منذ أكثر من 40 عاماً، انطلقت مركبتا فوياجر (Voyager أي الرحّالة) الفضائيتان في مهمة لاستكشاف كلّ كوكب في نظامنا الشمسي. وقد أطلق عليها آنذاك اسم "الرحلة الكبرى" ذلك أن الحسابات الفلكية قد تنبأت بأن 1977 ستكون حقاً سنة فريدة.
كانت فكرة الرحلة الكبرى قد بدأت لأول مرة عام 1964 في مختبر الدفع النفاث الذي تمتلكه ناسا ويديره معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا "كالتك Caltech" وذلك عندما لاحظ المختبر أن أواخر السبعينات ستشهد تراصفاً نادراً لكل من المشتري، وزحل، وأورانوس، ونبتون، بحيث يمكن لمركبة فضائية واحدة أن تزور جميع الكواكب الواقعة خارج حزام الكويكبات في المجموعة الشمسية مستفيدة من مساعدة جاذبية تلك الكواكب في زيادة سرعتها.
يحدث هذا التراصف مرة كل 175 سنة. تلك الفرصة النادرة التي تأتي مرة واحدة كل سبعة أجيال، تتيح للمركبة الفضائية اتخاذ مسار خاص، متأرجحة من كوكب إلى آخر دون الحاجة إلى أن يكون على متنها أنظمة ضخمة للدفع النفاث، وهذا ما بعث في البرنامج الحياة من جديد. فمرور المركبة الفضائية قرب أحد الكواكب يتسبب في حني مسارها وزيادة سرعتها بما يكفي لدفعها نحو وجهتها التالية. وباستخدام هذه "الجاذبية المساعدة"، التي برهنت على فعاليتها لأول مرة مع مركبة مارينر 10 التي أرسلتها ناسا في مهمة لاستكشاف الزهرة وعطارد 1973-1974، أصبح من الممكن تقليص زمن الرحلة إلى نبتون من 30 إلى 12 سنة.
وهكذا أسست ناسا عام 1969 مجموعة عمل الكواكب الخارجية، التي فضلت أن تقسم البعثة إلى بعثتين تقوم كل منهما بزيارة ثلاثة كواكب، بما فيها بلوتو الذي كان يعتبر في ذلك الحين كوكباً- وأعيد تصنيفه حالياً باعتباره كوكباً قزماً- إضافة إلى جرمين سماويين آخرين في النظام الشمسي هما سيريس وإيريس. وقد تقرر بالفعل إطلاق البعثة الأولى عام 1977 لزيارة المشتري وزحل وبلوتو، والثانية في 1979 لزيارة المشتري وأورانوس ونبتون.
وبذلك تم تخفيض مدة البعثة إلى سبع سنوات ونصف، مقارنة مع مدة الرحلة الكبرى التي تستغرق أكثر من 13 سنة. ودعت مجموعة العمل إلى تصميم مركبة فضائية جديدة لتنفيذ مهمات المرور قرب الكواكب. وتم تصميم هاتين المركبتين، اللتين سُميتا بالمركبتين الفضائيتين الكهرحراريتين (سنتحدث عن هذا لاحقاً) للكواكب الخارجية، في مختبر الدفع النفاث، وذلك بعمر تشغيل بلغ في ذلك الوقت عشر سنوات. وقد اختير اسم فوياجر لهاتين المركبتين التوأم.
وبحلول العام 1971، وصلت تكلفة الرحلة الكبرى إلى مليار دولار تقريباً (ما يقارب أربعة مليارات حالياً). وبضغوط من الكونغرس، إضافة إلى المنافسة التي فرضها داخل ناسا برنامج المكوك الفضائي الذي تمت الموافقة عليه، تم إلغاء المشروع في ديسمبر 1971، واستبدلت الرحلة الكبرى، والمركبتين، بعرض لزيارة كوكبين فقط باستخدام مركبتين مشتقتين من مركبة مارينر..
وعلى الرغم من أن الرحلة إلى أربعة كواكب كانت ممكنة التحقيق، إلا أن مليار دولار، وهي تكلفة بناء مركبتين فضائيتين قادرتين على قطع المسافة كلها، وحمل المعدات اللازمة، وتنفيذ مثل هذه المهمة الطويلة، اعتبر ثمناً باهظاً جداً. ولذلك تم تمويل المركبتين لتنفيذ دراسات مكثفة أثناء المرور قرب المشتري وزحل فقط. ودُرس أكثر من 10,000 مسار قبل اختيار اثنين يسمحان بالمرور قرب المشتري وقمره الكبير آيو، وقرب زحل وقمره الكبير تيتان. ومن حسن الحظ أن مسار فوياجر 2 أتاح إمكانية الحفاظ على خيار متابعة الرحلة نحو أورانوس ونبتون.
أُطلقت مركبة فوياجر 2 أولاً في 20 أغسطس من العام 1977، من مركز كينيدي الفضائي التابع لناسا في كيب كانافرال، فلوريدا. ومن ثم أطلقت فوياجر 1 في مسار أسرع وأقصر في 5 سبتمبر من العام 1977. وقد وصلت المركبتان إلى الفضاء على متن صاروخين من نوع تيتان-سنتور يستخدمان لمرة واحدة.
في إطار بعثة فوياجر الأساسية نحو المشتري وزحل، وصلت فوياجر 1 إلى المشتري في 5 مارس، 1979، وإلى زحل في 12 نوفمبر، 1980، وتبعته فوياجر 2 إلى المشتري في 9 يوليو، 1979، وإلى زحل في 25 أغسطس، 1981.
تم تحديد مسار فوياجر 1 بحيث تمر قرب القمر تيتان وخلف حلقات زحل، ومن ثم تندفع شمالاً خارجة من مستوى مدار الشمس الذي تدور ضمنه معظم كواكب النظام الشمسي. أما مسار فوياجر 2 فيهدف إلى المرور قرب زحل في نقطة يتم عندها إرسال المركبة ذاتياً باتجاه أورانوس.
بعد نجاح مرور فوياجر 2 قرب زحل، تبين أن بإمكانها متابعة طريقها إلى أورانوس مع استمرار جميع معداتها في عملها. وعندها قدمت ناسا بسرعة وسهولة تمويلاً إضافياً لمواصلة تشغيل المركبتين، وفوضت مختبر الدفع النفاث بتنفيذ عملية المرور قرب أورانوس. ولاحقاً أضافت ناسا أيضاً جزءاً جديداً للمهمة نحو نبتون، وأعادت تسميتها لتصبح بعثة فوياجر نبتون بين النجوم، وكان الاسم متوافقاً مع البعثة الأصلية المقترحة لزيارة أربعة كواكب.
وصلت فوياجر 2 إلى أورانوس في 24 يناير من العام 1986، وبثت من هناك صوراً تفصيلية وبيانات أخرى حول الكوكب، وأقماره، وحقله المغناطيسي، وحلقاته الداكنة. وفي الوقت نفسه، استمرت فوياجر 1 في التقدم، وتنفيذ دراسات حول الفضاء في المناطق ما بين الكواكب. وفي المحصلة، تمكنت معدات هذه المركبة، ولأول مرة في تاريخ المركبات الفضائية، من الوصول إلى حافة الغلاف الشمسي، وهو الحد الفاصل ما بين نهاية تأثير الحقل المغناطيسي الشمسي وبداية الفضاء ما بين النجوم.
بعد وصول فوياجر 2 إلى أقرب نقطة من نبتون في 25 أغسطس 1989، اندفعت جنوباً إلى ما تحت مستوى مدار الشمس متخذة مساراً سيأخذها أيضاً إلى الفضاء ما بين النجوم. ويعرف المشروع الآن باسم بعثة فوياجر البين-نجمية، ما يعكس وجهات جديدة عابرة للكواكب.
غادرت فوياجر 1 الآن نظامنا الشمسي، صاعدة إلى ما فوق مستوي مدار الشمس بزاوية 35 درجة تقريباً وبسرعة 520 مليون كيلومتر تقريباً في السنة. كما اتجهت فوياجر 2 إلى خارج النظام الشمسي أيضاً، مندفعة إلى ما تحت مستوي مدار الشمس بزاوية 48 درجة تقريباً، وسرعة 470 مليون كيلومتر تقريباً في السنة.
ستتابع كلتا المركبتين الفضائيتين دراسة مصادر الأشعة فوق البنفسجية بين النجوم، وستستمر معدات فحص الخواص الفيزيائية والجزيئات، المحمولة على متنهما، بالبحث عن الحد الفاصل ما بين تأثير الشمس والفضاء بين النجمي.
وتعدّ فوياجر 1 وفوياجر 2 حالياً المركبتين الفضائيتين الأطول سفراً في التاريخ، مع وصول فوياجر 1 إلى مرحلة ما بين النجوم (أول جسم من صنع البشر يغادر النظام الشمسي) منذ أكثر من خمس سنوات في 25 أغسطس، 2012.
تستمد المركبتان الطاقة من مولد كهروحراري يعمل بالنظائر المشعة، يقوم بتحويل الطاقة الحرارية النووية الناتجة عن التفكك الإشعاعي للبلوتونيوم-238 إلى طاقة كهربائية وحركة. ومن المتوقع أن تستمرا في توفير بيانات قيّمة لعشرين أو ثلاثين سنة إضافية. وستبقى الاتصالات مع المركبتين مفتوحة حتى نفاد مصادر الطاقة النووية، وعجزها على تزويدهما بما يكفي من الطاقة الكهربائية لتشغيل الأنظمة الفرعية الهامة.
ومع بقاء حوالى 10 سنوات من الطاقة ستواصل المركبتان السفر بعيداً، بعيداً جداً، منطلقتين بسرعة هائلة عبر فضاءات الكون، مكملتين دورة واحدة عبر مجرة درب التبانة كل 225 مليون سنة، فيما تحمل كل منهما نسخة من السجل الذهبي، وهو الرسالة الأولى من البشر إلى الكون، رسالة ملأى بالصور والأصوات من كوكب الأرض، إضافة إلى الاتجاهات التي تؤدي إليه.
نشرت هذه المقالة في عدد سبتمبر/أكتوبر 2017