أين تقع الأرض بالضبط في مجرة درب التبانة؟ كيف تشكّلت هذه المجرة؟ وكيف تطورت عبر العصور؟
طرح علماء الفلك هذه الأسئلة طيلة القرن الماضي، وبدؤوا مؤخراً في إيجاد أجوبة لها.
مسكننا المريح
مجرة درب التبانة هي واحدة من مليارات المجرات في الكون، والتي يحتوي كل منها على مليارات النجوم. تقع الأرض في منتصف المسافة تقريباً بين مركز المجرة وحدّها.
مجرتنا واسعة للغاية لدرجة أن الضوء، والذي يتحرّك بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية، يستغرق 26 ألف سنة ليقطع المسافة بين الأرض ومركز المجرة.
تعتبر مجرة درب التبانة واحدة من العديد من المجرات الحلزونية الموجودة في الكون، وتبدو من مسافة بعيدة شبيهة بمجرة أخرى اسمها «إن جي سي 7331». موطننا هو يقع على القرص المجري ليس بعيداً للغاية عن أحد أذرع درب التبانة الحلزونية.
لا تبدو بنية مجرتنا واضحة من الأرض، وهو أمر ليس غريباً. إن محاولة رؤية المجرة ككل هي بمثابة محاولة تصوير منزلك من الخارج وأنت في الداخل.
ولكن إذا نظرنا إلى السماء خلال الليل، يمكننا أن نرى قرص المجرة كحزمة من النجوم تمتد من الأفق إلى الأفق. يمكننا أيضاً أن نرى عدداً هائلاً من النجوم في كوكبة «القوس»، حيث يقبع مركز مجرتنا.
لكن مجرتنا لا تتألف من النجوم فقط.
اقرأ أيضاً: الحديد كلمة السر: دراسة حديثة ترصد أصل المادة في مجرة درب التبانة
المادة المظلمة
ربما يكون المكون الأكثر غموضاً في مجرتنا هو المادة المظلمة. في سبعينيات القرن الماضي، قاست عالمة الفلك «فيرا روبن» وزملاؤها حركة النجوم في المجرات المجاورة. استنتج الباحثون أن هذه النجوم تتحرك بسرعة لا يمكن تفسيرها فقط بتأثيرات جاذبية النجوم والغاز التي يمكننا قياسها بشكل مباشر.
افترض العلماء بهدف تفسير هذه الظاهرة الغريبة وجود كميات كبيرة من مادة لم تُرصد بعد اسمها «المادة المظلمة»، وأن هذه المادة لا توجد في مجرتنا فحسب، بل في الكون ككل.
أصل الكون
كيف إذن تشكّلت المجرات؟
تتفاعل المادة المظلمة مع نفسها ومع المادة العادية عن طريق الجاذبية في أغلب الحالات. تعتبر محاكاة سلوك المادة المظلمة أبسط من محاكاة المادة العادية نظراً لوجود عامل وحيد يجب أخذه بعين الاعتبار، وهو الجاذبية. يعني هذا أننا نستطيع محاكاة عملية تشكّل المجرات.
لفعل ذلك، ننشئ شبكة من الجسيمات، ونضعها ضمن حقل جاذبية. تبين محاكاة أجراها «أندريه كرافستوف» و«أناتولي كليبن» أن المادة المظلمة تنهار على نفسها تحت تأثير الجاذبية لتشكّل بنى مختلفة.
تتشكّل المجرات ضمن هذه البنى من المادة المظلمة، والتي تدعى «هالات المادة المظلمة».
اقرأ أيضاً: قارّات ومحيطات: درب التبانة مليئة بالكواكب المشابهة للأرض
كيف تتشكّل النجوم؟
يتأثر الغاز الموجود في الكون بالجاذبية أيضاً، ويبدأ بالانهيار على نفسه. يمكن أن يفقد الغاز الطاقة عن طريق إصدار الضوء، كما يستطيع أن ينهار على نفسه أكثر من المادة المظلمة.
كنتيجة لذلك، يُشكل الغاز المنهار أجساماً لها كثافة كافية تمكّنها من بدء تفاعلات الاندماج النووي، مما يُشكّل النجوم. ربما بدأت هذه العملية بعد بضع مئات ملايين من السنين من الانفجار العظيم، وهي مستمرة حتى هذا اليوم.
تتشكل نجوم جديدة في كوكبة «الجبار» في مجرة درب التبانة، ويمكنك أن ترى الغاز يُضيء بسبب تشكل النجوم في هذه الكوكبة باستخدام المنظار.
ولكن، على الرغم من أن علماء الفلك يتفقون على هذه النظرية لتشكّل المجرات، إلا أنهم يفتقرون للعديد من التفاصيل. هل تنمو المجرات بشكل تدريجي عن طريق تشكيل النجوم الجديدة؟ أم يتم نمو المجرات غالباً عن طريق اندماج المجرات مع بعضها؟
هل كانت تنمو المجرات بسرعة في الكون المبكّر؟ أم أنها نمت بشكل تدريجي عبر مليارات السنين؟ لماذا تستمر عملية تشكّل النجوم في بعض المجرات، بينما تتوقف في مجرات أخرى؟
اقرأ أيضاً: مجرة درب التبانة: تاريخ طويل من ابتلاع النجوم
النظر للماضي
قد تكون آلة الزمن أداة مثالية للإجابة عن هذا السؤال، إذ سنتمكّن باستخدامها من مشاهدة الكون خلال تاريخه الطويل، واكتشاف الطريقة التي تشكّلت ونمت فيها المجرات مثل مجرتنا.
لحسن الحظ، آلات الزمن هذه متوفّرة. تسمح لنا التلسكوبات بالنظر إلى الماضي. نظراً لأن سرعة الضوء منتهية (محدودة)، فنحن نرى الأجسام البعيدة كما كانت عندما أصدرت الضوء الذي نرصده، وليس كما هي الآن، وكلما نظرنا إلى مسافة أبعد، ننظر إلى نقطة أقدم في الزمن.
تمكّن علماء الفلك باستخدام تلسكوبات مثل تلسكوب «هابل» الفضائي وتلسكوب «سبيتزر» الفضائي والتلسكوبات العملاقة على الأرض من مشاهدة جزء كبيرة من تاريخ الكون.
تبين الصور التي التقطها تلسكوب هابل وجود آلاف المجرات التي تبعد مليارات السنين الضوئية عنا ضمن بقعة صغيرة جداً من السماء.
استنتاج تاريخ الكون من هذه الصور هو أمر صعب للغاية بالنسبة لعلماء الفلك. لا يشاهد العلماء المجرات الإفرادية على مر الزمن، بل إنهم يأخذون عيّنات من المجرات التي تفصل بينها مليارات السنين.
ستُحدث أدوات الرصد الجديدة ثورة في حقل الفيزياء الفلكية في العقد القادم، وستلعب أستراليا الدور القيادي في هذا. سيتمكّن جهاز «هيرميز»، وهو أحد الأجهزة الجديدة التابعة للتلسكوب الأنغلو-أسترالي، من مسح نجوم مجرة درب التبانة بدقة غير مسبوقة.
تشترك أستراليا أيضاً في مشروع «تلسكوب ماجلان الكبير»، وهو تلسكوب عملاق سيستخدم 7 مرايا يبلغ قطر كل منها 8 أمتار. سيوفّر هذا التلسكوب صوراً للكون القديم بدقة أكبر من تلك التي يلتقطها تلسكوب هابل.
تلسكوب «باثفايندر» الأسترالي ذو المصفوفة التي مساحتها 1 كيلومتر مربع هو قيد الإنشاء حالياً في غرب أستراليا، وسيتمكن من تحديد المجرات التي تشكّلت فيها النجوم بكثافة في الكون المبكّر.
هناك الكثير من الأمور التي ستبقى غامضة بالنسبة للعلماء، لكن في العقود التالية، سيتمكّن علماء الفلك من الإجابة عن الكثير من الأسئلة العميقة حول تشكّل وتطور مجرتنا.