الألوان المتغيرة للكون

5 دقائق
لون الكون
حقوق الصورة: وكالة الفضاء الأوروبية.

نحن نعلم أننا نعيش في كون دائم التوسع، ولكن لون الكون يتغير بشكل مستمر منذ مليارات السنين.

ألقِ نظرة على الصورة أعلاه، والتي التقطها تلسكوب هابل. إنها صورة لجزء بعيد وصغير من الكون، ويمكنك أن ترى فيها مئات المجرات التي لها مختلف الأشكال والألوان. إذن ما هي هذه الأشياء التي نراها؟

الضوء المتمدد

في كوننا دائم التوسّع، تبتعد المجرات عنّا بسرعات هائلة. تبتعد المجرات القريبة إلينا، والتي تبعد مسافات تقدّر بملايين السنين الضوئية فقط، عن الأرض بسرعات تبلغ مئات الكيلومترات في الثانية. بينما تبتعد المجرات البعيدة، والتي تبعد مليارات السنين الضوئية عن الأرض، بسرعات تتجاوز 100 ألف كيلومتر في الثانية.

ينتج عن ذلك تمدد الضوء المنبعث من هذه المجرات وفق قانون في الفيزياء يدعى «تأثير دوبلر».

يشبه تمدد الضوء هذا ظاهرة تمدد أمواج الصوت التي نلحظها على الأرض. تنخفض شدة صوت دراجة نارية مع ابتعادها عن الراصد. كما تتمدد الأمواج الصوتية المنبعثة من دراجة نارية مع ابتعادها عن الراصد (وهو حدث يترافق مع انخفاض شدة الصوت)، تتمدد الأمواج الضوئية الصادرة عن مجرة بعيدة مع ابتعادها عنا، ويعني ذلك تمدد الأمواج لأطوال تسمى «الأطوال تحت الحمراء».

لون الكون
تتغير الأطوال الموجية للضوء (والتي تقاس هنا بـ «الأنغستروم» و«النانومتر») مع تغير اللون. يُمدد الكون المتوسّع الضوء الأزرق، ما يجعلنا نرصده كضوء أحمر على الأرض. نوافذ إلى الكون/راندي راسل.

عندما نرصد المجرات البعيدة، فنحن ننظر إلى الماضي، وذلك لأن وصول الضوء المنبعث منها يستغرق مليارات السنين. يوفّر ذلك فرصة لعلماء الفلك لرصد الكون كما كان عليه في الماضي بشكل مباشر.

ولكن يمثّل تأثير دوبلر مشكلة هنا. عندما تلتقط التلسكوبات صوراً بضوء مرئي، ينظر العلماء إلى أمواج ضوئية فوق بنفسجية مصدرها أبعد المجرات، ولكن هذه الأمواج تكون متمددة بسبب توسع الكون لتصبح أمواجاً تقع أطوالها ضمن الطيف الترددي المرئي.

يمكن أن يتسبب ذلك بجعل العلماء الذين يستخدمون صور الضوء المرئي للمجرات القريبة والبعيدة يصلون لاستنتاجات خاطئة عند دراسة تطور الكون.

اقرأ أيضاً: أسئلة منتصف الليل: هل نعيش وحدنا في الكون؟

لون الكون
صورة بضوء فوق بنفسجي التقطها تلسكوب «غاليكس» لمجرة الدوامة «ميسييه 51». يختلف مظهر المجرات المصورة بالضوء فوق البنفسجي عن تلك المصورة بالضوء المرئي. حقوق الصورة: ناسا/جاي بي إل-كالتيك/مايكل براون.
لون الكون
تبين هذه الصورة بالضوء المرئي لمجرة «ميسييه 51» تفاصيلاً يخفيها الغبار الذي يظهر في صورة تلسكوب غاليكس. حقوق الصورة: مسح «سلووان» الرقمي للسماء/مايكل براون.

نحن بحاجة إلى أطلس للمجرات

إذا قسنا بدقة الضوء الذي تصدره المجرات، على اختلاف الأطوال الموجية (فوق البنفسجية، المرئية، وتحت الحمراء)، فيمكننا تصحيح التشوّه الناتج عن مفعول دوبلر. يمكننا مقارنة الضوء الذي تصدره المجرات القريبة والبعيدة، والذي له أطوال موجية من نفس الجزء من الطيف الترددي للضوء.

صمّمت بالتعاون مع زملاء من مختلف أنحاء العالم أطلساً جديداً يحتوي على 129 مجرة، ويشمل صوراً وأطيافاً ترددية التقطت بالضوء فوق البنفسجي والمرئي وتحت الأحمر. سيُنشر هذا الأطلس في عدد شهر مايو/أيار القادم من سلسلة ملحقات في دورية «مجلة الفيزياء الفلكية».

بما أن الغلاف الجوي يحجب النسبة الأكبر من الضوء فوق البنفسجي وتحت الأحمر، يتضمّن الأطلس الجديد بيانات من تلسكوبات «غاليكس» و«سويفت» و«أكاري» و«وايز» ومركبة «سبيتزر» الفضائية.

تتضمن البيانات التي جمّعتها التلسكوبات الأرضية الأطياف الترددية من تلسكوب «بوك» التابع لجامعة أريزونا ذي الكاميرا التي عرضها 2.2 متر، وصوراً من «مسح سلووان الرقمي للسماء» ومسح «2 ماس». كنت أنا وزملائي محظوظين لامتلاك هذه الثروة من البيانات (والتي جُمعت عن طريق عدة برامج) التي تخص العديد من المجرات القريبة.

كانت بعض هذه البيانات مؤرشفة ومتوفرة على الإنترنت، ولكن لم يكن علينا ببساطة أن نحمّلها ثم «ننسخها ونلصقها» في مجلد واحد. تتمتّع كل مجموعة من البيانات بميزاتها وعيوبها الخاصة، وهي أمور راعيناها عند تصميم الأطلس.

على سبيل المثال، كانت الصور من تلسكوبي غاليكس ووايز غير واضحة إلى حد ما، لذلك كان يطغى ضوء الأجرام السماوية على بعض المجرات الخافتة المجاورة.

اقرأ أيضاً: أسئلة منتصف الليل: ما هو شكل الكون؟

لون الكون
«إن جي سي 7331» هي مجرة تشبه مجرة درب التبانة كثيراً. حقوق الصورة: مسح سلووان الرقمي للسماء/مايكل براون.

تشبه بعض المجرات الموجودة في الأطلس الجديد مجرتنا، درب التبانة. «إن جي سي 7331» هي إحدى هذه المجرات، ونرى في صورتها بالضوء المرئي (أعلاه) ضوء النجوم الأزرق المشوب وممرات مظلمة من الغبار. تبدو هذه المجرة مختلفة تماماً في صورتها بالضوء تحت الأحمر (أدناه)، حيث يسود الغبار المشع الساخن (والذي سُخّن بسبب النجوم الكبير).

لون الكون
يسود الغبار الساخن المشع في هذه الصورة بالضوء تحت الأحمر لمجرة إن جي سي 7331، والتي التقطها تلسكوب سبيتزر. حقوق الصورة: ناسا/جاي بي إل-كالتيك/مايكل براون.
لون الكون
تصدر النجوم الزرقاء الكبيرة معظم الضوء فوق البنفسجي الذي نراه في هذه الصورة لمجرة إن جي سي 7331، والتي التقطها تلسكوب غاليكس. حقوق الصورة: ناسا/جاي بي إل-كالتيك/مايكل براون.

حرابي في الفضاء

ليست كل المجرات مشابهة لمجرة درب التبانة وإن جي سي 7331. مثلاً، مجرة «ميسييه 87» هي مجرة أكبر بكثير وذات ضوء أقرب للأحمر من مجرتنا. تحتوي هذه المجرة على كمية قليلة من الغبار الذي يحجب الرؤية، كما أنها تحتوي على ثقب أسود له كتلة تبلغ 4 مليارات ضعف كتلة الشمس.

لون الكون
مجرة ميسييه 87 هي مجرة أكبر بكثير من مجرة درب التبانة وذات ضوء أكثر احمراراً. حقوق الصورة: مسح سلووان الرقمي للسماء/مايكل براون.

تتغير ألوان المجرات أيضاً بمرور الوقت. بعد تصحيح التشوه الناتج عن مفعول دوبلر، وجد علماء الفلك أن المجرات (في المتوسط) كانت أكثر زرقة في الماضي مما هي عليه اليوم. قبل 10 مليارات سنة، لم تكن هناك مجرات حمراء كبيرة مثل ميسييه 87. فلماذا يتغير لون الكون؟

اقرأ أيضاً: تشكّلان 95% من الكون: ما هي الطاقة المظلمة؟ والمادة المظلمة؟

لماذا يتغير لون الكون؟

عندما تتشكل النجوم في قلب غمامات الغاز والغبار العملاقة، يكون لها كتل مختلفة.

تكون النجوم الأكبر حجماً شديدة السطوع وشديدة الزرقة، وهي تستهلك وقودها من الهيدروجين بسرعة كبيرة تجعلها تموت بسرعة. أصغر النجوم قاتمة إلى حد ما، وحمراء جداً وتستهلك وقودها من الهيدروجين على مدار عشرات المليارات من السنين. شمسنا هي نجم ذو حجم متوسط، وهي حاليّاً في منتصف عمرها البالغ 10 مليارات سنة.

لون الكون
تبدو مجرة «إن جي سي 4631» زرقاء لأن النجوم الزرقاء الساطعة للغاية وقصيرة العمر تتشكّل فيها. حقوق الصورة: مسح سلون الرقمي للسماء/مايكل براون.

نظراً لأن النجوم الأكثر زرقة لها عمر قصير جداً، فإن المجرات بشكل عام ستصبح أكثر احمراراً بشكل تدريجي ما لم تتشكّل نجوم جديدة. في بعض المجرات، مثل ميسييه 87، انتهت مرحلة تشكّل النجوم منذ نحو 10 مليارات سنة، وأخذت تزداد احمراراً بشكل تدريجي منذ ذلك الحين.

لا تزال النجوم تتشكّل في الكثير من المجرات حالياً، ومنها مجرة درب التبانة وإن جي سي 4631 (أعلاه).

يمكنك أن ترى السديم الكبير الموجود في كوكبة «الجبّار» باستخدام منظار بسيط، وهي منطقة تولد فيها النجوم في مجرة درب التبانة.

لون الكون
سديم الجبار هو حضانة نجمية يمكن رؤيتها بواسطة منظار، إلا أن تلسكوب هابل الفضائي يوفر رؤية أفضل. حقوق الصورة: ناسا/سي.آر. أوه ديل و إس.كاي. وونغ (جامعة رايس).

قد تنتهي مرحلة تشكّل النجوم في مجرتنا بعد اندماجها مع مجرة «المرأة المسلسلة» (أندروميدا) بعد 4 مليارات سنة. ينخفض معدّل تشكل النجوم عبر الكون بشكل عام، ومع انخفاض عدد النجوم الزرقاء، سيصبح الكون باهتاً وأكثر احمراراً. 

إذن ما هو لون الكون حالياً؟ قام «كارل غلازبروك» و«إيفان بالدري» بقياس ألوان آلاف المجرات القريبة باستخدام منشأة التحليل الطيفي ثنائي الدرجة ضمن مسح أُجري باستخدام التلسكوب الأنغلو-أسترالي

بما أن كوننا يحتوي على مزيج من النجوم الزرقاء والحمراء، مع القليل من الغبار، فنحن نعيش في كون له لون قهوة اللاتيه. على الأقل حالياً.

المحتوى محمي