دراسة جديدة تتوصل إلى تقدير أدق لألوان كوكبي أورانوس ونبتون

4 دقيقة
ما الألوان الحقيقة لكوكبي نبتون وأورانوس؟
مقارنة بين صور كل من مركبة فوياجر 2 ومحطة الفضاء الدولية لكوكبي أورانوس ونبتون التي أُصدرت بعد وقت قصير من رحلتي مركبة فوياجر 2 في عامي 1986 و1989، والصور المفلترة التي أعاد مؤلفو الدراسة الجديدة معالجتها لتقدير الألوان الحقيقية لهذين الكوكبين بأكبر دقة ممكنة. باتريك إروين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بيّنت صور كوكب نبتون التي التقطت على مدى عقود من الزمن أن لون هذا الكوكب أزرق داكن، بينما بدا لون كوكب أورانوس أكثر خضرة. مع ذلك، قد يكون العملاقان الجليديان أكثر شبهاً ببعضهما مما اعتقد علماء الفلك سابقاً. وفقاً لدراسة جديدة نشرت بتاريخ 5 يناير/كانون الثاني 2024 في مجلة الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية (Monthly Notices of the Royal Astronomical Society)، يمكن أن تكون الألوان الحقيقية للكوكبين الأبعد في المجموعة الشمسية عبارة عن درجات باهتة متشابهة من اللون الأزرق المخضرّ.

الألوان في الصور مقارنة بالألوان الحقيقية

مهمة فوياجر 2 التابعة لوكالة ناسا هي المهمة الوحيدة التي حلّقت فيها مركبة فضائية بالقرب من كوكبي نبتون وأورانوس حتى الآن. ومنحتنا هذه المهمة صوراً مفصّلة للكوكبين البعيدين. حلّقت مركبة فوياجر 2 بالقرب من كوكب أورانوس في عام 1986، وكشفت الصور التي التقطتها عن أن لون هذا الكوكب هو أزرق سماوي باهت أو أزرق باهت. حلقت المركبة أيضاً بالقرب من كوكب نبتون في عام 1989 وبيّنت الصور أن لون هذا الكوكب هو أزرق نضر.

مع ذلك، أدرك علماء الفلك منذ زمن أن أغلبية الصور الحديثة للكوكبين لا تبيّن ألوانهما الحقيقية بدقة. التقطت مركبة فوياجر 2 صوراً لكل كوكب بألوان منفصلة، ثم جُمعت الصور الأحادية اللون معاً لتكوين صور مركّبة. لم تكن هذه الصور المركبة متوازنة بدقة دائماً، خاصة صور كوكب نبتون الذي يعتقد العلماء أن لونه الأزرق في الصور يبدو مبالغاً فيه. عُزّز أيضاً تباين الألوان في صور مركبة فوياجر 2 المبكّرة لكوكب نبتون للكشف عن سحب الكوكب ورياحه على نحو أدق.

قال عالم الفلك في جامعة أوكسفورد والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، باتريك إروين، في بيان صحفي: “على الرغم من أن صور فوياجر 2 المألوفة لكوكب أورانوس نُشرت في حالة كانت الألوان فيها أقرب إلى اللون ‘الحقيقي’ للكوكب، فإن صور كوكب نبتون كانت في الواقع ممددة ومحسنة، ما يعني أن ألوانها كانت مزرقّة صناعياً. على الرغم من أن إشباع اللون صناعياً كان تقنية معروفة بالنسبة لعلماء الكواكب في ذلك الوقت، كما أن الصور أُصدرت مع تعليقات تشرح هذه التقنية، فإن التمييز بين الألوان الصناعية والحقيقية فُقد بمرور الوقت”.

اقرأ أيضاً: حلقات كوكب نبتون الخافتة تلمع في صور جديدة من تلسكوب جيمس ويب الفضائي

إنشاء صور أدق

درس الباحثون في الدراسة الجديدة البيانات التي جمعها كل من مرسام طيف التلسكوب الفضائي المصوِّر في تلسكوب هابل الفضائي والمستكشف الطيفي المتعدد الوحدات في التلسكوب الكبير جداً التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي.

كل بكسل في صور الأداتين هو عبارة عن طيف مستمر من الألوان، ما مكّن الباحثين من معالجة الأرصاد بدقة أكبر لتحديد اللون الأدق للكوكبين بدلاً من الألوان التي يرونها باستخدام الفلاتر.

استخدم الفريق هذه البيانات لإعادة موازنة الصور الملونة المركبة التي التقطتها الكاميرا على متن مركبة فوياجر 2 وكاميرا النطاق الواسع 3 في تلسكوب هابل الفضائي. كشفت عملية إعادة الموازنة هذه أن لون كل من كوكب نبتون وأورانوس هو درجة باهتة من اللون الأزرق المخضر. يتمتّع نبتون بلون له درجة مزرقة قليلاً، وهي خاصية بيَّن النموذج الذي أنشأه الباحثون أنها ناجمة عن وجود طبقة رقيقة من الضباب على الكوكب.

اقرأ أيضاً: العلماء يكتشفون أخيراً سر اختلاف مظهر كوكبي نبتون وأورانوس

الألوان المتغيرة لكوكب أورانوس

يقدّم هذا البحث أيضاً تفسيراً محتملاً لظاهرة تغيّر لون كوكب أورانوس قليلاً في أثناء دورته حول الشمس التي تستغرق 84 عاماً. قارن الفريق أولاً صور كوكب أورانوس بقياسات سطوعه التي أجراها مرصد لويل في ولاية أريزونا الأميركية بين عامي 1950 و2016 ضمن الأطوال الموجية الزرقاء والخضراء. بيّنت هذه القياسات أن كوكب أورانوس يبدو أكثر خضرة قليلاً خلال الانقلابين الصيفي والشتوي، أي عندما يكون قطباه متوجّهين نحو الشمس. لكن لون الكوكب يبدو مزرقّاً أكثر خلال فترات الاعتدال، أي عندما تكون الشمس فوق خط استوائه.


صورة متحركة للتغيرات اللونية الموسمية في كوكب أورانوس خلال دورتين له حول الشمس، تمتدّان منذ عام 1900 إلى عام 2068 وتبدأ كل دورة منهما قبل الانقلاب الصيفي في النصف الجنوبي مباشرة، عندما يشير القطب الجنوبي للكوكب نحو الشمس مباشرة تقريباً. يبيّن القرص الأيسر منظراً لكوكب أورانوس بالعين المجردة، بينما مُدّد لون القرص الأيمن وحُسّن لتعزيز وضوح سمات الغلاف الجوي. بُطّء دوران كوكب أورانوس في هذه الصور المتحركة بأكثر من 3 آلاف مرة ليصبح أوضح، وتمكن رؤية السحب العاصفة المنفصلة وهي تعبر قرص الكوكب. بينما يقترب الكوكب من فترتي الانقلاب، تمكن رؤية “غطاء” قطبي شاحب تزداد عتامة السحب فيه وتنخفض وفرة غاز الميثان فيه ويملأ مساحة أوسع من قرص الكوكب، ما يؤدي إلى تغيرات موسمية في اللون العام للكوكب. يعود التغيّر في حجم قرص الكوكب إلى تغير بعده عن الشمس في أثناء دورانه حولها.
باتريك إروين/جامعة أوكسفورد

أحد الأسباب المدعومة بالأدلة التي تفسر تغير لون أورانوس هو طريقة دورانه الغريبة حول نفسه. يدور الكوكب على جانبه تقريباً على مداره؛ لذا فإن قطبيه الشمالي والجنوبي يشيران مباشرة تقريباً نحو الشمس والأرض في أثناء الانقلابين الشتوي والصيفي. وفقاً لمؤلفي الدراسة الجديدة، تؤثر التغيرات في انعكاسية قطبي أورانوس للغاية في سطوعه الإجمالي عند رصده من الأرض (انعكاسية القطبين هي كمية ضوء الشمس المنعكس عنهما). ولكن لا يعلم علماء الفلك بعد ما سبب هذه التغيرات في الانعكاسية. طور الفريق نموذجاً لمقارنة نطاقات الألوان في المناطق القطبية في كوكب أورانوس بالمناطق الاستوائية في الكوكب.

ولاحظوا أن المناطق القطبية تتمتّع بانعكاسية أكبر عند الأطوال الموجية الخضراء والحمراء مقارنة بالأطوال الموجية الزرقاء. تكون انعكاسية كوكب أورانوس أكبر عند هذه الأطوال الموجية، ويعود ذلك جزئياً إلى أن غاز الميثان يمتص اللون الأحمر ووفرة الميثان بالقرب من قطبي أورانوس تصل إلى النصف تقريباً مقارنة بوفرته عند خط الاستواء.

مع ذلك، لم يكن ذلك كافياً لتفسير تغير لون أورانوس تماماً. لذلك؛ أضاف الباحثون متغيراً جديداً إلى النموذج على شكل “غطاء” من الضباب الجليدي المتزايد سماكةً الذي رُصد سابقاً عند انتقال الكوكب من فترة الاعتدال إلى فترة الانقلاب الصيفي. يعتقد الباحثون أن هذا الضباب يتألّف على الأرجح من جسيمات جليد الميثان.

اقرأ أيضاً: صور جديدة تظهر مدى روعة كل من نبتون وتيتان والمشتري وبلوتو

بعد محاكاة هذا التحول في قطبي الكوكب باستخدام النموذج، زادت جزيئات الجليد الانعكاسية عند الأطوال الموجية الخضراء والحمراء في القطبين، ما بيّن أن كوكب أورانوس يبدو أكثر خضرة عند الانقلاب بسبب انخفاض نسبة غاز الميثان عند القطبين وزيادة سماكة جسيمات جليد الميثان.

قالت الباحثة في اتحاد الجامعات لأبحاث علم الفلك، هايدي هامل، التي لم تشارك في الدراسة الجديدة في بيان صحفي: “أربكنا كل من الفهم الخاطئ للون نبتون والتغيرات اللونية غير العادية لكوكب أورانوس عبر عقود من الزمن. ويفترض أن هذه الدراسة الشاملة الجديدة ستحل هذه المسألة أخيراً”.

يبيّن التوفيق الجديد بين التصور العام لكوكب نبتون وحقيقته كيف يمكن التلاعب بالبيانات لإبراز سمات معينة للكواكب أو تعزيز جمالية التمثيلات البصرية.

قال عالم الكواكب في جامعة ليستر والمؤلف المشارك للدراسة، لي فليتشر، لصحيفة نيويورك تايمز: “لم يحاول الخبراء خداع الجمهور في هذه الصور. ولكنهم حاولوا سرد قصة باستخدام هذه الصور من خلال جعلها جذابة من الناحية الجمالية حتى يتمكن الناس من الاستمتاع بهذه المشاهد الجميلة بطريقة ربما تكون ذات معنى أكثر من إظهارها على أنها نقاط رمادية مغبّشة ومبهمة وبعيدة”.