علماء يكتشفون الثقب الأسود الأسرع نمواً في الكون حتى الآن

3 دقيقة
انطباع فني عن النجم الزائف جيه 0529-4351، وهو النواة الساطعة لمجرة بعيدة يزودها ثقب أسود فائق الضخامة بالمادة. لاحظ العلماء أن هذا الثقب الأسود هو الجسم الأكثر سطوعاً في الكون حتى الآن. المرصد الأوروبي الجنوبي/إم. كورنميسر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يغذّي هذا الثقب الأسود نجماً زائفاً يبلغ سطوعه 500 تريليون ضعف من سطوع الشمس، وهو الأسرع نمواً في الكون حتى الآن. وهو الثقب الأسود الذي يتمتّع بأعلى معدّل نمو مرصود في التاريخ. يستهلك النجم الزائف جيه 0529-4351 (J0529-4351) كمية من الطاقة تعادل طاقة الشمس يومياً. كما أنه أكبر منها بنحو 17 مليار مرة. وُصف هذا الثقب الأسود المفترس الملتهم للنجوم في دراسة نُشرت بتاريخ 19 فبراير/شباط 2024 في مجلة نيتشر أسترونومي (Nature Astronomy)، ويمكن أن تساعد دراسة حجمه الهائل على فهم تاريخ الكون.

اقرأ أيضاً: ماذا يمكننا أن نتعلّم من الثقوب السوداء المبكّرة؟

قال عالم الفلك في الجامعة الوطنية الأسترالية والمؤلف المشارك للدراسة، كريستيان وولف، في بيان صحفي: “يطلق هذا النجم كمية هائلة من الضوء والحرارة بسبب معدّل نموه المذهل، ما يعني أنه الجسم الأكثر ضيائية المرصود في الكون حتى الآن، وهو يتمتّع بسطوع يبلغ 500 تريليون ضعف من سطوع الشمس”.

ما النجوم الزائفة؟

النجوم الزائفة هي نوى مجرية نشطة للغاية تغذّيها الثقوب السوداء بالمادة. وهي تقدم لعلماء الفلك عادة منظراً مختلفاً للثقوب السوداء؛ إذ إنها تحتوي على نفاثات غنية بالطاقة تنبثق من الجانبين. يلتهم مركز النجم الزائف المظلم المادة بالقرب منه ثم يسحقها مشكّلاً قرصاً ساخناً للغاية. تُطلق هذه المادة بعد ذلك على مسافات شاسعة. مع ذلك، يستغرق وصول الضوء المنبعث من هذه النجوم الزائفة مليارات السنين ليصل إلى الأرض، ما يعني أن علماء الفلك يرصدون الثقوب السوداء التي تغذّيها بالمادة كما كانت قبل مليارات السنين.

تبيّن هذه الصورة المنطقة من السماء التي يقع فيها النجم الزائف جيه 0529-4351 غير المسبوق. أنشأ العلماء هذه الصورة باستخدام صور من مسح السماء الرقمي 2، في حين يُبين المستطيل الداخلي موقع النجم الزائف في صورة من مسح الطاقة المظلمة. حقوق الصورة: المرصد الأوروبي الجنوبي/مسح السماء الرقمي 2/مسح الطاقة المظلمة.

لا تزال النجوم الزائفة غامضة للغاية، لكن توصّل العلماء في الدراسات الحديثة إلى أنها قد تعيش فترة طويلة مستقرة بما يكفي ليستخدمها علماء الفلك لكشف المعلومات المفقودة حول تاريخ الكون. يمكن أن يساعد السطوع غير المسبوق للنجم الزائف جيه 0529-4351 العلماء على دراسة المراحل الأولى من تشكّل الكون بعمق أكبر.

قال عالم الفلك في الجامعة الوطنية الأسترالية والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة، كريستوفر أونكن، في بيان صحفي: “من المفاجئ أن هذه النجوم الزائفة لم تُرصد حتى الآن، وذلك بالنظر إلى ما نعرفه عن العديد من الثقوب السوداء الأقل تميّزاً. كان هذا النجم الزائف مختبئاً على مرأى من الجميع”.

اقرأ أيضاً: 10 حقائق مبسطة وشاملة عن الثقوب السوداء

الرصد باستخدام التلسكوب الكبير جداً

تبلغ كتلة النجم الزائف جيه 0529-4351 نحو 17 مليار ضعف من كتلة الشمس. ورصده العلماء باستخدام تلسكوب مرصد سايدنغ سبرينغ (Siding Spring Observatory) التابع للجامعة الوطنية الأسترالية، لكن إثبات وجود الثقب الأسود الضخم الذي يغذّيه بالمادة يتطلّب استخدام تلسكوب أكبر. لجأ فريق الدراسة إلى التلسكوب الكبير جداً التابع للمرصد الجنوبي الأوروبي في تشيلي. يتألف هذا التلسكوب من 4 تلسكوبات يبلغ قطر كل منها نحو 8 أمتار، وهو من أكبر التلسكوبات في العالم. واستخدمه الفريق للتحقق من طبيعة الثقب الأسود وقياس كتلته.

قالت عالمة الفيزياء الفلكية في جامعة ميلبورن والمؤلفة المشاركة للدراسة، ريتشل ويبستر، في بيان صحفي: “قطع الضوء الصادر عن هذا الثقب الأسود أكثر من 12 مليار سنة ضوئية ليصل إلى الأرض. كانت المادة تتحرك على نحو عشوائي وتغذّي الثقوب السوداء الجائعة عندما كان الكون مراهقاً. واليوم، تتحرّك النجوم على نحو منتظم وعلى مسافات آمنة بعضها عن بعض، ولا تلتهمها الثقوب السوداء إلا نادراً”.

أُصدر الإشعاع الشديد المرصود من القرص التراكمي حول الثقب الأسود، وهو ينظّم المادة في مسارات حول الثقب الأسود تنتهي بدخولها فيه. وفقاً لمؤلفي الدراسة الجديدة، يبدو هذا الإشعاع مثل تجويف عاصفة كبير، وتزيد درجة حرارته على 9,900 درجة مئوية. تحتوي هذه المنطقة على رياح كونية تهبّ بسرعة كبيرة لدرجة أنها يمكن أن تدور حول الأرض خلال ثانية واحدة.

كتل حديّة

يبلغ قطر القرص التراكمي نحو 7 سنوات ضوئية؛ أي نحو 67.6 تريليون كيلومتر. ووفقاً للفريق، هذا يعني أن هذا القرص أكبر قرص تراكمي معروف في الكون.

يعتقد الفريق أن كتلة الثقب الأسود المرصود يمكن أن تكون قريبة من حد كتلة إدينغتون. هذا الحد هو الحد الأعلى المقترح لكتلة النجوم أو الأقراص التراكمية. يجب إجراء المزيد من الأبحاث وعمليات الرصد لتقدير معدل نمو هذا الثقب الأسود بدقة أكبر.

ظن علماء الفلك أن النجم الزائف جيه 0529-4351 هو نجم عادي عند رصده أول مرة عام 1980. لكن أُعيد تصنيفه في عام 2023 بعد إجراء المزيد من الأرصاد المفصّلة في تشيلي وأستراليا.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تساعد الثقوب السوداء في تشكل النجوم؟

قالت عالمة الفيزياء الفلكية في جامعة ييل، بريامفادا ناتاراجان، التي لم تشارك في الدراسة الجديدة، لمحطة سكاي نيوز: “ما يجعل النجم الزائف المرصود مثيراً للاهتمام هو أنه كان مختبئاً على مرأى من الجميع وصُنّف خطأً على أنه نجم عادي سابقاً”.