عندما كان «فيج وانغ» يشب في مقاطعة «شاندونغ» في الصين، كان يحب التحديق في سماء الليل للنظر إلى النجوم. الآن، بصفته زميلاً في برنامج زمالة «ناسا هابل» في مرصد «ستيوارد» التابع لجامعة أريزونا، فإنه ينظر بعمق أكبر في الظلام ليفكر في أبعد الأشياء التي تمت دراستها على الإطلاق.
أهداف وانغ هي النجوم الزائفة (وتعرف باسم «الكوازارات» (Quasars)أيضاً)، وهي عبارة عن ثقوب سوداء محاطة بأقراص من الغازات والنجوم، وهي نوى المجرات البدائية. تمتص أنوية النجوم الزائفة المظلمة المادة القريبة منها وتسحق المادة التي تمتصها في قرص فائق السخونة، يشع بينما يطلق كميات هائلة من الطاقة. هذه هي الميزة التي تتيح لنا اكتشاف هذه الثقوب من مسافات بعيدة جداً. ولكن نظراً لأن ضوء النجوم الزائفة يستغرق مليارات السنين للوصول إلى الأرض، فإننا نرى هذه المنارات في الظلام كما كانت منذ دهور.
ما الذي يمكن أن تخبرنا به النجوم الزائفة؟
كواحد من أبرز مراقبي النجوم الزائفة اليوم، يستخدم وانغ هذه الأجسام لإلقاء نظرة على التاريخ القديم للكون. يقول وانغ: «في العامين الماضيين، كنت أسعى للعثور على أبعد النجوم الزائفة عنا»، نظراً لأن كل مسافة تساوي سنة ضوئية واحدة تقابل عاماً آخر من السفر عبر الزمن الكوني.
في عام 2021، وباستخدام 3 تلسكوبات موجودة في تشيلي وهاواي، اكتشف وانغ وزملاؤه أبعد نجم زائف يُرصد حتى يومنا هذا. أطلق عليه وانغ اسم «جاي 1806-0313»، وهو يبعد أكثر من 13 مليار سنة ضوئية عن الأرض، مما يعني أن وانغ رآه كما كان بعد 670 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم، أي عندما كان هذا النجم الزائف عملياً مولوداً جديداً.
يجد وانغ أن الثقب الأسود الخاص بهذا النجم الزائف مدهش بشكل خاص، لأنه وفقاً لفهمنا الحالي للفيزياء الفلكية، لا ينبغي أن يكون موجوداً.
يتحدى نجم جاي 1806-0313 نظريات العلماء الحالية. يُعتقد أن الثقوب السوداء التي لها هذا الحجم تنمو في الحجم من «بذور» صغيرة نسبياً تُزيد كتلتها بمرور الوقت عن طريق امتصاص الكتل الأخرى. ينص أحد النماذج على أن النجوم الأولى ربما تكون قد تركت مثل هذه البذور في أعقابها بعد أن عاشت عمرها بسرعة واستهلكت وقودها في سن صغير. خلاف ذلك، يمكن أن تتجمع عناقيد النجوم التي تنهار على نفسها، مما يولّد ثقوباً سوداء.
اقرأ أيضاً: خريطة شاملة لأكثر من 25 ألف من الثقوب السوداء
في انتظار المزيد من التلسكوبات الواعدة لتفسير وجود النجم الزائف جاي 1806-0313 والظواهر المشابهة
لكن لا يفسر أي من هذين السناريوهين وجود النجم الزائف الجديد. تبلغ كتلة نواة هذا النجم الزائف نحو 1.6 مليار ضعف كتلة الشمس، وهو أكبر بنحو 500 مرة من الثقب الأسود الموجود في مركز مجّرتنا. في تلك المرحلة من عمر الكون، لم يتشكّل ما يكفي من النجوم في الكون لتفسير الحجم الهائل لنجم وانغ الزائف الجديد.
بدلاً من ذلك، يعتقد وانغ وزملاؤه أن الهيدروجين الخام ربما يكون قد لعب دور البذرة لهذا الجسم الضخم. من الممكن أن تكون قد انهارت سحابة من الغاز على نفسها بتأثير الجاذبية، وأصبحت في نهاية المطاف كثيفة لدرجة كافية لتولد ثقباً أسوداً، بدأ بالتهام النجوم وكتل الغاز المحيطة. ولكن إذا لم تُرصد أية نجوم زائفة أخرى لها أحجام وأعمار مقاربة لنجم جاي 1806-0313، سيظل مصدر الثقب الأسود لغزاً.
يقول وانغ: «ليس لدينا سوى القليل من المعلومات حول البيئات هائلة الحجم للنجوم الزائفة المبكّرة»، وهذا نظراً لأن أدوات الرصد الحالية تحد من قدرة العلماء.
لكن وانغ متفائل بأن الجيل القادم من آلات مراقبة السماء سيساعدنا في كشف هذه الأسرار. سيسمح تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي الذي طال انتظاره، والمقرر إطلاقه في أواخر عام 2021 وتوليه عرش تلسكوب هابل البالغ من العمر 30 عاماً، لعلماء الفلك بالنظر عميقاً في الزمن أكثر من أي وقت مضى، وإلقاء نظرة على نجم جاي 1806-0313. وسوف تساعد أيضاً التلسكوبات الأخرى المترقَّبة. من المتوقع أن يُفتتح مرصد «فيرا سي. روبن» في تشيلي في عام 2023، وسوف يرصد سماء نصف الأرض الجنوبي بحثاً عن نجوم زائفة جديدة، وأشياء أخرى أيضاً. يفترض أن يدخل تلسكوب «نانسي غريس» الفضائي الروماني مداره في عام 2025، حيث سيبحث عن الموجات الضوئية تحت الحمراء لرصد المادة عن بعد.
يأمل وانغ بأن هذه الأدوات ستكشف لنا عن المزيد من الأسرار المتعلقّة بتطوّر الثقوب السوداء المبكّرة. ويقول: «سيكون العقد القادم زمناً رائعاً لدراسة أبعد الأجسام في كوننا».
نُشرت هذه المقالة في عدد «الشباب» من مجلة بوبيولار ساينس.