أصبحنا نملك الآن وسيلة أفضل لرصد مركز مجرّتنا، درب التبانة، والتي تعتبر ممتلئة بالنجوم المتفجّرة، والخيوط المغناطيسية، بالإضافة إلى ثقب أسود عملاق.
في 26 يناير/كانون الثاني 2022، أصدر مرصد علم الفلك الراديوي في جنوب إفريقيا («ساراو» اختصاراً) صوراً لقلب مجرة درب التبانة تم التقاطها باستخدام تلسكوبه الراديوي «ميركات». يلتقط هذا التلسكوب موجات الراديو باستخدام 64 هوائياً موزعاً على مسافة نحو 8 كيلومترات، وهو التلسكوب الأكثر حساسية من نوعه. كان من الضروري استخدام تلسكوب لاسلكي مثل ميركات لالتقاط هذه الصور، وذلك لأن موجات الراديو فقط هي التي يمكنها اختراق الغبار الموجود بين الأرض ومركز مجرتنا.
تلسكوب ميركات يكشف المزيد من أسرار مجرتنا
تُبيّن البقع الأفقية ذات اللون الأحمر الدموي مجرة درب التبانة في موجات الراديو، كما رصدها تلسكوب ميركات. البقعة الصفراء الساطعة التي تراها في منتصف الصورة أعلاه هي الثقب الأسود الموجود في مركز مجرتنا. يقول «فرناندو كاميلو»، كبير العلماء في ساراو، هذا السطوع يمثل تركيزاً عالياً للانبعاثات الراديوية من المواد التي تتهافت للسقوط في الثقب الأسود. حتى وقت قريب جداً، لم يكن العلماء متأكدين من وجود الثقوب السوداء. الآن يعرف العلماء أن الثقوب السوداء تسحب كل شيء يقترب منها، وقد اكتشف الباحثون مؤخراً أيضاً أن الثقوب السوداء يمكنها المساهمة في تشكيل نجوم جديدة.
الخطوط الحمراء التي تراها في الصور هي «خيوط غير حرارية»، وهي خيوط ممغنطة لا يمكن العثور عليها في أي مكان آخر في المجرة. يقول كاميلو إن الباحثين رصدوا سابقاً ما يصل إلى 100 خيط منها، لكن مع صور تلسكوب ميركات الجديدة، رصدوا الآن أكثر من 1000.
يقول كاميلو: «كنا ندرس كل واحد من هذه الخيوط كظاهرة غريبة»، ويضيف: «الآن ... أصبحنا قادرين على دراستها كمجتمع».
اقرأ أيضاً: الحديد كلمة السر: دراسة حديثة ترصد أصل المادة في مجرة درب التبانة
الصورة أعلاه هي صورة مقرّبة نحو الثقب الأسود. إنه نفس الثقب الأسود الذي يظهر في الصورة العليا، إلا أنها مُلتقطة من زاوية مختلفة. يستخدم بعض علماء الفيزياء الفلكية مصطلح «الفقاعة الفائقة» لوصف الشكل الكروي الملتف في الجزء العلوي الأيسر من الثقب الأسود. وفقاً لكاميلو، قد يكون نتج هذا الشكل بسبب انفجار العديد من النجوم في «تتابع سريع»، أي، بمصطلحات مجرية، في غضون بضعة ملايين من السنين، ما أدى إلى انتفاخ هذه الفقاعة الكبيرة.
يظهر في مركز هذه الصورة بقايا مستعر أعظم أو بقايا نجم متفجر. السهم الضوئي الزاهي في الجزء العلوي الأيمن هو خيط غير حراري يسمى «الأفعى». تُعرف النقطة المضيئة الموجودة على يسار البقايا باسم «سديم الفأر» بسبب تشابهها مع القوارض. الأنف المدبب هو نجم نابض، وهو نواة ممغنطة للغاية ودوارة ومنهارة لنجم هائل، والتي اكتشفها كاميلو لأول مرة في عام 2002. يرجع سبب خفوت ذيل الفأرة إلى سرعته التي تتجاوز سرعة الصوت.
اقرأ أيضاً: ما هو مفهوم حزام الكويكبات؟
يقول كاميلو: «هذا النجم النابض يتحرك بسرعة بضعة مئات من الكيلومترات في الثانية، وهي سرعة تتجاوز سرعة الصوت في الهواء، [لذلك] فهو يولّد أثراً وراءه مثل القارب».
صوّر الباحثون أيضاً بقايا مستعر أعظم لم يسبق له مثيل يبلغ قطره عدة سنوات ضوئية. عادةً ما يتشوه محيط بقايا المستعر الأعظم مع توسع هذه البقايا في الفضاء، لذلك يقول كاميلو إن شكل هذا المستعر نادر بسبب كرويته شبه المثالية. وفقًا لساراو، يمكن أن تكون النقاط البيضاء الساطعة المرقطة عبارة عن ثقوب سوداء فائقة الضخامة في المجرات البعيدة.
هذه الصور هي نتاج 3 سنوات من التحليل العلمي، وبعد نشر ورقتين بحثيتين حولها في دورية «مجلة الفيزياء الفلكية» ودورية «تقارير مجلة الفيزياء الفلكية»، يقوم مرصد ساراو بنشر هذه البيانات حتى يتمكّن العلماء الآخرون من استخدامها.
يقول كاميلو: «ليس من قبيل المصادفة أن هذه الأنواع من البنى [ليست] في أي مكان آخر في المجرة. لذا من الواضح أن لها علاقة ما بهذا الثقب الأسود»، ويضيف: «هذا ما يأمل علماء الفلك معرفته من صور أفضل مثل هذه».
-