بينما ينبهر الناس برواد الفضاء وحظهم الرائع للتحليق في ذلك الكون الفسيح متحررين من جاذبية الأرض التي تأوي الجنس البشري ليعيشوا حالة السقوط الحر لفترات زمنية طويلة، لا يعرف معظم الناس أنّ أولئك الرواد يقدمون تنازلات كثيرة تتعلق بصحتهم، ومن ضمنها سلامة العين والرؤية، إذ يتوجه الدم من الساق إلى الرأس، فيتركز هناك، ما يرفع ضغط الدم هناك، وهذه حالة طبية نادرة يعاني فيها المصابون من الغثيان والقيء والصداع ومشكلات في الرؤية، وقد يتطور الأمر إلى فقدان الرؤية تماماً.
دراسة على أعين رواد الفضاء في ناسا
أجرى الدكتور "لاري كرامر" مع مجموعة بحثية من كلية الطب في تكساس بالولايات المتحدة الأميركية بعض الفحوصات على 27 رائد فضاء من "الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء" (NASA) قضوا 108 أيام في الفضاء باستخدام الرنين المغناطيسي، ولاحظوا التالي:
- 4 رواد فضاء يعانون من انتفاخ في العصب البصري.
- 3 لديهم التواءات في غمد العصب البصري.
- 6 يعانون من تسطيح في مقلة العين.
ونُشرت الدراسة في يوم 1 يونيو/ حزيران 2012 في دورية "راديولوجيكال سوسايتي أوف نورث أميركا" (Radiological Society of North America).
اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن النقطة العمياء في العين؟
متلازمة العين العصبية المصاحبة لرحلات الفضاء (SANS)
وهي عبارة عن مجموعة من الأعراض التي تصيب رواد الفضاء أثناء وجودهم في بيئة الفضاء لفترات زمنية طويلة، وتُصيب نحو 70% من الرواد، وفي هذا الصدد، أجرت مجموعة بحثية من جامعة كارولينا الجنوبية دراسة لمقارنة قوة البصر بين رواد الفضاء قبل وبعد الرحلات الفضائية، ووجدوا أنّ حالة متلازمة العين العصبية المصاحبة لرحلات الفضاء تحصل لنحو 40 إلى 60 % لرواد الفضاء، ولاحظوا ذلك عبر الكشف بالرنين المغناطيسي قبل وبعد الرحلة، وقارنوا الاثنين معاً. ونُشرت الدراسة في دورية "جاما نيتورك" (JAMA Network) في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
ويعاني عدد كبير من رواد الفضاء من تغيرات في حدة البصر، وقد لا يستطيعون التمييز بين الأشكال من على مسافات كبيرة، وتتأثر شبكية ومقلة العين. في بعض الأحيان، يتعافى رواد الفضاء خلال أسابيع قليلة، وقد تستغرق رحلة العلاج شهوراً وسنوات، وهناك بعض الحالات التي لا تتعافى نهائياً حتى نهاية العمر. ولأن العين واحدة من أهم أعضاء جسم الإنسان، ينبغي الحفاظ عليها جيداً، فهي نافذة المرء للعالم. كما يطمح الباحثون والعلماء بإقامة مستعمرات في الكواكب الأخرى مثل المريخ، ما يحفزهم على العمل الدؤوب لابتكار الإمكانات التي تساعد الإنسان على البقاء في البيئات القاسية لأطول فترة ممكنة. ومع المشكلات الجسدية التي يواجهها الإنسان في الفضاء الخارجي، خاصة في العين والرؤية، حاولوا إيجاد طرائق بديلة وفعّالة للحفاظ على العين.
اقرأ أيضاً: العين أيضاً تصاب بالجلطة: تعرف إلى أسبابها
كيف يمكن مساعدة رواد الفضاء للحفاظ على صحة أعينهم؟
قد لا تكون الحلول المتاحة عالية الكفاءة، وذلك بسبب طبيعة بيئة الفضاء التي تفرض نفسها، ومن ضمن المحاولات، تطوير العلماء لأكياس نوم بتقنيات تقلل أو تمنع مشكلات الرؤية التي يعاني منها رواد الفضاء، حيث يعمل كيس النوم (مخدة) على نقل السوائل المنضعطة في الجمجمة بسبب انعدام الجاذبية إلى القدمين، فيقل الضغط على مقلة العين بمرور الوقت، ويصبح لدى رائد الفضاء فرصة ممتازة للحفاظ على صحة عينيه وضبط توازن السوائل في جسمه. وهناك حل آخر، وهو استخدام نظارة السباحة لأطول فترة ممكنة أثناء البقاء في بيئة الفضاء الخارجي، ما يحمي العينين وما حولها جيداً، فيقل ضغط السوائل في الدماغ، وتبقى العين في حالة جيدة.
يحاول العلماء والباحثون ابتكار طرائق كثيرة لمساعدة رواد الفضاء لمواجهة البيئة القاسية التي يعيشون فيها وحماية أجسامهم، فليست العين فقط هي التي تتضرر، ولكن أعضاء الجسم المختلفة تتضرر أيضاً، لأنّ الجسم البشري لا يكون في بيئته الطبيعية أثناء تواجده هناك.