسهم. تضمنت هذه القطع سماعة الواقع المعزز وملاحظات لاصقة وقفازات وأجهزة وأدوات للكتابة مثل الأقلام من العلامة التجارية شاربي (Sharpie). بعد جدولة هذه القطع، قارن الفريق الصور اليومية بتقارير النشاط التي أعدّها رواد فضاء المحطة لتحديد توافق الاستخدام الفعلي لهذه المساحات مع تسمياتها الرسمية المفترضة.
ما الذي اكتشفه الباحثون من دراسة محطة الفضاء الدولية أثرياً؟
كتب الباحثون في خلاصة الدراسة: "اكتشفنا بعض الخصائص العامة من خلال التحليل الأثري للثقافة المادية للمحطة الفضائية. أولاً، يمكننا ملاحظة أنماط متباينة للمواقع المختلفة ومراحل النشاط المختلفة حتى في موقع صغير ومغلق يشغله عدد قليل من الأشخاص خلال فترة عينة قصيرة نسبياً. ثانياً، في حين أن الموقعين المربعيّ الشكل مخصصان لوظائف مميزة واضحة، هذه الوظائف ليست التي توقعناها قبل إجراء البحث".
كما هي الحال في الأرض، لاحظ الباحثون أن البشر لا يستخدمون المساحات المخصصة لغرضها الأصلي دائماً. استخدم رواد الفضاء منطقة صيانة المعدات في الغالب لتخزين أغراض متنوعة على الرغم من أنها مخصصة للصيانة. وعلى الرغم من أن منطقة ممارسة التمرينات الرياضية والمراحيض لا تتمتع بوظيفة محددة، فإن رواد الفضاء حولوها باتساق إلى خزانة مؤقتة للأكياس القابلة لإعادة الإغلاق ولوازم النظافة المختلفة، وحتى جهاز كمبيوتر نادر الاستخدام.
قال أحد رواد الفضاء الذي لم يكشف الباحثون عن هويته في جلسة تقديم التقارير لفريق الدراسة: "كان الطاقم منظماً إلى حد كبير وتمكن بعض أفراده من التنسيق مع بعض بالكامل تقريباً بشأن كيفية إجراء المهام. نظّمنا المختبر بمرور الوقت ونسقنا الأمور المتعلقة بمواقع تخزين الأدوات وأداء المهام".
في حين أن الباحثين بينوا أن ذلك يوضح كيف يخصص رواد الفضاء الوظائف لأقسام مختلفة من محطة الفضاء الدولية من خلال "الاستخدام والاتفاق المتبادلين"، فإنهم قالوا إنه "في الوقت نفسه، هذه الوظائف لا تظل ثابتة بمرور الزمن؛ إذ يتمتع الأشخاص المختلفون بأفكار متباينة حول المواقع المعينة لأداء المهام وطرق أدائها".
اقرأ أيضاً: هل أتت الحياة إلى الأرض من الفضاء؟ وكيف يمكن أن يحدث ذلك؟
أول دراسة توثّق طرق تكيُّف البشر مع وسط جديد
على الرغم من أن الدراسة الجديدة هي مجرد استقصاء أولي لهذا الموضوع، فهي الأولى من نوعها التي توثق طرق تكيّف البشر مع وسط جديد بعيد كل البعد عن الذي تكيّفوا للتعامل معه. يجادل الفريق بأن ضمان المرونة الأكبر في استخدام المساحات قد يساعد على تعزيز استقلالية الطاقم وتحسين صحة أفراده العامة. يعتقد المؤلفون أيضاً أن إجراء المزيد من الدراسات باستخدام طريقة حفرة المجرفة التجريبية وغيرها من المنهجيات قد يساعد المسؤولين عن وضع الخطط على تصميم المساكن في المهمات المستقبلية الطويلة الأمد إلى القمر والمريخ وما بعدهما، على الرغم من أن هذه الطرق مخصصة للبيئات الأرضية.
قال الباحثون في بيان مرافق للدراسة: "تمكنا من أن نبيّن كيف يستخدم طاقم محطة الفضاء الدولية مناطق مختلفة من المحطة بطرق تختلف عن التصميمات وخطط المهمة من خلال تطبيق طريقة تقليدية للغاية لاستخلاص العينات من موقع معين في سياق أثري من نوع جديد تماماً".