وفقاً لمؤلفي دراسة جديدة، قد تكون المرحلة المبكرة العنيفة والمليئة بالنيازك من حياة المريخ قد استمرت لفترة أطول مما كان يُعتقد سابقاً. أشارت الأبحاث السابقة إلى أن معدل حوادث الاصطدام الهائلة التي وقعت على هذا الكوكب قد انخفض قبل 4.48 مليار سنة، ما جعله مكاناً قد يكون صالحاً للحياة منذ 4.2 مليار سنة. لكن إذا اتّضح أن النتائج الجديدة صحيحة، فقد يعني ذلك أن المريخ ظل مكاناً لا يناسب إيواء الحياة لمدة 30 مليون سنة إضافية على الأقل.
كشفت الدراسة وجود حبيبات من معدن «الزركون» في نيزك من المريخ بدا وكأنه «صُدم» نتيجة للضغوط العالية، ما يشير إلى وقوع حوادث اصطدام كبيرة على سطح هذا الكوكب. يقول «آرون جاي. كافوسي»، عالِم الجيولوجيا في مركز علوم وتكنولوجيا الفضاء في جامعة كيرتن في أستراليا، ومؤلف الدراسة الجديدة التي نُشرت في 4 فبراير/شباط 2022 في دورية «تقدّمات علمية» إن هذه النيازك صدمت صخور المريخ بضغوط مرتفعة بشكل لا يصدق، «ما تسبب بعصرها مثل الأكورديون». أضاف كافوسي: «يمكن أن تتسبب هذه العملية في ثني البلورات وانكسارها، وحتى إعادة ترتيب الذرات داخلها، ما يؤدي إلى تلف مجهري يبقى مع مرور الوقت».
دراسة أحداث التصادم
يستخدم كافوسي وزملاؤه المجهر الإلكتروني لتحديد آثار التصادمات في الزركون من الأرض والقمر. يقول كافوسي: «وجد الزركون المصدوم في مواقع أكبر أحداث التصادم على الأرض»، مثل فوهة «تشيكسولوب» في المكسيك، والتي تشكّلت بسبب اصطدام الكويكب الذي تسبب بانقراض الديناصورات.
مع ذلك، طبّق الباحثون هذه المرة هذه التقنية على الزركون الموجود في نيزك مريخيّ يسمى «نورثويست أفريكا 7034»، أو «الجمال الأسود». يقول كافوسي إن النيزك هو «كومة من الأنقاض» تتألف من التربة المريخية، والتي تسمى «الثرى»، وتتكون من فتات المواد من جميع أنحاء الكوكب. درس الفريق 66 حبيبة زركون مجهرية على صخرة بحجم قبضة اليد.
يقول «آلان تريمان»، عالم جيولوجيا الكواكب في معهد القمر والكواكب التابع لاتحاد أبحاث الجامعات في الفضاء، والذي يدرس النيازك المريخية ولكن لم يشارك في الدراسة الجديدة، إن الزركون «هو المعدن الأكثر مقاومة في الوجود، ربما إلى جانب الماس فقط».
يضيف تريمان أنه نتيجة لأن الزركون «يدوم تقريباً للأبد»، فهو يُستخدم من قبل العلماء لدراسة الظروف المبكرة للأرض.
اقرأ أيضاً: ناسا تنجح في الحصول على أول عيّنة صخرية من المريخ
الزركون كأرشيف طبيعي
ركزت معظم الدراسات السابقة على الزركون في النيزك المرّيخي على التأريخ الإشعاعي لتشكيل البلورات. يقول كافوسي إن دراسته هي الثانية التي استُخدم فيها نوع معين من المجاهر الإلكترونية لدراسة آثار التصادمات، بعد دراسة أجريت عام 2019 من قبل مجموعة مختلفة من الباحثين. وفقاً لتلك القياسات الإشعاعية، تبلور الزركون الموجود في نيزك الجمال الأسود منذ نحو 4.45 مليار سنة، وحسب تعبير تريمان، «هذا يعني أن هذه العينة هي من بين أقدم العينات المعروفة لهذا المعدن من المريخ».
فسر كافوسي وزملاؤه الصدمة على أنها دليل أن المريخ كان لا يزال يتعرض للقصف بأعداد كبيرة من الصخور الفضائية آنذاك، ما لا يرجح تطوّر الحياة فيه في تلك الفترة.
يقول تريمان إن الدراسة الجديدة مثيرة للاهتمام، وإنها تمثّل دحضاً نوعاً ما لدراسة عام 2019، والتي استخدم فيها الباحثون أدلة مماثلة للتوصل إلى استنتاجات مختلفة تماماً. فحصت دراسة عام 2019، 121 حبيبة مماثلة من الزركون ووجدت أن حفنة منها فقط أظهرت علامات على الصدمة. نظراً لأن الحبيبات المصدومة كانت نادرة للغاية لهذه الدرجة، اعتبر المؤلفون هذا دليلاً على أن قصف النيازك على مستوى الكوكب قد توقف بالفعل بحلول الوقت الذي تشكلت فيه الصخور قبل 4.45 مليار سنة.
على النقيض من ذلك، وجدت الدراسة الجديدة حبيبة واحدة فقط من بين 66 حبة بها علامات للتصادمات، ما دفع مؤلفي الدراسة إلى الاستنتاج المعاكس: نظراً لوجود دليل على الصدمة، فمن المحتمل أن تكون هناك اصطدامات نشطة كانت تحدث في المريخ آنذاك. وفقاً لتريمان، أجريت الدراستان على نفس عينة الصخور التي كان من الممكن أن تكون قد صدمت بحدث اصطدام محلي، لذلك فهو حذر من تعميم هذه النتائج على تاريخ المريخ بأكمله. يقول تريمان: «يتعلق الأمر فقط بكيفية تفسير الفرق المختلفة لتلك النسب المنخفضة نفسها».
اقرأ أيضاً: بقع ساطعة على المريخ تثير الجدل حول وجود الماء على سطحه
تأثير ذلك على إيواء المريخ للحياة
يقول تريمان إن هذا الجدل له تبعات على قابلية إيواء كوكب المريخ للحياة، لكنه يتعلق أيضاً بنقاش أكبر حول ما يسمى بـ «القصف العنيف المتأخر»، والذي كان وجوده مثيراً للجدل منذ الدراسات القمرية المبكرة. تنص فرضية القصف العنيف المتأخر على أنه بعد تشكّل النظام الشمسي، وعندما بدأ الهدوء يسود، كانت هناك فترة ثانوية من الاصطدامات الكبرى التي تسببت بضرب الأرض والقمر والمريخ والأجسام الأخرى بالنيازك والكويكبات.
الإجابات عن هذه الأسئلة لا تزال غير موجودة، لكن كافوسي يقول إن هذا النيزك يوفر نافذة على تاريخ المريخ و«ثروة من الأسئلة الجديدة التي يجب البحث فيها».