باتت جهود ناسا المستمرة منذ عقود للعودة إلى القمر على وشك الانطلاق أخيراً، وذلك بعد أن كان الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، قد قرر إلغاءها عام 2010، ومحاولات تخفيض ميزانية ناسا في هذا الصدد في عهد إدارة ترامب وجلسة الاستماع المثيرة في الكونغرس، وبعد تأخيرها بسبب جائحة فيروس كورونا بالإضافة إلى التأخير بسبب العديد من المشكلات التقنية.
إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، سيتم إطلاق رحلة أرتميس 1 (Artemis 1) في أواخر شهر أغسطس/آب أو أوائل شهر سبتمبر/أيلول، لتستقر في مدار القمر لبعض الوقت ومن ثم تعود إلى الأرض. بالإضافة لكونها أول رحلة في برنامج الرحلات الفضائية الأخير لوكالة ناسا، ستكون بمثابة أول اختبار رئيسي لنظام الإطلاق الفضائي الذي طال انتظاره "إس إل إس"، وهو صاروخ ثقيل شبيه بصاروخ "ساتيورن في" القديم، وكبسولة "أوريون" التي ستحمل رواد الفضاء يوماً ما.
يقول مدير العمليات في مركز كينيدي للفضاء التابع لناسا كليف لانهام: «الفريق متحمس جداً. ولكن لا يزال علينا القيام ببعض الأعمال في الأسابيع القليلة القادمة».
يذكر أن مركز كينيدي للفضاء التابع لوكالة ناسا والواقع على الساحل الشرقي لفلوريدا سيكون موقع إطلاق مهمة أرتميس 1.
اقرأ أيضاً: ما المرحلة التالية في استكشاف الفضاء بعد إطلاق تلسكوب جيمس ويب؟
إليك كيف تتم عملية الإطلاق والتدابير التي يجب اتخاذها مسبقاً.
الموسم الماضي: التعلم من تجارب عمليات الإطلاق
ربما تذكر أن وكالة ناسا قد واجهت قبل بضعة أشهر بعض المشكلات المتعلقة بتسرب الوقود التي أجبرتها على تعليق عمليات الاختبار.
أطلق مهندسو ناسا على هذه الاختبارات اسم "تجربة الثوب المبتل" (WDR: wet-dress rehearsals)، والتي يجري خلالها وضع الصاروخ على منصة الإطلاق ومن ثم البدء باختبار خطوات عملية الإطلاق المعتادة. هدفت هذه الاختبارات أيضاً للكشف عن المشكلات التي يمكن أن تحدث أثناء عملية الإطلاق مثل مشكلة تسرب الوقود، والتي تعد شائعة في الأنظمة شديدة التعقيد مثل الصواريخ الكبيرة.
تُعد نتائج تجارب "الثوب المبتل" مفيدة جداً، إذ يعتمد عليها العاملون في ناسا لتحضير قائمة التحقق الخاصة بعملية إطلاق أرتميس 1. قد لا تكون هذه الاختبارات الخطوة الأكثر إثارةً في التحضير لعملية الإطلاق، ولكنها ضرورية جداً وبدونها قد يتعذر إطلاق الصاروخ.
اقرأ أيضاً: لماذا تم الحجر الصحي على الطائرة التي هبطت في مطار كينيدي؟
أجرت وكالة ناسا الاختبارات النهائية لعملية الإطلاق في يونيو/حزيران بعد قيامها ببعض التحسينات. على الرغم من اكتشاف المهندسين تسرباً آخر للوقود، فإنهم قرروا إنهاء الاختبار لاعتقادهم أنهم قادرون على تدارك المشكلة بعد إعادة الصاروخ إلى مبنى التجميع لإصلاحه.
شهر واحد قبل الإطلاق: تحضير الصاروخ
لا يزال على المهندسين إكمال بعض المهام قبل أن يتمكنوا من إرسال أرتميس 1 إلى الفضاء.
من أهمها شحن بطاريات الصاروخ، والتي سيعتمد عليها نظام "إس إل إس" للتحكم في مكوناته الأخرى. لكن عمر هذه البطاريات محدود، ولا يمكن للمهندسين شحنها قبل وقت طويل من إطلاق الصاروخ، حيث يقول لانهام إن شحن هذه البطاريات هو عملية موازنة دقيقة في التخطيط لموعد إطلاق غير مؤكد.
علاوة على ذلك، على الرغم من أن مهمة أرتميس 1 لن تحمل طاقماً بشرياً، لكن كبسولة أوريون التي ستحملها ستحتوي على 3 دمى بشرية لاختبار الظروف التي سيتعرض لها رواد الفضاء في رحلتهم المخطط لها لاحقاً نحو القمر.
تمت تجربة أول دمية بشرية بالفعل على متن الصاروخ، وقد أُطلق عليها اسم "مونيكين كامبوس". زُودت هذه الدمية بمقاييس التسارع وأجهزة استشعار الاهتزاز لاختبار مدى تأثير الاهتزازات الناجمة عن عملية الإطلاق على البشر، بالإضافة إلى تزويدها بأجهزة كشف لقياس التعرض للإشعاع أثناء الرحلة القمرية. قبل الإطلاق، سيتم تحميل دميتين بشريتين أيضاً مجهزتين بسترات اختبار قد يرتديها رواد الفضاء في المستقبل للتخفيف من التعرض للإشعاع.
ستقوم ناسا أيضاً بتحميل لعبة الكلب القطنية "سنوبي" كمؤشر لانعدام الجاذبية حيث ستطفو في أجواء السفينة في الفضاء، بالإضافة إلى لعبة "شون ذا شيب" التي ستنضم إلى الدمى البشرية حول القمر وستعود إلى الأرض.
اقرأ أيضاً: كيف يتم التحكم في الصواريخ بعد عودتها من الفضاء؟
أسبوع واحد على الإطلاق: اختيار موعد الإطلاق
لا يمكن لوكالة ناسا في الواقع أن تضع صاروخ أرتميس 1، والذي يبلغ وزنه نحو 2650 طناً، على المنصة دون تحضير مسبق. هناك العديد من الجهود التي يجب أن تتضافر معاً من أجل تحقيق إطلاق ناجح، والصاروخ ليس سوى جزءٍ منها. يجب أن تكون الأرض والقمر في مواقع مناسبة كي تصل المهمة إلى وجهتها الصحيحة. كما يُعتبر موقع الشمس مهماً للغاية بالنظر إلى أن مهمة أرتميس 1 تعتمد على الطاقة التي تولدها الألواح الشمسية بشكلٍ جزئي.
حدد مخططو ناسا 3 تواريخ محتملة للإطلاق تحقق الشروط المثالية: 29 أغسطس/آب و2 و 5 سبتمبر/أيلول.
من المحتمل اختيار أحد هذه التواريخ قبل أيام قليلة فقط من الإطلاق. يجب أن تكون البحرية الأمريكية، والتي ستكون مهمتها استعادة بقايا مراحل الصاروخ المتساقطة بعد الإطلاق، جاهزة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون منصة إطلاق الصواريخ، والتي تستخدمها شركة سبيس إكس أيضاً، خالية من أي صواريخ أخرى، ويجب أن يكون الطقس ملائماً تماماً. يقول لانهام: «نحن الآن في موسم الأعاصير في فلوريدا».
اقرأ أيضاً: نعرف طريق الفضاء جيداً: رحلة الأقمار الصناعية في الوطن العربي
إذا لم تتوفر الشروط الملائمة للإطلاق في هذه التواريخ، فستكون الفرصة التالية متاحة في أواخر سبتمبر/أيلول أو أوائل أكتوبر/تشرين الأول، حتى لو لم تتوفر الشروط في تلك التواريخ، فهناك العديد من الفرص الأخرى في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول. يأمل مسؤولو ناسا ألا يحدث التأخير إلى ذلك الوقت. سيتعين على ناسا أيضاً تجنب عملية إطلاق أرتميس 1 أثناء حدوث ظاهرة الكسوف الجزئي في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول لأن من شأنها التأثير على إمدادها بالطاقة الشمسية.
ما بعد الإطلاق: مستقبل رحلات الفضاء إلى القمر
يقول مستشار سياسة الفضاء في منظمة جمعية الكواكب، كيسي درير: «لدى وكالة ناسا عدد من برامج العودة إلى القمر لم تتجاوز مطلقاً مستوى العروض التقديمية».
إذا نجحت مهمة أرتميس 1، ستتجاوز ناسا ذلك النمط. ويشير درير إلى أن هناك سبباً وجيهاً يدفعه للتفاؤل بشأن هذه المحاولة تحديداً. فعلى الرغم من التكاليف الضخمة لبرنامج أرتميس، فإن العودة إلى القمر هي فكرة تحظى بتأييد واسع في واشنطن يتجاوز تحفظات الأحزاب السياسية والإدارات الرئاسية. سيكون الجميع بلا شك سعداء برؤية ثمار دعمهم لجهود العودة إلى القمر في النهاية.
بعد ذلك، وبافتراض نجاح مهمة أرتميس 1، ستكون هذه المهمة الأولى من قائمة طويلة من المهام اللاحقة. يقول لانهام في هذا الصدد: «هذه المهمة لن تكون سوى البداية».
لا يزال الجدول الزمني لمهمة أرتميس 2، وهي أول مهمة مأهولة من المخطط لها أن تحلق حول القمر وتعود إلى الأرض على غرار مهمة أبولو 8، غير واضح، لكن الخطط الحالية تشير إلى احتمال إطلاقها في عام 2024. سنكون حينها على موعدٍ مع أولى خطوات البشر على تربة القمر منذ عام 1972.
يقول درير: «كان الحديث عن الهبوط على سطح القمر ضرباً من الخيال في المرحلة الماضية. ولكن، ولأول مرة منذ عام 1972، لدينا الآن فرصة حقيقية وواقعية كي يخطو البشر على سطح القمر مرة أخرى».