كيف يمكن أن تساعد الثقوب السوداء في تشكل النجوم؟

3 دقائق
كيف يمكن أن تساعد الثقوب السوداء في تشكل النجوم؟
حقوق الصورة: مراصد فلكية متعددة.

عندما رأت "آيمي راينس" صور مجرة التفجّر النجمي القزمة "هينايز 2-10" لأول مرة في أواخر العقد الماضي، ذُهلت كيف تبدو هذه المجرة مختلفة عن أقرانها. امتد خيط غازي يبلغ طوله 500 سنة ضوئية عبر هذه المجرة، واصلاً بين فصين من الغبار حيث تتشكل النجوم الجديدة. كانت تنظر راينس إلى حضانة نجمية غزيرة الإنتاج، ولهذا تسمّى المجرة "مجرة التفجّر النجمي".

ثقب أسود فائق الحجم في قلب المجرة

بعد سنوات من الدراسة المتقطعة لهذا النظام وحيد المجرة، اكتشفت راينس، عالمة الفيزياء الفلكية في جامعة ولاية مونتانا، وطالبها "زاك شوت"، عالم الفيزياء الفلكية، سبب شكل هذه المجرة: يوجد في قلب مجرة هينايز ثقب أسود هائل الحجم يساعد في تشكّل النجوم بشكل غير مباشر. نُشرت نتائج دراسة راينس في 19 يناير/كانون الثاني 2022 في دورية "نيتشر".

وفقاً لـ "فابيو باكوتشي"، عالم الفيزياء الفلكية في مركز الفيزياء الفلكية التابع لجامعة هارفارد ومعهد "سميثسونيان"، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، هذه هي المرة الأولى التي يجد فيها الباحثون علامات واضحة على مساهمة الثقوب السوداء في  تكوّن النجوم في مجرة صغيرة مثل هذه. يضيف باكوتشي أن إمكانية مساهمة الثقوب السوداء في تشكّل النجوم كانت "سؤالاً مفتوحاً".

بفضل كتلتها الهائلة، تلتقط الثقوب السوداء الغبار وبقايا النجوم الممزقة التي تتجول على مسافة قريبة جداً منها، ومع استهلاك هذه الثقوب العملاقة هذه النجوم، قد تقذف أيضاً بعض هذه البقايا في الفضاء. تقول راينس: "[تتغذّى] الثقوب السوداء على المواد المحيطة، لكنها تفعل ذلك بطريقة عشوائية نوعاً ما".

يمكن للتلسكوبات البشرية أن ترصد الثقوب السوداء الأكبر حجماً بسهولة أكبر، وذلك لأن هذه الثقوب السوداء هي أيضاً الأكثر سطوعاً، والتي يُظهر حدودها الغاز والغبار اللذان يسخنان بينما يتم سحبهما إلى الثقب. تكون نفاثات المواد الصادرة من الثقوب السوداء سريعة بما يكفي لتشتيت المادة وتقليل كثافة الغمامات الغازية المحيطة التي كانت لتتكثف وتشكّل النجوم لولا وجود الثقوب السوداء. تعمل هذه الثقوب السوداء الأكثر سطوعاً على إخماد تشكل النجوم، وهي الثقوب السوداء التي يرصدها العلماء عادة.

اقرأ أيضاً: ما هو مفهوم حزام الكويكبات؟

بماذا تختلف المجرات القزمة عن غيرها؟

هنا تدخل المجرات القزمة الصورة، وهي فئة من التجمعات النجمية الصغيرة التي تحتوي على ثقوب سوداء صغيرة، وذلك إذا احتوت عليها. تكون الثقوب السوداء الموجودة في المجرات القزمة أكثر خفوتاً، لذا يصعب على العلماء رصدها، والرياح الخارجة من هذه الثقوب السوداء ليست عنيفة، لذا بدلاً من نثر المخلفات، فهي تضغطها، مثل عاصفة ثلجية تُراكم الثلوج. هذه التجمّعات الكثيفة من المادة هي مناطق خصبة لتشكّل النجوم.

تقول راينس: "رصدنا تدفقاً خارجياً ذو سرعة أقل"، مشيرةً إلى التدفق البطيء نسبياً للمادة التي يصدرها الثقب الأسود. تضيف راينس: "تساعد هذه التدفقات على تشكّل النجوم نوعاً ما".

إذا كانت هناك مجرة قزمة مناسبة للدراسة، ستكون مجرة هينايز 2-10. تعتبر هذه المجرة خياراً مناسباً للعلماء لأنها قريبة، إذ أنها تقع على بعد نحو 30 مليون سنة ضوئية فقط. تقول راينس إن المناطق التي لها هذا البعد يمكن اعتبارها "فنائنا الخلفي". هذا يجعل مجرة هينايز 2-10 أقرب هدف يمكن للعلماء الحصول عليه للدراسة. حللت راينس وشوت باستخدام بيانات من تلسكوب هابل الفضائي الضوء القادم من هذه المجرة، وركّزوا على الأطوال الموجية التي من شأنها أن تشير إلى وجود مكونات النجوم المبكرة: الهيدروجين والأوكسجين والكبريت. لم يكن الثقب الأسود في هذه المجرة يقذف هذه العناصر فحسب، بل كانت الرياح أيضاً تهب بمعدل متناسق مع دوران الثقب الأسود حول نفسه.

أكدت هذه الأرصاد أن النجوم الجديدة كانت تتشكل مباشرة من البقايا التي يصدرها الثقب الأسود. يقول شوت: "لقد لاحظنا بشكل أساسي نمطاً منسجماً في الطيف الضوئي المرصود"، ويضيف: "هناك تدفق خارجي متجانس ينشأ من الثقب الأسود ويمتد إلى مناطق تشكل النجوم".

تشكيل النجوم
تُظهر مجرة هينايز 2-10 عند رصدها بأطوال موجية محددة بشكل أكثر وضوحاً بنيتها التي تتألف من تدفقات المواد الخارجة من الثقب الأسود. يشير القطع الناقص الأبيض في وسط الصورة إلى موقع الثقب الأسود. حقوق الصورة: وكالة ناسا.

يقول "روبرتو مايولينو"، عالم الفيزياء الفلكية في جامعة كامبريدج، والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، إن هذه الدراسة "قد تحفّز أرصاد متابعة لاحقة لمجرات أخرى مماثلة". يضيف مايولينو إن المجرات القزمة هي أكثر أنواع الأنظمة النجمية وفرة، لذا فإن تشكّل النجوم المحفّز بالثقوب السوداء يمكن أن يكون شائعاً نسبياً.

اقرأ أيضاً: شاهد محاكاة لثقب أسود يلتهم النجوم

بالإضافة إلى ذلك، ليست المجرات القزمة هي اللبنات الأساسية للتجمعات النجمية الأكبر فحسب، بل يُعتقد أيضاً أنها تشبه أقدم مجموعات النجوم في الكون. يقول مايولينو: "تعطينا هذه المجرات القزمة وسيلة لاختبار نظريات تشكل المجرات المبكرة". قد يعني فهم أسرار المجرات القزمة فهم العديد من الظواهر الفلكية المبكرة والمعاصرة الأخرى عبر الكون.

تخطط راينس لتركيز جهودها على الثقوب السوداء الأخرى والمجرات القزمة، وتقول إنها وجدت إجابات الأسئلة المتعلقة بهذه المجرة، والتي كانت تحيّرها لفترة طويلة. من المحتمل أن تحتوي مجرة هينايز على المزيد من الألغاز التي يمكن لعلماء الفيزياء الفلكية الآخرين تفسيرها، لكن تقول راينس: "أشعر بالرضا التام"، وتضيف: "هذه خاتمة مرضية بالنسبة لي، على الأقل في الوقت الحالي".