أحياناً، توحّد الجاذبية المجرات، وفي بعض الأحيان الأخرى فإنها تخلق الفوضى. لكن توثيق هذه العمليات المتناقضة هو دائماً إنجاز كبير، حتى في عصر التلسكوبات الفضائية المتقدمة والنمذجة الفلكية.
اندماج ثلاث مجرات في حدث عنيف
في 14 فبراير/شباط 2022، نشرت وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية صورة التقطها تلسكوب هابل تبيّن 3 مجرات تندمج لتشكّل مجرة واحدة. يقع هذا التكوين حديث الولادة على بعد 681 مليون سنة ضوئية من الأرض في كوكبة السرطان. قوة الجاذبية للاندماج الثلاثي شديدة للغاية لدرجة أنها تتسبب في تشكّل نجوم جديدة من الغبار، وتسبب انتفاخات في السحابة المجرية (وهو تأثير يُعرف باسم التشويه المدّي).
عمليات الاندماج طريقة شائعة لتطوّر المجرات وتشكيلها للنجوم في الظروف المتطرفة. (من المحتمل أن تكون مجرة درب التبانة كما نعرفها تشكّلت عن حدث اندماج، وذلك بناءً على الحدبة الهائلة في مركزها). يمكن أن تكون أحداث الاندماج إما «رطبة غازياً»، ما يعني أن الأجسام المندمجة تكون باردة وغازية، أو «جافة غازياً»، أي أن الأجسام تكون أقدم وقد استهلكت غازاتها. يتمتع النوع الأول من الاندماجات بمعدل أعلى من تشكيل النجوم، وغالباً ما يولّد مجرات إهليلجية ساطعة.
الاندماج الذي رصده هابل في كوكبة السرطان مستمر منذ أكثر من قرن. يسمى هذا الاندماج «آي سي 2431» (IC 2431)، وتم اكتشافه لأول مرة في عام 1896 من قبل عالم الفلك الفرنسي «ستيفان جافيل»، والذي استخدم تلسكوباً أرضياً أصغر بكثير من تلسكوب هابل. على الرغم من أن جافيل استنتج أن هذا الاندماج يضم 4 أجسام، يعتقد باحثو وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية أن هناك 3 مجرات فيه فقط.
عاصفة نارية من تشكل النجوم
في هذه الأثناء، على بعد 5000 سنة ضوئية في سديم الوردة، أدى الاصطدام بين مجرتين إلى «عاصفة نارية من تشكل النجوم». في 22 فبراير/شباط 2022، نشرت وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية صورة التقطها تلسكوب هابل للمجرة القديمة «إن جي سي 2444» وهي تسحب الغاز من المجرة الحلزونية «إن جي سي 2445» في حدث تصادم امتد لعصور. بينما تتحرك المجرة الأولى بتثاقل، فإن حقل الجاذبية الهائل الخاص بها يقوم بسحب غازات المجرة الثانية، ما يؤدي إلى تشكيل سلسلة من النجوم الزرقاء الفتية. تقع الكتل النجمية حديثة الولادة في قلب المجرة الأصغر، ويُقدر عمرها بمليون إلى مليوني سنة.
ولكن هناك جانباً مظلماً لهذا الاقتران أيضاً. تكشف صورة هابل عن شبكة من الغازات السوداء تتسرب من قلب منطقة ولادة النجوم. لا تزال أصولها ومكوناتها لغزاً إلى حد كبير. كتبت وكالة الفضاء الأوروبية في منشور: «تكشف الأرصاد الراديوية عن مصدر قوي في المركز قد يكون أساس الانفجارات»، وأضافت: «قد يكون المصدر الراديوي ناتجاً عن تشكّل كثيف للنجوم، أو ثقب أسود يلتهم المواد التي تتدفق إلى المركز».
تخطط وكالتا الفضاء لمسح التكوين مرة أخرى بمجرد تشغيل تلسكوب «جيمس ويب» الفضائي بالكامل. يجب أن تكون كاميرا هذا التلسكوب التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء قادرة على اكتشاف المزيد من النجوم التي يحجبها الغبار، والتي يمكن أن تكون غير مرئية لأجهزة هابل القديمة.