يوجد كوكب يبعد عنا حوالي 4 سنوات ضوئية وحسب، ويدور على بعد مناسب من نجمه، بحيث أنه ليس قريباً أو بعيداً أكثر مما يلزم لوجود مياه سائلة على سطحه. لا نعرف الكثير حول غلافه الجوي، أو ما إذا كان يتمتع بغلاف جوي أصلاً، وما زلنا نحاول الحصول على بعض المعلومات حول تركيبه الداخلي. يوجد الكثير من الأسرار، ولكنه يبدو كوكباً واعداً لوجود بعض الجيران من الكائنات الفضائية، أليس كذلك؟
قد يكون هذا صحيحاً، فقط لو وجدت وسيلة للتعامل مع الوهج النجمي الشديد.
نشرت مؤخراً دراسة في مجلة The Astrophysical Journal Letters ، ووفقاً لهذه الدراسة، فإن هذا النجم لا تحيط به حلقة دافئة من الغبار –وهي مؤشر على احتمال وجود ظروف جيدة في الكواكب المحيطة، كما أوردت دراسة نشرت في الخريف المنصرم-، بل يوجد بدلاً من هذا الغبار وهج نجمي ضخم، وهو ما يماثل الوهج الشمسي عند النجوم الأخرى.
أثارت الدراسة الأصلية حول الغبار فضول ميريديث ماكجريجور، وهي فيزيائية فلكية في معهد كارنيجي، وتتخصص بدراسة أقراص الحطام المحيطة بالنجوم الأخرى.
تقول ماكجريجور: "يوجد أقراص في نظامنا الشمسي. لدينا حزام الكويكبات وحزام كيبر، والتي نعتقد أنها بقايا من مرحلة تشكل النظام الشمسي. إن رؤية بنى مشابهة لدى النجوم الأخرى أمر رائع للغاية".
قامت ماكجريجور بدراسة نجوم مثل بروكسيما سينتوري من قبل، وأدركت أنها قد تكون شديدة الفعالية، وتطلق بشكل متكرر وهجاً يحمل الكثير من الأطوال الموجية، بما في ذلك الأطوال المليمترية، والتي تستخدم غالباً لكشف وجود الغبار في الأنظمة النجمية.
تقول ماكجريجور: "شعرت بالفضول لمعرفة ما إذا كان النجم نشطاً خلال عمليات الرصد تلك، وما إذا كان لهذا تأثير على النتائج". ولهذا قررت أن تدقق نتائج الدراسة السابقة. حيث اعتمد الفريق على 15 عملية رصد على مدى ثلاثة أشهر، أي ما يكافئ 10 ساعات متواصلة من مراقبة بروكسيما سينتوري.
بشكل عام، كان النجم هادئاً، وفقاً لماكجريجور: "في معظم عمليات الرصد، كان النجم مستقراً ولم يصدر عنه ما يثير الاهتمام. ولكنه سطع بشدة لمدة دقيقتين، وكان من الممكن تتبع تغير التدفق الإشعاعي منه عبر الزمن".
كان هذا السطوع الوجيز عبارة عن وهج نجمي. وتقول ماكجريجور أن الدراسة السابقة توصلت، بعد تدقيق مجمل الملاحظات، إلى أن تزايد السطوع قد يشير إلى احتمال وجود نظام كوكبي، يتضمن حلقة من الغبار الدافئ بسبب النجم في القسم الداخي. وهذا ما يبحث عنه مرصد ألما، المتخصص بالإشارات في الطول الموجي المليمتري ضمن الإشعاع الكهرطيسي، المشابه لما يصدر عن المايكرويف العادي في المطبخ.
تقول ماكجريجور: "نحن نبحث عن أنواع متعددة الأحجام من الدقائق الغبارية عن طريق تفحص أطوال موجية مختلفة. وتقول القاعدة المتبعة عادة في مراقبة النظام هي أن طول الموجة الذي نرصده يماثل حجم الحبيبات الغبارية التي ننظر إليها، وبالتالي، فإن رصد الأمواج المليمترية يعني تتبع دقائق غبارية أو جليدية بحجم مليمتر تقريباً".
يعتبر هذا الأمر مهماً لفهم البنية الداخلية للأنظمة النجمية. ولكن يوجد الكثير من الأشياء الأخرى التي تظهر في الأطوال الموجية المليمترية، بما في ذلك الوهج الشمسي والنجمي.
تقول ماكجريجور: "إذا قمنا بمقارنة السطوع المطلق لهذا الوهج مع الوهج الشمسي، في الطول الموجي المليمتري، فإن هذ الوهج على بروكسيما سينتوري أقوى بعشر مرات مما نراه على الشمس". غير أن هذا لا يعني أنه كان أكبر بعشر مرات من الوهج الشمسي، حيث أن هذه المقارنة تقتصر فقط على الأطوال الموجية المليمترية، ولا تشمل جميع الأنماط الإشعاعية الأخرى التي يطلقها الحدث. إضافة إلى هذا، فإن الشمس وبروكسيما سينتوري ليسا حتى في نفس الفئة من النجوم. تكمل ماكجريجور الشرح: "يعتبر بروكسيما سينتوري نجماً قزماً من الفئة M، أي أنه نجم أصغر حجماً، ويتمتع بحقل مغناطيسي أكثر شدة، وما زلنا حتى الآن نحاول تحديد كيفية مقارنة نوعين مختلفين من النجوم".
بالنسبة للفيزيائي الفلكي جيليم أنجلادا، وهو المؤلف الأول للدراسة التي اكتشفت وجود الغبار في نظام بروكسيما سينتوري، فإن هذه النقطة صحيحة، كما يوضح في رسالة بالبريد الإلكتروني: "هذه النتيجة هامة، و قد تساعدنا على تحقيق فهم أفضل لسلوك الغلاف الجوي للنجوم القزمة من الفئة M. إن بروكسيما سينتوري أقرب نجم إلى شمسنا، ولهذا فهو يعتبر حقل تجارب ممتاز يساعدنا على تعلم المزيد عن النجوم الأبعد".
يثير بروكسيما سينتوري انتباهنا لأنه أقرب نجم إلى شمسنا، كما يدور حوله كوكب بروكسيما بي في المسار الصحيح الذي يدعم وجود المياه السائلة على سطحه. غير أن وجود غلاف جوي لبروكسيما بي، وهو أمر ضروري لوجود المياه السائلة، يصبح أمراً مشكوكاً فيه مع تزايد الوهج النجمي.
تقول ماكجريجور: "التقطنا وهجاً خلال فترة رصد تبلغ 10 ساعات في مرصد ألما. إما أننا كنا محظوظين للغاية، أو أن الوهج من هذه الدرجة أمر متكرر الحدوث على بروكسيما سينتوري. وفي حال كان الاحتمال الثاني صحيحاً، فيمكن أن نقول أن الغلاف الجوي لبروكسيما بي لن يكون في حالة جيدة."
عادة ما يترافق الوهج الشمسي الكبير بانبعاث كتلي إكليلي، وهو انفجار ضخم من الجسيمات الدقيقة المشحونة. وإذا كانت هذه الانبعاثات ترافق الوهج على بروكسيما سينتوري، فإن اجتماع الظاهرتين لن يؤدي فقط إلى ضرب الكوكب بإشعاعات شديدة، بل سيؤدي أيضاً إلى تجريده من غلافه الجوي. تقول ماكجريجور: "لا نعرف فعلياً ما إذا كان وهج النجوم القزمة من الفئة M مترافقاً بانبعاثات كتلية إكليلية. ما زال هذا السؤال بلا إجابة حتى الآن".
يقول أنجلادا أنه عثر وزملائه على الوهج، وبشكل غير متوقع، خلال تحليل لاحق للبيانات، وبشكل مستقل عن عمل ماكجريجور. ويقول: "تشير تقديراتنا الجديدة إلى أن مقدار الغبار قد يبلغ نصف تقديراتنا القديمة، ولكننا ما زلنا نعمل على التحقق من هذه القيمة. من جهة أخرى، يقترح بحث ماكجريجور وزملاؤها أن المنطقة المحيطة ببروكسيما سينتوري قد تكون خالية من الغبار. لقد أجريت الدراستان اعتماداً على قاعدة بيانات محدودة من برنامج استكشافي. ويمكن لعمليات رصد لاحقة باستخدام تجهيزات أكثر حساسية أن تلتقط صوراً أكثر دقة وتحدد بشكل مؤكد هيكلية هذا النظام وخصائصه الأساسية".
من المؤكد أنه ستجرى عمليات الرصد الجديدة، خصوصاً بوجود اهتمام كبير ببروكسيما سينتوري من الأوساط العلمية العامة والخاصة.
يقول جيليم أنجلادا إسكيود (لا علاقة له بجيليم أنجلادا)، وهو فيزيائي فلكي ساعد على اكتشاف بروكسيما بي ولكنه لم يشترك في الدراسة الأخيرة: "هناك الكثير من الأسئلة التي يجب أن نجيب عنها. تظهر هذه النتيجة الجديدة مع التقرير السابق من ألما أننا لا نعرف عن أقرب جيراننا سوى القليل، وأنه يجب أن نكون حذرين للغاية في تفسير هذه البيانات".
من هذه الأسئلة: مقدار تكرار حدوث الوهج، وماهيته، واحتمال وجود أقراص أخرى أكبر وأبعد في نظام بروكسيما مؤلفة من حطام أكثر برودة، وما هي الطبيعة الحقيقة لبروكسيما بي وما إذا كانت هناك كواكب أخرى قريبة منه. لن تكون الإجابة عن أي من هذه الأسئلة سهلة، وهو ما يضفي المزيد من الإثارة على هذا العمل.