رصد العلماء مؤخراً انفجار نيزك فوق بحر "بيرنغ" الواقع في المحيط الهادئ بين آلاسكا وروسيا، وقد ذكرت ناسا أنّ الانفجار كان أقوى بعشر مراتٍ من القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما، ويعدّ ثاني أكبر انفجارٍ من نوعه في هذا القرن بعد حادثة انفجار نيزكٍ في منطقة تشيليابينسك "Chelyabinsk" في روسيا عام 2013، والثالث من حيث التأثير منذ انفجار نيزك تونغوسكا الذي حدث عام 1908 ودمّر حينها نحو 2000 كيلومتر مربع من غابات سيبريا.
وقد وقع انفجار النيزك في كانون الأول/ديسمبر الماضي، دون أن يلاحظه أو يحذّر منه أحد، مما أثار الكثير من علامات الاستفهام والتعجب. فقد دخل النيزك، الذي يبلغ قطره نحو 10 أمتار، ووزنه أكثر من 1500 طن، الغلاف الجوي للأرض فوق بحر بيرنغ الواقع بين روسيا وألاسكا في 18 كانون الأول/ديسمبر نهاراً، حيث كان يسير بسرعةٍ قُدرت بنحو 72.000 ميل/ساعة بزاويةٍ حادةٍ بلغت 7 درجات. وقد انفجر النيزك نتيجة احتكاكه مع الغلاف الجوي، وتحول إلى كرةٍ من اللهب على ارتفاع 26 كم تقريباً فوق سطح الأرض، وقد صرّحت "كيلي فاست"، مديرة برنامج ناسا لرصد الأجسام القريبة من الأرض، أن قوة انفجار النيزك بلغت 173 كيلوطن من مادة التي إن تي.
رصدت بعض الأقمار الصناعية العسكرية والمدنية الانفجار الهائل لحظة حدوثه، كما رصدته العديد من محطات المراقبة حول العالم لحظة حدوثه أيضاً من خلال الآثار التي نجمت عنه، مثل الموجات تحت الصوتية (الأصوات ذات التردد المنخفض التي لا يستطيع الإنسان سماعها والتي تترافق مع الانفجارات الضخمة) والإشعاع الكهرومغناطيسي كالأشعة تحت الحمراء والضوء المرئي.
في الواقع، تضرب أجرامٌ سماوية الأرض كل يوم، والتي تخلّف كرات لهبٍ كبيرة تضيء السماء، إلا أنها نادرة الحدوث، فهي تحدث مرتين أو ثلاث مراتٍ في القرن. على الرغم من أن العالم لم يسمع بهذا الانفجار إلا مؤخراً منذ حوالي أسبوعٍ تقريباً حينما نشرت وكالة ناسا تقريراً مفصّلاً عنه على موقعها، إلا أن ذلك لا يعني أن المجتمع العلمي لم ينتبه له وقت حدوثه. يشير ضابط الدفاع الكوكبي في ناسا "ليندلي جونسون" إلى أن بعض أجهزة الاستشعار التي التقطت الانفجار مُصَممةٌ أصلاً لمراقبة الانفجارات النووية لضمان تنفيذ المعاهدات الدولية فيما يتعلق بالأسلحة النووية، ويقول:"إن انفجاراً بهذه القوة والحجم لا بد أن تلتقطه محطات المراقبة بكل تأكيد".
لو كان هناك خطرٌ من أن يضرب النيزك الأرض، أو في أسوأ الحالات، منطقةً مأهولة مثلاً، لكُنّا سلّطنا الضوء عليه أكثر، لكنه سقط فوق بحر "بيرنغ" في أقصى الشمال، ولم تكن رؤيته ممكنة، وأثره ليس بحجم الأثر الذي أحدثه نيزك تشيليابينسك أو حتى النيزك الذي مر فوق كوبا عام 2015 كما تقول كيلي فاست، إنه مجرد حدث عابر لن يتمكن البشر من مشاهدته أو الشعور بأثره مُطلقاً.
ماذا لو ضرب نيزكٌ منطقةً مأهولة بالسكان؟
يتردد رائد الفضاء السابق "إد لو " -أحد مؤسسي جمعية الدفاع عن الكوكب "B612 Foundation" غير الربحية"- بالتكهن بالآثار التي قد يخلفها سقوط نيزك في منطقةٍ مكتظةٍ بالناس، ولكنه يقول إن أفضل سيناريو يمكن الاستعانة به للتكهن بما قد يحدث هو حادثة نيزك تشيليابينسك. فقد كان هذا النيزك أكبر قليلاً( نحو 20 متراً)، وعلى الرغم من أنّه قد سقط في منطقةٍ تبعد عشرات الأميال، فقد حطّم آلاف النوافذ وتسبب بانهيار العديد من المباني، وأدى لإصابة المئات من الأشخاص بإصاباتٍ تطلّبت المعالجة. ويضيف "لو": "ليس من الضروري أن يكون النيزك ذا حجمٍ كبير كي يتسبب بانفجارٍ ضخم، فقد رأينا مؤخراً نيزكاً بقطرِ عدة أمتارٍ فقط ينفجر بقوةٍ بلغت عشرة أضعاف قنبلة هيروشيما.
من الطبيعي أن يثير هذا الحدث المخاوف عموماً من نيازك أو حوادث مشابهة في المستقبل، والتي قد تتسبب في تدمير المدن، أو هلاك الكثير من البشر.
ويضيف "لو": "إنّ هذا الحدث يذكرنا بأن النظام الشمسي يؤثر على حياتنا ومستقبلنا بالفعل". فعلى الرغم من أن معظم الأجرام السماوية التي قد تضرب الأرض لاتثير القلق أو المخاوف، إلا أنه قد يظهر بعضها بين الحين والآخر بدون سابق إنذار، مما قد يهدد سلامتنا، مثل هذا النيزك الأخير.
بالعودة إلى حادثة النيزك الأخيرة في ديسمبر، لم يكن لدى أحدٍ ما أدنى فكرة أنه كان متجهاً مباشرةً نحو الأرض. تقول كيلي في هذا الصدد: "عليك أن تكتشف وجودها قبل أن تتمكن من اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة آثارها. في الحقيقة، تدعمنا ناسا وغيرها من المؤسسات بالكثير من المعلومات والإمكانات التي تساعدنا على تتبع هذه الأجسام الفضائية، ولكن هناك حدودٌ لهذه الجهود". ويضيف جونسون في الشأن ذاته: "لقد كان اهتمامنا في مكتب الدفاع الكوكبي منصباً على متابعة الأجرام التي يزيد قطرها على 140 متراً، فهذه الأجرام تشكل خطراً حقيقياً أكثر بكثير من ذلك الجسم الذي سقط فوق بحر بيربغ، حيث أن حجم هذا الجسم أصغر بكثير ولايبلغ قطره سوى 10 أمتار، لذلك كان خارج دائرة اهتمامنا، بيد أنه دائماً ما تُذكرنا بعض الأحداث، كحادث تشيليبساك، بأن هؤلاء الزوار صغيري الحجم يمكنهم التسبب بأضرارٍ مهولة".
يضيف رائد الفضاء السابق لو: "لقد كنا نقول دائماً في السابق أننا بحاجةٍ بالفعل إلى رسم خريطةٍ تمثل مسارات تلك الأجسام في النظام الشمسي، حتى نتمكن من التنبؤ مسبقاً بوقتٍ كافٍ باحتمالية أن تضرب الأرض في وقتٍ معين، وهذا ما نسعى إليه منذ زمن طويل، حيث يجب ألا نعتمد على الحظ كاستراتيجية في التصدي لهذه الأجسام، فقد يحدث ما لا تُحمد عُقباه".