عندما تستهلك شمسنا كامل وقودها في يوم ما، وتنبذ طبقاتها الخارجية، سينتهي المطاف بنواتها المتبردة كنجم قزم أبيض، وهو المصير الذي ينتظر أكثر من 97% من النجوم في مجرتنا. وتجمع هذه النجوم الخافتة ما بين 40% و 90% من كتلة شمسنا ضمن كرة بحجم الأرض تقريباً.
تنتشر هذه النجوم الساطعة، الأشبه بشواهد القبور لحالتها السابقة، على نطاق واسع في الكون، وعلى الرغم من هذا فإن الفيزيائيين الفلكيين ما زالوا يجهلون الكثير عن عملية تشكّلها. والآن، تقول دراسة قدمت مؤخراً إلى مجلة Royal Astronomical Society: Letters أن ما يقارب 10% من النجوم القزمة البيضاء قد تكون ناتجة في الواقع عن ارتطام قزمين أبيضين ببعضهما.
تم تحليل ما يقارب 100 قزم أبيض في نطاق حوالي 65 سنة ضوئية من الشمس في بحث سابق، وتقول النتيجة أن نسبة 25% تقريباً كانت مرتبطة في أنظمة نجمية ثنائية. من ناحية أخرى، فإن 50% من النجوم العادية من النسق الأساسي (أحد تصنيفات النجوم ويشمل النجوم الصغيرة مثل شمسنا) العادية تشكل أنظمة ثنائية. وبما أن النجوم من النسق الأساسي هي الشكل الأسبق للأقزام البيضاء، فمن المفترض أن تكون النسبتان شبه متطابقتين، غير أن الفرق بينهما يقترح احتمال أن القزمين الأبيضين في بعض الأنظمة الثنائية تصادما لتشكل قزم أبيض واحد كبير، كما يقول المؤلف الأساسي موكريمين كيليك، وهو فيزيائي فلكي في جامعة أوكلاهوما.
للتعمق في هذه المسألة، قام كيليك وزملاؤه بدراسة بيانات من مرصد جايا الفضائي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، وذلك لتحليل ما يقارب 14,000 قزم أبيض في نطاق 325 سنة ضوئية تقريباً حول الشمس. وتمكن العلماء من تقدير كتل النجوم بالاستعانة بألوانها ودرجة سطوعها.
وجد الباحثون أن نسبة كبيرة من هذه الأقزام البيضاء كانت أكبر كتلة من المتوقع بالمقارنة مع كتل النجوم العادية في نفس المنطقة، والتي يرجح أنها أصل هذه الأقزام البيضاء. يقول كيليك أن هذا يقترح أن "الكثير منها تشكّلت ولا بد عبر اندماج في أنظمة ثنائية سابقة، ونقدر النسبة المندمجة بحوالي 11%".
يطرح كيليك تفسيراً محتملاً لهذه الظاهرة عندما تتطور الأنظمة الثنائية لنجوم النسق الأساسي إلى زوج من الأقزام البيضاء. فعندما تفقد النجوم طبقاتها الخارجية في نهاية حياتها، قد يؤدي الغاز الساخن المتمدد إلى تشكيل غلاف مشترك حول كلا النجمين، وهو ما قد يقرب من المسافة بينهما، ويساعد على تفسير ارتطام الكثير من هذه النجوم. يقول كيليك: "أجرينا عمليات محاكاة على مجرة قرصية الشكل بعمر 10 مليارات عام، وأظهرت النتائج في بعض الحالات أن نسبة تتراوح ما بين 15% و 30% من الأنظمة الثنائية لنجوم النسق الأساسي قد ينتهي بها المطاف إلى تشكيل أقزام بيضاء بسبب الاندماج في تلك الأنظمة".
هذه التصادمات الكونية، والتي تؤدي إلى اندماج أجسام سماوية، ليست الأولى من نوعها. حيث يمكن لنجوم النسق الأساسي أن تندمج لتشكل نجوماً شديدة الحرارة والسطوع، تعرف باسم النجوم الشاردة الزرقاء، كما التقطت مراصد الأمواج الثقالية مؤخراً اندماجات بين أزواج من الثقوب السوداء وأزواج من النجوم النيوترونية. غير أن اندماجات النجوم القزمة البيضاء تفوق تلك الأنواع من الاندماجات من ناحية العدد بفارق كبير. حيث أن النجوم الشاردة الزرقاء نادرة الظهور، ووفقاً لكيليك، فإن "الأقزام البيضاء تفوق الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية عددياً بعدة مراتب".
تؤكد هذه النتائج الأولية اقتراحات سابقة تقول بأن نسبة كبيرة من الأقزام البيضاء تتشكل نتيجة التصادمات، كما يقول ستيفان فين، فيزيائي فلكي متقاعد من المعهد الفلكي في الأكاديمية العلمية التشيكية، ولم يشارك في هذا البحث. ولكنه يقول أيضاً أنه يجب إجراء المزيد من التدقيق في البيانات الجديدة من جايا حول هذه الأقزام البيضاء، لتأكيد ما إذا كانت قد تشكلت فعلاً نتيجة الاندماجات، ويضيف: "إن عملية الاندماج بحد ذاتها ما زالت تنطوي على بعض الغموض، كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان الجسم الناتج عن الاندماج سيحافظ على جميع المواد الأصلية من الأجسام المندمجة، وهو أمر سيتطلب الكثير من الدراسة".
إذا كان مجموع كتلتي القزمين الأبيضين أكبر من 1.4 ضعفاً من كتلة الشمس، فسوف ينفجران، ما يؤدي إلى ظهور مستعر أعظم من الصنف Ia، ويقول كيليك أنه "أمر نرصده كل يوم حالياً". ويضيف أن هذه النتائج الجديدة يمكن أن تساعد على حل ألغاز حدوث هذه الانفجارات الكارثية، ويتفق فين معه في هذا قائلاً: "ما زالت التفسيرات النظرية عاجزة عن مجاراة هذه الاندماجات بشكل جيد".