بمساعدة أينشتاين وهابل: العثور على ثقب أسود لم يره أحد من قبل

4 دقائق
بمساعدة أينشتاين وهابل: العثور على ثقب أسود غير مرئي
حقوق الصورة: ناسا.

التقط علماء الفلك أول صورة مباشرة لثقب أسود في عام 2019، وذلك بفضل المواد التي توهجت أثناء وجوده. وفي الواقع يكاد يكون اكتشاف العديد من الثقوب السوداء مستحيلاً، لكن فريقاً آخر يستخدم تلسكوب هابل الفضائي اكتشف أخيراً شيئاً لم يره أحد من قبل؛ ثقب أسود غير مرئي تماماً. نُشرت نتائج البحث على الإنترنت وأُرسلت للنشر في دورية «أستروفيزيكال جورنال»، ولكن البحث لم يخضع لمراجعة الأقران بعد.

الثقوب السوداء: كنز من المعلومات

الثقوب السوداء هي عبارة عن ما يتبقى من النجوم الكبيرة بعد موتها وانهيار نواتها، وكثافتها مرتفعة إلى حد كبير، وتتمتع بجاذبية قوية جداً بحيث لا يمكن لأي شيء لا يتحرك بسرعةٍ كافية الهروب منها، حتى الضوء. يحرص علماء الفلك على دراسة الثقوب السوداء لأنها تقدم معلوماتٍ كثيرة حول كيفية أفول النجوم. على سبيل المثال، يمكننا من خلال قياس كتلة الثقوب السوداء معرفة ما يحدث في لحظات النجوم الأخيرة حين تنهار نواتها وتنفصل عنها طبقاتها الخارجية.

قد ينطوي اسم الثقب الأسود، بحكم تعريفها، على أنه شيء غير مرئي، فهي قد اكتسبت اسمها من قدرتها على امتصاص الضوء. لكن لا يزال بإمكاننا اكتشافها من خلال الطريقة التي تتفاعل بها مع الأشياء الأخرى بفضل جاذبيتها القوية، وقد اكتُشفت بالفعل المئات من الثقوب السوداء الصغيرة من خلال تفاعلها مع النجوم الأخرى.

هناك طريقتان مختلفتان لاكتشاف الثقوب السوداء. بالنسبة للنجوم المصنفة في فئة «ثنائيات الأشعة السينية»، حيث يدور فيها نجم وثقب أسود حول مركزٍ مشترك، يمكن لحقل الجاذبية الذي يولده الثقب الأسود جذب المواد من النجم الآخر. فتدور المادة حول الثقب الأسود وتسخن بسبب الاحتكاك أثناء ذلك، فتتوهج المادة الساخنة مطلقةً الأشعة السينية، ما يجعل الثقب الأسود مرئياً قبل أن يمتص مواد النجم الآخر ليختفي مجدداً. يمكن أيضاً اكتشاف أزواجٍ من الثقوب السوداء عندما تندمج معاً وتلتف إلى الداخل مطلقةً وميضاً قصيراً من موجات الجاذبية، وهي عبارةٌ عن تموجات في الزمكان.

اقرأ أيضاً: ماذا يمكننا أن نتعلّم من الثقوب السوداء المبكّرة؟

بمساعدة أينشتاين وهابل: العثور على ثقب أسود غير مرئي
الصورة الأولى للثقب الأسود. حقوق الصورة: تلسكوب أفق الحدث.

ولكن هناك العديد من الثقوب السوداء التي تسبح في الفضاء دون أن تتفاعل مع أي شيء، الأمر الذي يُصعب اكتشافها. وهذه مشكلة، لأنه إذا لم نتمكن من اكتشاف الثقوب السوداء المعزولة، فلن نعرف شيئاً حول كيفية تشكلها، أو كيفية موت النجوم التي تشكلت منها.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تساعد الثقوب السوداء في تشكل النجوم؟

آفاق جديدة ومظلمة

لاكتشاف مثل هذا الثقب الأسود غير المرئي، كان على فريق العلماء الجمع بين نوعين مختلفين من الأرصاد على مدار عدة سنوات، حيث يعدُ هذا الإنجاز الرائع بطريقة جديدة لاكتشاف هذه الفئة من الثقوب السوداء المعزولة التي كان من الصعب اكتشافها في السابق.

في الحقيقة، لقد تنبأت نظرية النسبية العامة لآينشتاين بأن الأجسام فائقة الكتلة تحني الضوء أثناء مروره عبرها، وبالتالي فإن أي ضوء يمر بالقرب من ثقبٍ أسود غير مرئي، بشرط أن لا يكون الضوء قريباً منه إلى درجة يمتصه كلياً، سينحني بنفس الطريقة التي ينحني فيها الضوء عند مروره عبر العدسات. يسمى هذا التأثير بعدسة الجاذبية، ويمكن اكتشافه عندما يقع جسم أمامي  وجسم خلفي على مستقيم واحد أمام أداة الرصد، ما يؤدي إلى انحناء الضوء القادم منه. وقد استُخدمت هذه الطريقة بالفعل لدراسة عناقيد المجرات وحتى الكواكب الموجودة حول النجوم الأخرى.

جمع مؤلفو البحث الجديد نوعين من أرصاد عدسات الجاذبية في بحثهم عن الثقوب السوداء. بدأ الأمر برصدهم للضوء القادم من نجم بعيد يتضخم فجأة، ما يجعله يبدو أكثر إشراقاً لفترة وجيزة قبل أن يخفت ويعود إلى طبيعته. لكنهم لم يتمكنوا من رؤية أي جسم في المقدمة كان من شأنه أن يتسبب في تضخم الضوء بسبب تأثير عدسة الجاذبية، ما يشير إلى أن الجسم قد يكون ثقباً أسود منفرداً لم تسبق رؤيته من قبل. ومع ذلك، يمكن أن يكون هذا الجسم مجرد نجمٍ خافتٍ أيضاً.

اقرأ أيضاً: ما هي مفارقة الثقوب السوداء التي لم تحل بعد؟

دور تلسكوب هابل في الاكتشاف

يتطلب اكتشاف ما إذا كان هذا الجسم ثقباً أسود أو نجماً خافتاً الكثير من العمل، وهنا يأتي دور النوع الثاني من أرصاد عدسة الجاذبية. حيث التقط المؤلفون صوراً متكررة باستخدام تلسكوب هابل على مدار ست سنوات بهدف قياس المسافة التي يبدو أن النجم تحركها عندما ينحني ضوءه.

سمح ذلك للباحثين في النهاية بحساب كتلة وامتداد الجسم الذي تسبب في تأثير عدسة الجاذبية، ووجدوا أن كتلة النجم تبلغ حوالي سبعة أضعاف كتلة شمسنا، ويقع على بعد 5 آلاف سنة ضوئية، والتي تبدو مسافةً بعيدة ولكنها في الواقع قريبةٌ نسبياً. فلكياً، يجب أن يكون نجمٌ بهذا الحجم وهذا القرب مرئياً لنا، ونظراً لأنهم لم يتمكنوا من رؤيته، فقد استنتجوا أنه يجب أن يكون ثقباً أسود منعزلاً.

في الواقع، إن أخذ هذا الكم الكبير من الأرصاد باستخدام مرصدٍ مثل هابل ليس بالأمر السهل، إذ يحظى التلسكوب بشعبية كبيرة بين الباحثين، وهناك منافسة كبيرة على استخدامه. ونظراً لصعوبة اكتشاف الثقوب السوداء المنعزلة، فقد تعتقد أن فرصة العثور على المزيد منها ستكون ضئيلة. لحسن الحظ، نحن في بداية ثورة في علم الفلك، وذلك بفضل جيل جديد من معدات الرصد، مثل مسبار «جايا» الفضائي ومرصد «فيرا روبن» وتلسكوب «نانسي غريس رومان الفضائي» المرتقب، والتي ستقوم بجمع قياسات متكررة لأجزاء واسعة من الفضاء بتفاصيل أكبر غير مسبوقة.

سيكون ذلك ذو أهمية كبيرة لجميع مجالات علم الفلك، حيث ستسمح لنا القياسات الدورية عالية الدقة لمثل هذا الجزء الكبير من السماء بالتحقيق في الظواهر التي تحدث في فترات زمنية قصيرة جداً. وسوف نتمكن من دراسة أشياء متنوعة مثل الكويكبات والنجوم المتفجرة المعروفة بالمستعرات الأعظمية والكواكب التي تدور حول النجوم الأخرى بطرق جديدة.

أما بالنسبة للبحث عن الثقوب السوداء غير المرئية، فذلك يعني أنه بدلاً من الابتهاج باكتشاف ثقبٍ أسود واحد فقط، قد نتمكن من العثور على الكثير منها، وسيصبح اكتشافها أمراً روتينياً. وبذلك سنتمكن من سد الفجوات في فهمنا حول كيفية موت النجوم وتكوين الثقوب السوداء.

سيكون من الصعب قريباً على الثقوب السوداء غير المرئية في المجرة الاختباء أكثر.

المحتوى محمي