اكتشاف اصطدام ثقبين أسودين هو الأضخم على الإطلاق

3 دقائق
الثقوب السوداء, اندماج الثقوب السوداء, فضاء, موجات الجاذبية
محاكاة لاقتراب الثقبين الأسودين قبل اصطدامهما

على بعد نحو 7 مليارات سنة ضوئية، تقارب ثقبان أسودان نحو بعضهما تدريجياً على مر العصور حتى اصطدما ببعضهما ضمن انفجار هائل، مشكلين بذلك ثقباً أسوداً جديداً. سبّب هذا الحدث اتساع «الزمكان» ثم انقباضه، وحتى اهتزازه، مما أدى لتشكّل أمواج الجاذبية التي صلت إلى الأرض يوم 21 مايو/ آيار 2019.

باستخدام مرصد «ليجو» (مرصد الأمواج التثاقلية بمقياس التداخل الليزري)، وهو زوج من مقاييس التداخل الموجي الذي يبلغ طول كل واحد منهما 2.5 ميل، والموجود في الولايات المتحدة، ومرصد «فيرجو»، وهو مرصد آخر في إيطاليا، والذي يبلغ طوله حوالي 2 ميل، أعلن فريق دولي من العلماء يوم 2 أيلول/ سبتمبر الجاري أنهم تمكنوا من رصد هذا الحدث الكوني. يعد هذا الحدث الكوني هو أكبر وأبعد اصطدام لثقبين أسودين تم رصده على الإطلاق، كما أنه أصدر طاقة بشكل هائل لم يحدث من قبل. تمثل البيانات الجديدة أيضاً أول رصد لثقب أسود متوسط الكتلة، إذ وصل حجم الثقب الأسود الناتج إلى 142 ضعف كتلة الشمس. نُشرت النتائج في 2 سبتمبر/ أيلول في ورقة علمية في دورية «فيزيكال ريفيو جورنالز»، وورقة أخرى تُفصِّل تبعات هذا الرصد في دورية «آستروفيزيكال جورنال ليترز».

استمرت الموجة «جي دبليو 190521» الناتجة عن الاندماج/ التصادم لمدة عُشر ثانية فقط. لكن العلماء أدركوا مباشرة أنها كانت مميزة للغاية مقارنة بإشارة تصادم الثقبين الأسودين التي رصدها ليجو أو في 2015، حيث أثبتت تنبؤات آينشتاين حول طبيعة الزمكان. يقول آلان واينستين، فلكي في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ومشارك في الدراسة الجديدة: «هذا هو أكبر انفجار رصدناه منذ الانفجار العظيم»، كما أنه قد يقدم دلائل حول طبيعة الكون. 

حللت خوارزميات حاسوبية الموجة، مما سمح للعلماء بتحديد كتل الثقوب السوداء وكمية الطاقة الناتجة عن التصادم. بلغت كتل الثقبين حوالي 66 و 85 ضعف كتلة الشمس، أما الثقب الناتج عن تصادمهما بلغت كتلته حوالي 142 ضعف كتلة الشمس. بينما تحولت 8 كتل الشمسية المتبقية إلى طاقة على شكل موجات الجاذبية انتشرت في الكون.

حتى الآن، تمكن العلماء من رصد نوعين من الثقوب السوداء من ناحية الحجم بشكل مباشر أو غير مباشر: الثقوب السوداء شمسية الكتلة، والتي تتراوح كتلها بين بضعة أضعاف وعشرات أضعاف كتلة الشمس، والثقوب السوداء فائقة الحجم، والتي تتراوح كتلها بين مئات أضعاف وآلاف أضعاف كتلة الشمس. لكن الفلكيين الذين رصدوا الموجة الجديدة «جي دبليو 190521» شهدوا ولادة نوع مميز من الثقوب السوداء، وهي الثقوب السوداء «متوسطة الكتلة». رصدت قبل ذلك عدة ثقوب سوداء من المحتمل أن تكون متوسطة الكتلة، لكن الرصد الجديد يمثّل أول دليل مباشر على وجود هذا النوع.

أُصدرت الموجة الغريبة من تصادم ثقبين أسودين غريبين، أثقلهما بلغت كتلته 85 ضعف كتلة الشمس، هو أول ثقب أسود يمثل مثالاً نموذجياً على ظاهرة «فقدان الكتلة المرتبط بعدم استقرار الزوج». فالنجم الذي ينهار على نفسه لا ينبغي أن يشكل ثقباً أسوداً تتراوح كتلته بين 65 و 120 ضعف كتلة الشمس. يعود ذلك إلى أن أكبر النجوم حجماً ستتدمر بالتأكيد نتيجة انفجار المستعر الأعظم الذي يترافق مع انهيارها على نفسها. وفقاً لواينستين، يمكن أن يُفسَّر ذلك بواسطة ما يدعوه الفلكيون بـ «التصادمات التراتبية»، والتي تحدث عندما تصطدم الثقوب السوداء ذات الكتل الأخف مع بعضها لتشكل ثقوباً سوداء أثقل، حيث تصطدم بدورها مع بعضها البعض مشكّلة ثقوباً سوداء أثقل وأثقل. وهكذا دواليك حتى تتشكل ثقوب سوداء عملاقة.

تقول الفلكية «كاي. إي. سافيك فورد» من مركز الدراسات العليا في جامعة مدينة نيويورك، وغير المشاركة في الدراسة: «هذا الرصد يمثل جسر الوصل بين الثقوب السوداء التي تتشكل بشكل مباشر عند تصادم النجوم، والثقوب السوداء فائقة الحجم التي نجدها في مراكز المجرات». وكما تشير «سافيك فورد»، فمن الصعب أن تحدث التصادمات التراتبية نتيجة لأنها تتطلب تجمُّع بقايا الثقوب السوداء على بعضهما ثم اندماجها معاً. تقول فورد: «هذا الأمر يستغرق وقتاً طويلاً للغاية، ويتطلب ظروفاً خاصة جداً. ولذلك يجب أن يكون قد حصل التصادم الجديد في منطقة عالية الكثافة النجمية»، مثل نواة مجرية نشطة على سبيل المثال.

في وقت سابق من صيف 2020، نشرت سافيك فورد وفريقها ورقة علمية حول تصادم ثقبين أسودين أتت إشارته (الموجة الناتجة) من نفس الاتجاه العام في السماء الذي أتت منه «جي دبليو 190521». على الرغم من أن الموجتين قد تكونان متعلقتين ببعضهما، إلا أن سافيك فورد تنتظر نشر البيانات الكاملة للأرصاد الأخيرة حتى تجد بعض الأجوبة.

حالياً، لا يقوم مرصد ليجو وفيرجو بالرصد، لكنهما سيعودان للعمل مع نهاية السنة القادمة بتحديثات جديدة. يتمنى الفلكيون المتخصصون بالأمواج التثاقلية/ موجات الجاذبية مثل واينستين، أن تزيد حساسية هذا المراصد الأرضية حتى تتمكن من سبر مصادر أبعد للضوء، والنظر إلى نقاط أبعد في ماضي تطور الكون. يقول واينستين: «يجب علينا أن البحث عن أحداث أكثر غرابة مثل هذا، وعن أحداث أغرب من أي شيء رصدناه من قبل. ألن يكون هذا رائعاً؟».

المحتوى محمي