في الحلقة السادسة من سلسلة «ستار تريك: الجيل التالي» (Star Trek: The Next Generation)، يجد الضابط جين لوك بيكارد ورفيقه الآلي «داتا» نفسيهما على حافة الكون المعروف. في الوقت الذي كان فيه بيكارد يفحص الحاجز الذي ظهر أمام المركبة «إنتربرايس»، أعلنت «داتا» أنهم وصلوا إلى مكان لم يصل إليه أحد من قبل.
إلى حافة الانفجار العظيم
على الرغم من أن الباحثين لم يصلوا إلى حافة الكون تماماً، إلا أنهم تقدموا خطوة أخرى إلى الأمام مع اكتشاف مجرة على بعد 13.5 مليار سنة ضوئية، تدعى «إتش دي 1» (HD1). في دراسة نُشرت اليوم في دورية «مجلة الفيزيائية الفلكية» (The Astrophysical Journal) وفي ورقة بحثية مرافقة في دورية «الإشعارات الشهرية للجمعيّة الفلكية الملكية» (MNRAS)، يوضح عالم الفلك في جامعة طوكيو يويتشي هاريكان وزملاؤه طرق الاكتشاف والآثار المحتملة لوجود مجرة «إتش دي 1». إنها الجسم الكوني الأبعد الذي تم اكتشافه حتى الآن.
يقول هاريكان في بيان صحفي: «لقد كان العثور على «إتش دي 1» من بين أكثر من 700 ألف جسمٍ عملاً شاقاً. يطابق اللون الأحمر لهذه المجرة الخصائص المتوقعة لمجرة تبعد 13.5 مليار سنة ضوئية بشكل مذهل، لقد جعلني ذلك أشعر بالقشعريرة عندما اكتشفتها».
اقرأ أيضاً: شاهد قلب مجرة درب التبانة كما لم تره من قبل
أمضى هاريكان وفريقه أكثر من 1200 ساعة في التقاط الصور من خلال تلسكوب فيستا في تشيلي، وتلسكوب سبيتزر الفضائي السابق، بالإضافة لتلسكوب الأشعة تحت الحمراء في المملكة المتحدة وتلسكوب سوبارو في جزيرة هاواي الكبيرة. ثم استخدموا مصفوفة من مستقبلات الأطوال الموجية الراديوية، تقع في تشيلي أيضاً، لحساب الانزياح نحو الأحمر، وهي صيغة رياضية تساعد علماء الفلك على تقدير المسافات بناءً على كيفية تغير الضوء مع توسع الكون. أظهرت البيانات بصمة فوق بنفسجية ساطعة بشكل غير متوقع لمجرة إتش دي 1، حيث تقول الدراسة إنها ترجع لأحد سببين.
بماذا يُفسر السطوع الشديد لمجرة «إتش دي 1»؟
يقول فابيو باكوتشي، عالم الفلك في مركز الفيزياء الفلكية في ماساتشوستس والمؤلف المشارك في الدراسة، في البيان الصحفي: «كانت المجموعة الأولى من النجوم التي تشكلت في الكون ذات كتلة أكبر وأكثر سطوعاً وسخونة من النجوم الحديثة». إذا افترضنا أن النجوم التي أنتجتها مجرة «إتش دي 1» هي هذه النجوم الأولى، أو كانت من جمهرة النجوم الثالثة، فيمكن تفسير خصائصها بسهولة أكبر. في الواقع، نجوم الجمهرة الثالثة قادرة على إنتاج المزيد من الضوء فوق البنفسجي مقارنةً بالنجوم العادية، ما قد يفسر السطوع الشديد للضوء فوق البنفسجي لمجرة «إتش دي 1».
اقرأ أيضاً: 3 مليون مجرة: تلسكوب جديد يرسم أطلس الكون بسرعة قياسية
قد تضم مجرة «إتش دي 1» نجوماً نشأت بعد وقتٍ قصير نسبياً من الانفجار العظيم، وهو ما يفسر كثافة الضوء العالية التي سجلها الباحثون. إذا لم يكن اللمعان ناتجاً عن جمهرة النجوم الثالثة، فقد يأتي من ثقب أسود تبلغ كتلته 100 مليون ضعف كتلة الشمس. من شأن مثل هذا الثقب الأسود العملاق أن يبتلع كتلة كبيرة بعنفٍ يكفي لتوليد ضوء ساطع. ومع ذلك، فإن هذه الفرضيات لا تفسر المعدل الذي تشكّل به هذه المجرة فائقة القوة النجوم. يبدو أن مجرة «إتش دي 1» تنتج نحو 100 نجمٍ كل عام، وهو ما يقرب من 10 أضعاف معدل المجرات المشابهة.
يقول باكوتشي في البيان الصحفي: «إن الإجابة عن أسئلة حول طبيعة مصدر بعيدٍ جداً قد تكون صعبة. الأمر أشبه بتخمين جنسية السفينة من العلم الذي ترفعه في الوقت الذي تكون فيه بعيدةً عن الشاطئ، وتسير وسط جو عاصف وضبابٍ كثيف. يمكن للمرء أن يرى بعض الألوان على العلم ويرى أشكاله، ولكنه لا يراه بوضوح كلياً. إنها في النهاية لعبة طويلة من التحليل واستبعاد السيناريوهات غير المقبولة».
اقرأ أيضاً: نظرية الانفجار العظيم اكتسبت اسمها من الرجل الذي اعتقد بأنها محض هراء
بينما ما تزال الأسئلة تدور حول مجرة «إتش دي 1»، مثل بعدها وحجمها وتركيبها الدقيق، فإن نتائج الفريق تحسن خريطة البشرية للكون المعروف، ومع مزيد من التأكيد، يمكنها تعميق فهمنا لأصول الكون أيضاً.