وفقاً لدراسة نُشرت مؤخراً في دورية "ساينس"، يفترض أن تظل النوى المنصهرة للكواكب الخارجية الصخرية الكبيرة ساخنة لفترة أطول من نوى العوالم الصغيرة. هذه أخبار سارة لمستكشفي الفضاء، وذلك لأن امتلاك الكوكب نواةً منصهرة هو عامل ضروري لتطور الحياة على هذا الكوكب على الأرجح.
يتطلب تحديد ما إذا كانت الكواكب الخارجية تمتلك نواةً منصهرة إجراء تجربة باستخدام أشعة الليزر العملاقة وصفيحة رقيقة جداً من الحديد توضع في ظروف ضغط مرتفع للغاية. يقول "ريك كراوس"، الفيزيائي في مختبر "لورانس ليفرمور" الوطني، والذي قاد الدراسة الجديدة: "نحن نعثر على العديد من الكواكب الخارجية، و[أحد] الأسئلة الكبيرة التي يطرحها العلماء هي 'هل هذه الكواكب صالحة للعيش؟'".
نهج بحثي مختلف
للإجابة عن هذا السؤال، لا يبدأ الباحثون عادة بالتفكير في نواة الكواكب. بدلاً من ذلك، فهم يتحققون ما إذا كان الكوكب يقع على مسافة مناسبة من نجمه، أو ما إذا كان يحتوي على الماء. لكن كراوس وفريقه أرادوا إيجاد طرق أخرى لتمييز ما إذا كان الكوكب صالحاً للعيش أم لا.
وفقاً لكراوس، تحقق الباحثون من قدرة كوكب على تكوين غلاف مغناطيسي، وهو حقل مغناطيسي يحميه من الإشعاع الشمسي، مثلما يفعل الغلاف المغناطيسي للأرض، وذلك لتحديد قدرته على إيواء الحياة. لم تكن لتوجد الحياة كما نعرفها بدون الحقل المغناطيسي للأرض.
تتولّد الحقول المغناطيسية من النوى المنصهرة للكواكب. تمتلك الأرض نواةً تتشكّل في الغالب من الحديد، وهي تنقسم إلى نواة داخلية صلبة ونواة خارجية سائلة. يتولّد الحقل المغناطيسي للأرض نتيجة الحمل الحراري للحديد السائل: يغرق السائل الأكثر برودة والأكثر كثافة في القاع، بينما يرتفع السائل الأكثر سخونة للأعلى، تماماً مثل الشمع في مصباح الحمم.
اقرأ أيضاً: ما هو مفهوم حزام الكويكبات؟
تقنية جديدة لدراسة أنوية الكواكب الخارجية
تعتبر دراسة نواة كوكب خارجي في المختبر أمراً صعباً، لأنه ليس هناك الكثير من الطرق التي يستطيع الباحثون باستخدامها إعادة خلق مثل هذه الظروف مرتفعة الضغوط ودرجات الحرارة. يقول كراوس إن هذه هي التجربة الأولى لاستخدام الحديد تحت ضغوط تفوق تلك الموجودة في نواة الأرض. احتاج الفريق لخلق هذه الظروف المتطرفة استخدام أجهزة الليزر الكبيرة، وتحديداً "منشأة الإشعال الوطني" في مختبر لورانس ليفرمور الوطني، حيث يتخصص الباحثون بأجهزة الليزر الكبيرة.
وجّه الباحثون في هذه التجربة تلك الليزرات على عينة متعددة الطبقات من الحديد. يقول كراوس إن هذه العينة تتألف من قسمين، الأول يتألف من طبقات من البريليوم، وبعض المرشحات التي شكلت الجزء الخارجي من "شطيرة" حديدية فائقة الرقة، بينما يتألف القسم الآخر من قطعة من فلوريد الليثيوم الشفاف. وفقاً لكراوس، ارتفعت درجة حرارة طبقة البريليوم الخارجية آلاف الدرجات في "أقل من جزء من المليار من الثانية"، وتحول هذا القسم من الصفيحة إلى بلازما. تمددت البلازما بعد ذلك، ما أدى إلى تولّد موجة صدمة شديدة في العينة.
تحاكي هذه العملية الظروف التي قد يمر بها الحديد الساخن أثناء نزوله عبر نواة الكوكب المنصهرة. يقول "بيتر دريسكول"، عالم الجيوفيزياء في معهد "كارنيغي ساينس"، والذي يطوّر نماذجاً لنواة الأرض والكواكب الأخرى، ولم يشارك في الدراسة الجديدة: "تنطوي هذه التجربة على صدم صفيحة الحديدة بشكل هائل"، ويضيف أن دراسة هذه العملية صعبة. التجربة تدمّر العينة، لذلك يتعين على الباحثين جمع بياناتهم دفعة واحدة. يقول دريسكول إن العملية أنتجت "نقطتين من البيانات"، لكن "هذه الأنواع من التجارب ذات قيمة كبيرة".
اقرأ أيضاً: صلاحية العيش المحتملة على هذه الكواكب الخارجية تتوقف على ميلان محورها بالاتجاه الصحيح
عندما وصلت العينة إلى ذروة الضغط، اختبرت أداة أخرى ما إذا كان هذا الحديد يبقى صلباً أو سائلاً في أوقات محددة، وذلك لمساعدة الباحثين على فهم سلوك الحديد عند هذه الضغوط ودرجات الحرارة المرتفعة.
وفقاً لكراوس، وجد الفريق أنه "كلما ازداد الضغط، تزداد درجة الحرارة بسرعة كبيرة". بالنسبة للكواكب الخارجية، فهذا يعني أنه كلما ازداد حجمها، سيستغرق تصلب أنويتها وقتاً أطول. يقول كراوس إن نوى الكواكب الفائقة التي تزيد كتلتها عن 4-6 أضعاف كتلة الأرض ستستغرق وقتاً أطول حتى تتصلب. يقدّر الفريق أن تصلّب نواة الأرض سيستغرق ما مجموعه 6 مليارات سنة، في حين أن نوى الكواكب الخارجية الكبيرة ذات التركيب المماثل للأرض يجب أن تستغرق فترة أطول بما يصل إلى 30%.
يقول كراوس: "في حين أن ذلك قد يبدو بديهياً، إلا أنه لم يكن مفهوماً في ضوء تأثير كل هذه العوامل المختلفة".
يقول دريسكول إن دراسة كيفية انصهار الحديد في الظروف المتطرفة هو أمر مهم للغاية، لأنه يخبرنا إذا كانت ستتصلب نواة كوكب ما وكيف. لا يعرف العلماء بالضبط درجة الحرارة عند الحدود بين النواة الداخلية الصلبة للأرض ونواتها الخارجية السائلة، لكنها تقدّر بأنها تساوي درجة حرارة سطح الشمس تقريباً، وهي 5,538 درجة مئوية.
ووفقاً لدريسكول إن إحدى المشكلات المتعلقة بتعميم هذه النتائج على الكواكب الخارجية هي أن تلك الكواكب يمكن أن تحتوي على عناصر أخرى غير الحديد في أنويتها، ما قد يغير درجة حرارة انصهار هذه الأنوية بمقدار غير معروف. سيكون من الصعب أيضاً التنبّؤ بالطريقة التي تبرد فيها الكواكب الخارجية، وذلك لأن طبقة الوشاح، وهي طبقة الصخور الساخنة المحيطة بالنواة، تلعب دوراً كبيراً في مدى سرعة تبريد النواة. يضيف دريسكول إن طبقة الوشاح في كوكب خارجي يمكن أن تتألف من "أي شيء تقريباً".
يقول دريسكول إن كوكب الزهرة هو أحد الأمثلة على ذلك، إذ أنه نظرياً، يبدو تركيبه الكيميائي مشابهاً للغاية لكوكب الأرض، ولكنه يفتقر إلى حقل مغناطيسي، ولا يمتلك نشاطاً في طبقاته التكتونية.
يمكن لعوامل أخرى أن تحدد ما إذا كان الغلاف المغناطيسي سيتشكل أيضاً، مثل مدى كفاءة المواد الموجودة في النواة في نقل الحرارة والكهرباء. لكن من الصعب قياس هذه الخصائص، حتى على الأرض، فقد نجح العلماء فقط في قياس تدفق الحرارة عبر نواة الأرض في العقد الماضي. مع ذلك، يقول دريسكول إن هذا هو "الهدف التالي الذي يجب تحقيقه".