إذا كانت حافظات الماء والمشروبات الحرارية تعتمد على مبدأ الفراغ للعزل ومنع الحرارة من التسرب، وكانت الحرارة تواجه صعوبة في الانتقال عبر الفراغ وتحتاج إلى وسيط للانتقال، فكيف للحرارة أن تنتقل في الفضاء الفارغ وصولاً إلى الأرض؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بُدّ من العودة إلى مقاعد الدراسة؛ حيث وضحت دروس الفيزياء مفهوم الحرارة وطرق انتقالها.
ما هي الحرارة؟
في الصيف وعندما نمشي على رمال الشواطئ، نشعر بحرارتها تنتقل إلى أقدامنا، وعندما نقف في الظل يصبح الجو أكثر لطفاً. إذاً، فالحرارة هي أكثر من مجرد مقياس فيزيائي نقيسه بميزان الحرارة. الحرارة هي أحد أشكال الطاقة التي تنتقل بفعل حركة الجسيمات المكونة للمادة، عندما تتحرك الجسيمات وتتصادم ببعضها فإنها تزيد من درجة حرارة المادة. على سبيل المثال، عندما نسخن قدراً من الماء على مصدر حراري يزداد متوسط الطاقة الحركية للجسيمات، وتزداد معها درجة حرارته. إذاً كيف تنتقل الحرارة بين الأجسام؟
اقرأ أيضاً: في الفضاء لا أحد يسمع صراخك: لماذا لا ينتقل الصوت في الفضاء؟
طرق انتقال الحرارة
للتوضيح، تتألف جميع المواد كما نعرفها من ذرات مفردة أو مرتبطة بغيرها على شكل جزيئات كما في الغازات. تتحرك الذرات والجزيئات ذهاباً وإياباً بشكل مستمر، حتى في المواد الصلبة ولكن ضمن حيز متوسط معين مرتبط بطاقتها الحركية وبنيتها البلورية، فكلما زادت طاقتها الحركية زادت الحرارة التي تطلقها، إلا أن هذه الذرات والجزيئات تكون أكثر حرية في الحركة في المواد السائلة والغازية. تنتقل الحرارة من جسم إلى آخر من خلال إحدى الطرق التالية:
انتقال الحرارة بالتوصيل الحراري
يحدث الانتقال الحراري بالتوصيل بفعل تصادم جزيئات المادة مع جزيئات مادة أخرى، فتنتقل الحرارة من المادة الأكثر حرارة إلى الأقل حرارة، وهي أكثر طرق انتقال الحرارة شيوعاً في المواد الصلبة. يمكن وصف هذه الطريقة بلعبة البلياردو، حيث تنتقل الطاقة الحركية من كرة إلى أخرى نتيجة الاصطدام بها.
انتقال الحرارة بالحمل
وهي الطريقة التي تنتقل فيها الحرارة في السوائل والغازات، إذ يحدث عندما ينتقل ماء أو هواء ساخن إلى مكان آخر فينقل معه طاقته الحرارية. على سبيل المثال، عند تسخين الماء في وعاء يتمدد وتتباعد الجزيئات عن بعضها، فتقل كثافته، نتيجة لذلك يرتفع الماء الأقل كثافة للأعلى حاملاً معه الحرارة، بينما يتدفق السائل البارد والأكثر كثافة نحو الأسفل بجوار القاع في حركة دائرية تُعرف بالحمل الحراري.
اقرأ أيضاً: ما هي رائحة الفضاء؟
الإشعاع الحراري: انتقال الحرارة في الفضاء
تصدر الشمس أمواجاً كهرومغناطيسية تتألف من أمواج الطيف المرئي الذي نراه بأعيننا، بالإضافة إلى موجات الراديو والأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء. قد لا نتمكن من رؤية الأشعة تحت الحمراء إلا أنها الأشعة المسؤولة عن رفع درجة حرارة جزيئات الغلاف الجوي والتي تبقيه دافئاً نسبياً.
اقرأ أيضاً: أكبر صور هابل الملتقطة بالأشعة تحت الحمراء تساعد العلماء على العودة بالزمن 10 مليارات عام
في المنزل عندما تشتد درجات الحرارة في الصيف، يمكن تشغيل المكيف أو المراوح لتعديلها، كذلك الأمر في الشتاء حينما تنخفض درجات الحرارة ويصبح الجو بارداً يمكن استخدام إحدى وسائل التدفئة. في كلتا الحالتين يحدث أن يتم طرح أو إضافة الحرارة إلى هواء الوسط الخارجي ثم تحريكه، هذا ما يدعى بالحمل الحراري. ولكن في الفضاء ليس هنالك من هواء بل فراغ فقط. تصل حرارة الشمس إلى كوكبنا عبر الفضاء من خلال الإشعاع الحراري، وعلى عكس الطرق السابقة لا تحتاج هذه الطريقة إلى وسط مادي للانتقال خلاله، إذ يمكن تعريفه كما يلي:
الإشعاع الحراري هو انتقال الحرارة من جسم ذي درجة حرارة مرتفعة إلى آخر منخفض الحرارة عندما لا يوجد أي اتصال مادي ما بين الجسمين، كما في الفضاء الفارغ تقريباً والذي يفصل بين الشمس وكوكبنا، حيث يتكون الإشعاع الشمسي من حزم صغيرة من الطاقة عديمة الكتلة تُعرف بالفوتونات. تنتشر الفوتونات عبر الفضاء، وبمجرد اصطدامها بأي جسم، كالأرض أو الكواكب أو حتى المركبات الفضائية، فإنها تنقل طاقتها له ما يؤدي إلى رفع درجة حرارته. وبذلك عندما تصل الأمواج الكهرومغناطيسية تحت الحمراء إلى الغلاف الجوي للأرض فإنها تصطدم بجزيئاته وتنقل لها طاقتها. وتزداد الطاقة الحركية للجزيئات وترتفع معها درجة الحرارة، ثم تنتقل الطاقة بواسطة التوصيل الحراري بين الجزيئات حتى تصل إلى الأرض. يساعد الغلاف الجوي على الاحتفاظ بدرجة حرارة الأرض المعتدلة إذ يمنعها من التسرب في الليل.
ولكن وبما أن درجة الحرارة داخل الشمس تصل إلى نحو 15 مليون درجة مئوية، لماذا تنخفض درجة حرارة الفضاء الخارجي إلى ما دون الصفر بنحو 270 درجة مئوية؟
اقرأ أيضاً: هل يمكننا إجراء عمليات التعدين في الفضاء الخارجي؟
لماذا تنخفض درجة حرارة الفضاء الخارجي؟
تنتقل الفوتونات في الفضاء حاملة معها الطاقة بشكل كامن فقط، أي أنها ترفع من درجة حرارة ما تصطدم به فقط خلال مسارها، وبما أن جزيئات الغاز في الفضاء متباعدة بشكل كبير يصل إلى نحو ذرة واحدة كل 10 سنتيمترات مكعبة، لذا لن تستطيع نقل الحرارة فيما بينها من خلال طرق انتقال الحرارة الأخرى. على سبيل المثال، إذا وضعنا مركبة فضائية في المسار ما بين الشمس والأرض فإن الوجه المقابل للشمس سترتفع حرارته بشكل كبير إلى درجة قد تتسبب بحرقك، وبسرعة أكبر من سرعة ارتفاع درجة حرارة الوجه الآخر المظلل للمركبة، لذا يسخن الوجه الآخر ببطء شديد لكن درجة حرارته تنخفض في النهاية بشكل كبير. هذا ما يمكن أن نشاهده على كوكب عطارد الأقرب للشمس من بين كواكب المجموعة الشمسية، حيث تصل درجة حرارته في النهار إلى نحو 426 درجة مئوية، بينما تنخفض ليلاً إلى نحو (-178) درجة مئوية.
قد لا نتمكن من الإحساس بالحرارة المنخفضة للفضاء لأن نقص الأكسجين لوحده كافٍ للقضاء علينا قبل ذلك، إلا أنه على سطح كوكبنا يمكن لحرارة الإشعاع الحراري للشمس أن تمنحه الحياة.