ما المرحلة التالية في استكشاف الفضاء بعد إطلاق تلسكوب جيمس ويب؟

9 دقائق
ما المرحلة التالية في استكشاف الفضاء بعد إطلاق تلسكوب جيمس ويب؟
تساعد التلسكوبات الفضائية الأرضية والطائرة علماء الفلك في البحث عن الكواكب الخارجية مثل «55 كانكري إي» (المبيّن في الصورة أعلاه). يمكن لمقياس التداخل الكبير للكواكب الخارجية أن يفعل الشيء نفسه باستخدام مجموعة جديدة تماماً من الأدوات. وكالة ناسا/مختبر الدفع النفاث معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.

سلب تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي يعتبر الأعجوبة الهندسية الأكبر والأكثر تعقيداً التي تم إطلاقها إلى الفضاء قلوب علماء الفلك بعد إطلاقه في عام 2021. يتمتّع هذا التلسكوب بحساسية فريدة تمكّنه من التعمّق في الكون المظلم ورصد الأجرام السماوية البعيدة وتحليلها. لكن قد لا تضطر تلسكوبات الجيل التالي أن تكون أضخم من تلسكوب جيمس ويب لتتمتع بحساسية أكبر.

يقول سكوت غاودي، عالم الفلك في جامعة ولاية أوهايو والذي يبحث عن الكواكب الخارجية: "إذا كنا نرغب في الحصول على دقة زاويّة أفضل، سنحتاج إما لبناء تلسكوبات أكبر وأكبر وإما استخدام تكنولوجيا قياس التداخل".

إن قياس التداخل الصفريّ هو تقنية رصد تعتمد على جمع البيانات عن الأجسام الفلكية من خلال مزج الضوء الآتي من عدة زوايا رصدية متزامنة لنفس الهدف. يشير مصطلح الصفري إلى الطريقة التي يتم بها مزج الضوء لحجب الخلفية الضوئية الساطعة مثل ضوء نجم ما بهدف تقوية الإشارات الآتية من هدف ذي ضوء باهت أكثر مثل كوكب يدور حول هذا النجم. تتغلب هذه التقنية على واحدة من أصعب التحديات في مجال رصد الكواكب الخارجية، وهي مشكلة التباين. مقارنة بالتكنولوجيات المنافسة الأخرى، قد يكون قياس التداخل الصفري هو الطريقة الأفضل لتعتيم ضوء النجوم بمقدار 10 مليارات مرة أو أكثر، ما يكفي للكشف عن وجود الكواكب التي لها حجم الأرض، والتي تعتبر المرشحة الأكبر لاحتواء أشكال الحياة خارج الأرضية.

اقرأ أيضاً: ناسا تنشر صوراً مذهلة من تلسكوب جيمس ويب الفضائي لأعماق الكون

يجب أن يكون البعد بين الأجهزة المجمّعة للضوء مئات الأمتار للحصول على حساسية أعلى ودقة أفضل. ويكمن الابتكار في هذه التقنية في أنه بدلاً من نشر أداة علمية تتضمن العديد من أجهزة الكشف ويصعب التحكم بها، ستتم إزالة أي دعامات جسرية في الفضاء بين الأجهزة المجمّعة للضوء والاعتماد على تقنية الطيران في التشكيلات. تكمن مزايا المركبات الطائرة ذاتية الحركة والتي تنتظم في تشكيلات عظيمة، في أنها ستتمكن من التحرك في الفضاء لرصد أهداف مختلفة والدوران حول المجمّع المركزي لتتحكم بالإشارات الضوئية التي تتلقاها.

يقول غاودي: "أصبحت تكنولوجيا قياس التداخل متداولة في الأوساط العلمية أكثر وأكثر"، ويضيف: "أعتقد أنها التكنولوجيا المستقبلية المناسبة لرصد الأجرام السماوية".

على الرغم من أن تكنولوجيا قياس التداخل الصفري لن يتم استخدامها في العقود القليلة المقبلة، تساهم جهود يقودها ساشا كوانز، وهو عالم فلك في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في مدينة زيورخ في جعل هذه التكنولوجيا واقعاً. إن أهداف المهمة التي يسعى كوانز لإنجازها واضحة، إذ سيساعد مقياس التداخل الكبير للكواكب الخارجية (أو جهاز لايف اختصاراً) في مسح الكون بحثاً عن كواكب خارجية قد تكون صالحة للسكن بالنسبة للبشر. يتضمن مرصد الأشعة تحت الحمراء الذي اقترحه فريق كوانز 5 مركبات فضائية فردية تطير بشكل متزامن تمتلك دقة تلسكوب بمرآة أساسية عرضها 600 متراً. (للمقارنة، يبلغ عرض المرآة الأساسية لتلسكوب جيمس ويب الفضائي الأكبر في العالم 6.4 أمتار).

اقرأ أيضاً: تلسكوب جيمس ويب الفضائي على وشك أن يبهرنا بالاكتشافات الجديدة

اختارت وكالة الفضاء الأوروبية العام الماضي مجال البحث عن الكواكب الخارجية كأحد موضوعات مهماتها الرئيسية الثلاث في العقود المقبلة، والتي يمكن أن يكون مقياس التداخل الكبير للكواكب الخارجية أحد المنافسين عليها. بدأت فكرة جهاز لايف باكتساب الرواج في الأوساط العلمية، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي تحظى بها تكنولوجيا قياس التداخل الصفري بالاهتمام. تم التخلي عن هذه الفكرة منذ عقود بسبب العقبات التكنولوجية والمالية التي جعلت قياس التداخل الصفري للكواكب الخارجية غير ممكن عملياً. لكن أدت التقدّمات التكنولوجية التي تم إنجازها في العقود التي تلت ذلك إلى جعل قياس التداخل الصفري فكرة واقعية أكثر من أي وقت مضى. ويمكن أن تكون مهمة لايف هي التي ستعيد فكرة قياس التداخل الصفري إلى الساحة.

ما المرحلة التالية في استكشاف الفضاء بعد إطلاق تلسكوب جيمس ويب؟
تصوّر وكالة ناسا للجهاز الباحث عن الكواكب الأرضية في أوائل القرن الجاري. وكالة ناسا عن طريق ويكيميديا كومنز

أصول جهاز لايف

كانت اكتشافات الكواكب الخارجية قبل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قليلة ومتباعدة فيما بينها؛ لأن الجنس البشري ببساطة لم تكن لديه الأدوات اللازمة لإيجاد هذه الكواكب. ولكن طرح العلماء العديد من الأفكار لتطوير أجهزة للبحث عن الكواكب الخارجية كانت تعتبر طموحة للغاية بالنسبة لذلك الزمن.

تم اقتراح تقنية قياس التداخل الصفري لأول مرة في عام 1978 من قبل رونالد بريسويل، وهو مهندس كهرباء من جامعة ستانفورد. لاحقاً، بدأت وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية بالعمل على هذه التقنية بشكل مستقل بعد الموافقة على البدء في مشروع مقياس التداخل الباحث عن الكواكب الأرضية ومهمات داروين في عامي 2002 و1993 على الترتيب. لكن أدى الحد من ميزانية وكالة ناسا إلى إلغاء مشروع مقياس التداخل الباحث عن الكواكب في عام 2007، ما أثار استياء المجتمع العلمي. وألغت وكالة الفضاء الأوروبية مهمات داروين في نفس العام. كانت التكنولوجيا والمعارف في مجال دراسة الكواكب الخارجية في ذلك الوقت غير كافية لتبرير التكاليف المالية الهائلة لكل من مشروع وكالة ناسا ومهمات وكالة الفضاء الأوروبية. لذلك، تخلّت وكالتا الفضاء عن فكرة قياس التداخل واعتبرتاها غير ذات جدوى.

كان مجال البحث عن الكواكب الخارجية في ذلك الوقت يمثل مخاطرة كبيرة. ربما لم يكن الاستثمار في تكنولوجيا جديدة تماماً مثل قياس التداخل الصفري يستحق كل هذا العناء إذا لم يكن هناك العديد من العوالم الجديدة للكشف عنها في المقام الأول.

اقرأ أيضاً: تلسكوب جيمس ويب الفضائي سيرصد أعماق الأغلفة الجوية للعوالم الأخرى

لكن تغيّر كل ذلك بعد إطلاق تلسكوب كيبلر الفضائي.

إذ استخدم هذا التلسكوب طريقة تدعى "العبور" للكشف عن الكواكب الخارجية المتخفية. كان يرصد هذا التلسكوب نجماً ما لفترة طويلة بما يكفي ليدور كوكب خارجي حوله عدة مرات. ويتم بعد ذلك اكتشاف وجود هذا الكوكب من خلال رصد ومضات دورية في ضوء النجم تنتج عن مرور الكوكب بين النجم وكاميرا التلسكوب. كان يمسح هذا التلسكوب نفس البقعة من السماء لفترة طويلة حتى تصبح طريقة العبور فعّالة في اكتشاف وجود كوكب خارجي.

بدأ تلسكوب كيبلر العمل في عام 2009 ورصد أول كوكب خارجي بعد عام واحد. تم اكتشاف مئات الكواكب الخارجية في العقد الذي سبق إطلاق تلسكوب كيبلر. مع ذلك، كان عدد الكواكب الخارجية أقل من أن يسمح للعلماء بمعرفة ما إذا كانت الكواكب الخارجية، ناهيك عن الكواكب الخارجية الصالحة للسكن، شائعة أم نادرة. ولكن تغير ذلك عندما ساهمت مهمة كيبلر في بدء العصر الذهبي لاكتشاف الكواكب الخارجية. أدرك العلماء أن عدد الكواكب الخارجية في الكون يفوق بكثير عدد النجوم فيه. واكتشف تلسكوب كيبلر في السنوات التسع منذ إطلاقه أكثر من نصف الكواكب الخارجية التي تم اكتشافها حتى الآن والتي يتجاوز عددها 5000 كوكب.

أصول جهاز لايف
ساهم تلسكوب كيبلر في بدء العصر الذهبي لاكتشاف الكواكب الخارجية باستخدام طريقة العبور. آي باك، معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا

على الرغم من إنتاجية تلسكوب كيبلر العالية، فإن تقنية العبور لها قيودها الخاصة. يتطلب الرصد بهذه الطريقة الانتظار لفترة طويلة من الوقت؛ إذا تستغرق عملية دوران الكوكب حول نجمه عدة مرات الكثير من الوقت. لذلك، كان يجب توجيه التلسكوب إلى نفس الرقعة من السماء وتثبيته لعدة سنوات. يقول كوانز إن هناك عدداً هائلاً من الكواكب الخارجية التي يمكن للبشر اكتشافها لو كانوا يمتلكون مرصداً يمكنه رصد بقع أوسع من الكون وتتبع الكواكب الخارجية لحظياً دون انتظار هذه الكواكب حتى تكمل مداراتها.

استخدم كوانز وفريقه إحصائيات من تلسكوب كيبلر وقاموا بإجراء محاكاة لمعدل نتائج مهمة افتراضية مثل مهمة لايف يمكنها اكتشاف الكواكب الخارجية مباشرة. يقول كوانز: "أردنا ببساطة أن نحصل على تقدير أوليّ، وكانت النتائج هائلة". يتذكر كوانز أنه عرض حساباته المبكرة على باحثين مخضرمين أقدم منه على العشاء قرابة عام 2017. سأل كوانز هؤلاء الباحثين عن عدد الكواكب الخارجية التي تستطيع مهمة مثل داروين كشفها حسب اعتقادهم. ويتذكر أن أحد الأستاذة جاوب بشكل عشوائي قائلاً إن الرقم قد يكون قريباً من 12 كوكباً. أذهل كوانز مستمعيه عندما قال لهم إن مهمة مثل لايف قد تتمكن من كشف أكثر من 300 كوكب في أقل من عام واحد.

اقرأ أيضاً: العدسات السائلة قد تجعل تلسكوبات وكالة ناسا المستقبلية أكثر كفاءة من تلسكوب جيمس ويب

ويقول: "كانت معرفة ما يمكن أن تقدمه هذه المهمة مثيراً للغاية". تم إحراز تقدّمات تكنولوجية في السنوات التي تلت إيقاف مشروع مقياس التداخل الباحث عن الكواكب الأرضية ومهمات داروين تجعل فكرة استخدام قياس التداخل الصفري واقعية أكثر. وأصبحت مبادرات مثل مهمة لايف في طريقها لأن تصبح قابلة للتطبيق بشكل عملي. يقول كوانز: "لقد كانت هذه الفكرة تأسرني".

أصول جهاز لايف
تصور وكالة الفضاء الأوروبية لمهمة داروين في تسعينيات القرن الماضي. آي أيه إس

تصور جديد للتلسكوبات الفضائية الطائرة

يقول بيرتراند مينيسون، عالم الفيزياء الفلكية في وكالة ناسا: "إنه إذا أصبح قياس التداخل الصفري التقنية المعتمدة في استكشاف الفضاء في المستقبل، فسيكون ذلك بسبب العقول الشابة المصممة مثل كوانز". كان مينيسون نفسه أحد العلماء الذين عملوا في مشروع مقياس التداخل الباحث عن الكواكب الأرضية قبل تحويل اهتمامه إلى مشاريع أخرى. يقول مينيسون: "من الجيد أن يكون هناك أشخاص يبحثون في هذه التكنولوجيا وربما يتوصلون إلى استنتاجات جديدة". أحد الأمور التي يجب البحث فيها في هذا المجال هو ما إذا كان تحقيق تكنولوجيا قياس التداخل الصفري ممكناً في المقام الأول. وستتطلب الخطوة التالية تجميع فرق مختلفة من علماء الفلك لتصميم نموذج أولي والتنافس للحصول على تمويل كبير.

يعتبر تطوير آلية عملية لتقنية الطيران في التشكيلات على رأس قائمة المهام التي يجب إنجازها. ستتكون مهمة لايف من 4 مركبات فضائية مُجمِّعة منفصلة تجمع إشارات الأشعة تحت الحمراء الآتية من الكواكب الخارجية المضاءة من الخلف بنجومها ثم تعيد توجيه الإشعاع إلى مسبار مركزي. يجب على العلماء أن يحضّروا أنظمة الدفع وآليات الاتصال بين المركبات الفضائية وأن يزوّدوا هذه المركبات بالقدرة على قياس الأطوال الموجية التي يتعين عليها قياسها بدقة. ستكون أجهزة تجميع الضوء تحت الأحمر ذاتية الحركة هذه على بعد آلاف الأمتار عن بعضها، ولا يجب أن يتجاوز الانحراف في مواقعها قطر شعرة الإنسان.

اقرأ أيضاً: بحثاً عن الكائنات الفضائية: مشروع دولي يلاحق الكواكب الشبيهة بالأرض

سيكون تقدّم تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية الصغيرة وتكنولوجيا الأسراب في السنوات الأخيرة أمراً حاسماً في تسخير تقنية الطيران في تشكيلات لمنح مهمة لايف وتكنولوجيا قياس التداخل الصفري فرصة جديدة. تعتبر الأقمار الاصطناعية الصغيرة ومكعّبة الشكل التي توجد في المدارات الأرضية المنخفضة مناسبة لاختبار تقنية الطيران في تشكيلات لأول مرة. تم نشر عدد قليل من المركبات المدارية التي تعتمد على تقنية الطيران في تشكيلات بالقرب من الأرض بهدف تحسين العديد من نواحي هذه التقنية، وسيتم نشر المزيد منها في المستقبل القريب. ستساهم هذه المشاريع التي يتم إنجازها بشكل تدريجي في إثبات جدوى تقنية الطيران في تشكيلات في العقود القادمة.

تصور جديد للتلسكوبات الفضائية الطائرة
LIFE mission مهمة لايف

التحدي الآخر الذي يواجه مهمة لايف هو تحسين تكنولوجيا الرصد باستخدام الأشعة تحت الحمراء. لحسن الحظ، أدى تطوير تلسكوب جيمس ويب الفضائي إلى تسريع تطوير تكنولوجيا بصريات الأشعة تحت الحمراء ذات الأطوال المتوسطة التي ستستفيد منها المهمة الجديدة في النهاية. الأشعة تحت الحمراء هي الأمواج التي لها الأطوال الموجية المناسبة لمقاييس التداخل الباحثة عن الكواكب، إذ إن العديد من المواد الكيميائية الموجودة في الأغلفة الجوية للكواكب تمتص الأشعة الضوئية التي لها هذه الأطوال الموجية. لن تكون للمركبات التي ستستخدم في مهمة لايف حساسية أعلى للكشف عن كواكب جديدة صالحة للسكن فحسب، بل قد تساعد في أيضاً في الكشف عن وجود أشكال الحياة على هذه الكواكب من خلال السماح للعلماء بدراسة البصمات الحيوية المحتملة مثل غاز الميثان وثنائي أوكسيد الكربون على أسطح الكواكب بمزيد من التفصيل.

يتم أيضاً بذل الكثير من الجهود في تطوير مقاييس التداخل واستخدامها على الأرض ريثما تصبح التكنولوجيا جاهزة للتطبيق في الفضاء الخارجي. يفيد استخدام مقاييس التداخل على الأرض في التحايل على استخدام تقنية الطيران في تشكيلات، إذ إن نقل التلسكوبات الفردية يعتبر أكثر سهولة على الأرض. (يمكن نقل كل من التلسكوبات الفرعية الـ 4 الموجودة في منشأة التلسكوبات الكبيرة التي تعتمد على قياس التداخل في تشيلي باستخدام الشاحنات). مع ذلك، يجب أن تتعامل هذه التلسكوبات مع العدو اللدود لعلم فلك الأشعة تحت الحمراء، وهو الغلاف الجوي، والذي يمتص هذا الإشعاع الآتي من الفضاء. يؤدي الاضطراب الجوي أيضاً إلى تشويش القراءات، ويشبّهه بارنابي نوريس، عالِم الفيزياء الفلكية من جامعة سيدني في أستراليا بالنظر إلى الأعلى ومشاهدة العالم الخارجي من قاع حوض السباحة.

تصور جديد للتلسكوبات الفضائية الطائرة
يمكن إعادة ترتيب التلسكوبات الفرعية في منشأة تشيلي للتلسكوبات الكبيرة لإجراء عمليات قياس التداخل الصفري. إي إس أو/إم. كلارو

اقرأ أيضاً: تلسكوب هابل يلتقط صورة لمجرة حلزونية «زغبية»

أمل جديد للمهمة

بقدر ما يبدو قياس التداخل الصفري في الفضاء أمراً لا مفر منه، إلا أن وكالات الفضاء لم تضع خططاً ملموسة لتطبيق هذه التكنولوجيا حتى الآن.

إن قياس التداخل الصفري ليس أحد المهام المؤكدة لوكالة الفضاء الأوروبية، ولم تخصص هذه الوكالة التمويل على وجه التحديد للالتزام المنسّق لتطوير هذه التكنولوجيا. يقول غونتر هاسينغر، مدير المشاريع العلمية في وكالة الفضاء الأوروبية إن تطوير تكنولوجيا قياس التداخل الصفري "ليس على جدول أعمال الوكالة المباشر في الوقت الحالي"، على الأقل حتى عام 2050. ويضيف أن "تطبيق التكنولوجيا في الفضاء هو أمر صعب للغاية حالياً".

تسعى وكالة ناسا بنشاط في عدة مواقع عبر المحيط الأطلسي إلى استخدام تكنولوجيات بديلة لحجب ضوء النجوم تكون أبسط عملياً ولكنها أكثر ملاءمة لقياس الأطوال الموجية الأقصر قليلاً من الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء. يقول مينيسون إن هذه التكنولوجيات لا تمثل بدائل لتكنولوجيا قياس التداخل الصفري بالضرورة، ولكنها يمكن أن تلعب دور المتمم لهذه التكنولوجيا في البحث عن الحياة خارج كوكب الأرض.

مع ذلك، فإن قدرة تكنولوجيا قياس التداخل الصفري على تحليل التركيب الكيميائي للكواكب البعيدة والشبيهة بالأرض من خلال رصد الأمواج تحت الحمراء ذات الأطوال المتوسطة هي ميزة لا تتمتع بها أي طريقة أخرى للبحث عن الكواكب الخارجية.

يقول نوريس: "من الواضح أنه لا يزال هناك الكثير من التحسينات التي يجب إجراؤها على هذه التكنولوجيا، لكنني لا أعتقد أن أي منها مستحيل".

يقول كوانز إنه سيستكشف جميع السبل لبث الحياة في مهمة لايف، مثل الحصول على موافقات من وكالات الفضاء أو التعاون مع الكيانات الخاصة.

اقرأ أيضاً: تلسكوب ناسا الأكبر ينجح في الاختبار وجاهز لحل ألغاز الفضاء

اكتسب كوانز الإلهام من شخص له فضل كبير على مهمة لايف، وهو ويليام بوروسكي، عالم الفضاء المتقاعد الذي كان يعمل في مركز أيمز للأبحاث في ولاية كاليفورنيا والتابع لوكالة ناسا، والباحث الرئيسي في مهمة كيبلر. قد يكون من الصعب أن نتخيل أن تلسكوب كيبلر الذي يعتبر أكثر تلسكوب باحث عن الكواكب الخارجية ثوريّةً طوّره البشر كانت له بداية صعبة. إذ رفضت وكالة ناسا فكرة المهمة 4 مرات منذ أوائل التسعينيات قبل أن يتم إطلاق التلسكوب في النهاية بعد ما يقرب من عقدين من الزمن.

يتذكّر كوانز أن بوروسكي نصحه في مؤتمر في مدينة كاسكايس في البرتغال عام 2014 قائلاً: "إذا كنت مقتنعاً حقاً بشيء ما، عليك أن تدافع عنه وتحققه". ستتابع مهمة لايف من حيث توقّفت المهمات التي سبقتها وستستكشف الفضاء حاملةً الإرث العظيم للتلسكوبات مثل تلسكوب كيبلر.

المحتوى محمي