على إحدى أسرّة مستشفيات موسكو يوم الجمعة، الموافق 11 من أكتوبر/ تشرين الأول، توفي رائد الفضاء الروسي «أليكسي ليونوف». غادر الحياة عن عمر يناهز 85 عاماً بعد صراع شديد مع المرض، لكنه ترك لنا أيضاً ميراثاً ما يزال على متن محطة الفضاء الدولية.
يعد ليونوف أول رائد فضاء يترك مركبته الفضائية ويسير في الفضاء المكشوف في مهمة مليئة بالمخاطر، منذ نحو 54 عاماً. توفي ليونوف في يوم -من قبيل الصدفة- يوافق الحادي عشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حين قام رائدي الفضاء «كريستينا كوتش» و«أندرو مورجان» بإتمام آخر رحلاتهم الفضائية الخمس التي خُطط لها، لاستبدال البطاريات الحيوية في المصفوفات الشمسية لمحطة ناسا الفضائية. قضى رائدي الفضاء «كوتش ومورجان» أكثر من 7 ساعات في استبدال البطاريات الشمسية في محطة الفضاء الدولية، خلال سيرهما في الفضاء.
يعتبر رواد الفضاء مهمة السير في الفضاء هي إرث ليونوف الدائم. استغرقت رحلته في الفضاء المكشوف أكثر من 12 دقيقة خارج مركبته الفضائية، التي عُرفت باسم «Voskhod 2»، ضمن مهام الاتحاد السوفيتي في الـ 28 من مارس/ آذار لعام 1985، ورافقه في ذلك رائد الفضاء «بافل بيلايف». كانت هذه المهمة نواة لمهام عدّة لمختلف شركات الفضاء.
وُلد الرائد «أليكسي أركيبوفيتش ليونوف» في 30 من مايو/ آيار عام 1934، في بلدة ليستفيانكا بالقرب من مارينسك في سيبيريا. التحق بأكاديمية الفنون في ريغا عام 1953، قبل التحاقه بمدرسة تشوجويف للقوات الجوية في خاركوف في أوكرانيا، حيث تخرج عام 1957.
عمل ليونوف كمدرب في سلاح المظلات عندما تم اختياره في صف روّاد الفضاء الأول بعد 3 سنوات، وكانت مهمته الأولى هو احتياطي للرائد «فاليري بيكوفسكي» في مهمة «فوستوك 5 - Vostok 5» عام 1963.
كيف كانت أول مهمة سير بالفضاء؟
في الـ 18 من مارس/ آذار عام 1965، خرج «أليكسي ليونوف» خارج القوقعة المعدنية الرقيقة في مركبة الفضاء «Voskhod-2» ليطفو في فضاء مكسوف، مجهول لمدة 12 دقيقة و9 ثوان تقريباً. فتح ليونوف باب المركبة الفضائية ليستقبله عالم جديد لم يعهده بشر من قبل، كان هو أول بشري يخرج إلى هناك.
كانت مهمة ليونوف بسيطة، وهي إرفاق كاميرا في غرفة الضغط، وتوثيق سيره في الفضاء بكاميرا ثابتة على صدره، والنجاة من ذلك. لكن حدث مالم يتوقعه الجميع، فقد تضخمت بذلته الفضائية أكثر من اللازم لاستخدام الكاميرا المثبتة على الصدر، ولم يستطع الوصول إلى زر الكاميرا في فخذه.
كانت الرحلة مخيفة، فهو أول من يقدم على هذه المخاطرة، وسجلت التقارير الطبية ارتفاع درجة حرارة جسمه إلى 1.9 درجة مئوية خلال 20 دقيقية فقط. وخلال عملية السير، أصبحت البذلة مشوهة، وانزلقت يده من القفازات، وخرجت رجليه من الأحذية وأصبحت البذلة فضفاضة للغاية حول جسده، ولم يستطع سحب نفسه مرة اخرى باستخدام الحبل. في هذه الأجواء المضطرية، كان من المستحيل أن يدخل إلى غرفة الضغط مرة أخرى.
لكنه فتح صمام تحرير الأكسجين ببطء، مما قلل ضغطه حتى ينخفض الضغط بدرجة كافية للضغط النسبي داخل كبسولة الأمان في المركبة الفضائية. حاول ليونوف بمساعدة صديقه «بيلايف» في المركبة أن يخفضا درجة حرارته والرطوبة لتقليل الضغط، وكانا محظوظين لعدم حدوث أي أعطال أو تسبب في حدوث شرارات بالمركبة.
وفي رحلة العودة، استمر الحظ السيء معهما، وعادت المركبة بعطل في نظام إعادة الدخول التلقائي في الصواريخ الرجعية، مما اضطروا إلى التبديل إلى الهبوط اليدوي. كانت بذلاتهم ضخمة على المساحة الداخلية في مركبة الفضاء، مما زاد صعوبة الحركة وإعادة توازنهم واستعادة مركز الكتلة لدقيقة تقريباً. كما فشلت الوحدة المدارية في الانفصال عن وحدة الهبوط، وسقطت على الأرض في غابة كثيفة أثناء عاصفة ثلجية.
يقول ليونوف بعد إتمام رحلته بأمان:
«لقد صدمني الصمت، كنت أسمع قلبي ينبض بوضوح، كنت أسمع أنفاسي، حتى أن الأنفاس الثقيلة كانت تحلق عبر أثير الموجات الصوتية وتبث إلى الأرض عبر الميكروفونات».
كانت رحلة مليئة بالمغامرات، ورغم نجاته من الموت المؤكد خلالها، حياً لمدة تجاوزت 50 عاماً ليتوفى على سطح الأرض في إحدى مستشفيات موسكو. وبسبب حسن تصرفه خلال هذه المغامرة منذ 50 عاماً، ربما لظل يسبح في عالم من الصمت التام في الفضاء لعدة أيام قبل أن يموت.