اكتشف العلماء نظام حلقات حول جسم صغير يقع خارج مدار نبتون، وهو اكتشاف كان مفاجئاً للعلماء. لكن هذا الاكتشاف يثير غموضاً إضافياً؛ إذ كيف يمكن أن يوجد نظام الحلقات هذا بينما لا ينبغي أن يكون موجوداً حسب معرفتنا السابقة؟
حلقة في مكان غير متوقع حول الكوكب القزم كواور
تدور الحلقة التي تم اكتشافها حول كوكب قزم يُدعى "كواور" (Quaoar) يقع على بُعد أكثر من 10.4 تريليون كيلومتر تقريباً من الشمس، أي نحو 44 ضعف المسافة من الأرض إلى الشمس. لم يكن من السهل اكتشاف حلقة ذات كثافة عالية حول مثل هذا الجسم الصغير والبعيد، ولكن ما كان أكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لمجموعة الباحثين الدولية هو أن الحلقة تدور حول كواور على مسافة بعيدة جداً منه. من غير المتوقع في الحقيقة أن تكون جاذبية الكوكب القزم كافية من هذه المسافة لتشكّل الجزيئات في حلقة تدور حوله وتمنعها من أن تشكّل قمراً أو عدة أقمار.
اقرأ أيضاً: صور التلسكوب الكبير جداً تكشف عن كيفية تأثير النجوم الشقيقة على تشكل الكواكب حولها
يقول عالم الفلك في الجامعة الفيدرالية في ريو دي جانيرو والمؤلف الرئيسي لورقة بحثية جديدة نُشرت في مجلة "نيتشر"، برونو مورغادو، لمجلة العلوم للعموم في رسالة بالبريد الإلكتروني: "تقع الحلقة في مكان غير متوقع. يمكن لهذا الاكتشاف تغيير فهمنا لكيفية تشكل الحلقات".
ويقول الفيزيائي بجامعة أيداهو، ماثيو هيدمان، في تعليق نُشر في الإصدار نفسه من مجلة نيتشر إن نظام حلقات كواور غير متسق مع فهمنا الحالي حول كيفية المحافظة على مثل هذه الحلقات في مكانها.
تتكون الحلقات التي تدور حول أجسام الكواكب من شظايا من الغبار والجليد ومواد أخرى تدور في نمط يشبه القرص. ولقرون، كانت الحلقات الوحيدة المعروفة للفلكيين هي حلقات زحل الكبيرة والمذهلة، والتي تم رصدها ودراستها في البداية في القرن السابع عشر. لم يتم تأكيد وجود نظام حلقي حول كوكب المشتري أيضاً -أكبر الكواكب في نظامنا الشمسي- حتى حلّقت مهمة فوياجر 1 عبر الكوكب في عام 1979، على الرغم من أنها لم تكن مذهلة كحلقات كوكب زحل. لقد بات من المعروف اليوم أن جميع الكواكب الغازية العملاقة لها أنظمة حلقات تحيط بها. بالإضافة إلى ذلك، تم اكتشاف أنظمة حلقات تحيط بعدد قليل من الأجسام البعيدة، مثل كوكب هوميا، والذي يعتبر مثل كواور -وإيريس وبلوتو أيضاً- من الأجسام العابرة لنبتون.
حد روش
تقع جميع أنظمة الحلقات هذه، باستثناء حلقات كواور، داخل "حد روش" (Roche limit) بالنسبة لجسمها الكوكبي، وهذا الحد هو المسافة التي لا تستطيع بعدها قوة الجاذبية للجسم الكوكبي منع المواد التي تتكون منها الحلقة من التجمع في قطع أكبر يمكن أن تلتحم في النهاية لتشكل قمراً يدور حول الكوكب. ضمن حد روش، تمنع الجاذبية المتغيرة التي تتعرض لها جسيمات الحلقة عند ارتفاعات مختلفة من تكتلها معاً.
يقع حد روش بالنسبة لكواور على بعد نحو 1770 كيلومتراً من مركزه، ومع ذلك فإن نظام الحلقة الكثيفة يدور على مسافة 4 آلاف كيلومتر من مركز الكوكب القزم. وفقاً لهيدمان، يثير ذلك السؤال السبب عن عدم اتحاد مادة الحلقة المكونة في الغالب من الجليد نظراً لأنه يجب أن تكون قادرة بسهولة على التغلب على اختلافات قوة الجاذبية لكواور. ويضيف: "لذلك نحن بحاجة إلى تفسير آخر يوضح لماذا لم تتجمع هذه المواد وتشكل قمراً".
اقرأ أيضاً: ما هي خطة العلماء الجديدة لتسهيل رصد الكواكب الخارجية؟
لماذا لم تتحد كتل الحلقة لتشكل قمراً حول كواور؟ تفسيرات محتملة
اقترح الفريق الذي يرأسه مورغادو عدة تفسيرات لسبب عدم تشكل الحلقات حتى الآن على شكل قمر، وأحدها أن مادة الحلقة جديدة نسبياً، وناتجة عن اصطدام قمر كان يدور حول كواور، وببساطة لم يتح لها الوقت لإعادة الاندماج. ومع ذلك، تم استبعاد هذه النظرية كما يذكرون في الورقة لأن النماذج الحاسوبية تظهر أن المادة كانت لتندمج في قمر جديد في غضون عدة عقود فقط.
من المحتمل أيضاً أن تكون مواد الحلقة نفسها أكثر ارتداداً مما تشير إليه النماذج الحالية، أي ستكون هناك فرصة أكبر للجسيمات للارتداد بعيداً عن بعضها بعضاً بدلاً من الارتباط، حتى دون تأثير قوة جاذبية كواور التي كانت ستبقيها مشتتة.
اقرأ أيضاً: عدد الكواكب الهائمة في الفضاء أكبر مما ظننا
هناك احتمال آخر يتمثل في أن تشكل حلقات كواور ناتج عن جاذبية جسم سماوي مختلف، مثل قمر كواور نفسه الذي يُدعى "ويووت" (Weywot)، أو قمر غير مكتشف بعد. في النهاية، من الصعب للغاية دراسة الأجسام العابرة لنبتون، ولم يكن فريق البحث قادراً على اكتشاف هذه الحلقات لو لم يستخدم مجموعة واسعة من تلسكوبات متطورة جداً لدراسة كوكب كواور القزم، والتي شملت مهمة "كيوبس" (CHEOPS)- أو القمر الاصطناعي لوصف الكواكب الخارجية- التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، والتي استطاعت اكتشاف حلقة كواور من خلال مراقبة التغيرات في شدة ضوء النجوم في الخلفية أثناء مراقبتها للكوكب القزم.
يقول مورغادو: "من المهم الآن مراقبة كواور باستمرار لفهم نظام الحلقات بشكل أفضل وتحديد ما إذا كان يتغير بمرور الوقت وكيف. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات والمحاكاة الديناميكية لمعرفة الظروف التي أمكن للحلقة خلالها الاستقرار حتى الآن خارج حد روش".
قد تؤدي نتائج الدراسات الإضافية لكواور إلى تغيير علماء الفلك لفهمهم الحالي لحد روش، وربما تكون حلقات كواور حالة فريدة، ولكنها تتيح فهماً أعمق للديناميكيات المدارية للهياكل الكبيرة الأخرى بما في ذلك الكواكب الخارجية والمجرات وفقاً لمورغادو.