اكتشف العلماء منذ عام 1995 أكثر من 5 آلاف كوكب خارجي خارج مجموعتنا الشمسية، وعلى الرغم من أن الباحثين في علم الفلك أصبحوا ماهرين للغاية في اكتشاف الكواكب كبيرة الحجم فهم لم يكتشفوا الكثير من الكواكب الصغيرة،
إلا أنهم بدؤوا بتطبيق تقنية رصد جديدة في علم الفلك تحمل اسم العدسة الصِغريّة (microlensing) لاكتشاف المزيد منها. استخدم الخبراء في شبكة تلسكوبات العدسة الصغرية الكورية مؤخراً هذه التقنية لرصد 3 كواكب خارجية جديدة تتراوح أحجامها التقريبية بين حجمي كوكبي زحل والمشتري. نشر الخبراء هذه النتائج في مجلة علم الفلك والفيزياء الفلكية بتاريخ 11 أبريل/ نيسان 2023.
كيف تعمل تقنية العدسة الصغرية؟
رصد العلماء معظم الكواكب الخارجية بتطبيق طريقة تحمل اسم العبور. يطبق العلماء هذه الطريقة عندما يستخدمون المراصد مثل تلسكوب كبلر الفضائي وتلسكوب جيمس ويب الفضائي لقياس الانخفاض في كمية الضوء الآتي من نجم ما.
لكن تتضمن تقنية العدسة الصغرية الجذبية (تحمل عادة اسم العدسة الصغرية اختصاراً) البحث عن الارتفاعات في سطوع الضوء في الفضاء البعيد. تتشكل هذه الومضات الساطعة من الضوء عادة نتيجة انحناء ضوء نجم بعيد بسبب وجود كوكب ونجمه بين هذا النجم وجهاز الرصد، ما يضخّم هذا الضوء وفقاً لقوانين النسبية التي توصل إليها ألبرت آينشتاين (Albert Einstein) ربما سمعت من قبل بظاهرة العدسة الثقالية التي تحدث بسبب وجود المجرات، وهي ظاهرة توصف بالقوانين نفسها ولكنها تحدث على مقاييس أكبر بكثير.
تمثّل النتائج الجديدة اكتشافات فريدة بصورة خاصة لأنها استُمدّت من البيانات الجزئية التي رصد بواسطتها العلماء نصف الحدث فقط.
يقول عالم الفلك في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا، سامسون جونسون (Samson Johnson)، الذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: "تشبه أحداث العدسة الصغرية المستعرات الأعظمية من ناحية أننا نحظى بفرصة واحدة فقط لرصدها".
يفشل العلماء أحياناً في رصد هذه الأحداث بالكامل لأنهم لا يحظون إلا بفرصة واحدة لرصدها ولا يعلمون متى ستحدث، يقول جونسون: "يشبه الأمر تحضير كعكة باستخدام نصف وصفة".
اقرأ أيضاً: تلسكوب جيمس ويب يكتشف مجرة آكلة للمجرات
تحتوي أسماء الكواكب الجديدة على الكثير من الأحرف والأرقام: يحمل الكوكب الأول اسم كيه إم تي-2021-بي إل جي-2010 إل بي (KMT-2021-BLG-2010Lb)، ويحمل الثاني اسم كيه إم تي-2022-بي إل جي-0371 إل بي (MT-2022-BLG-0371Lb)، بينما يحمل الثالث اسم كيه إم تي-2022-بي إل جي-1013 إل بي (KMT-2022-BLG-1013Lb). يدور كل كوكب من هذه الكواكب حول نجم خاص به، يصل وزن الكوكب الأول إلى وزن كوكب المشتري، ويصل وزن الثاني إلى وزن كوكب زحل، بينما يقترب وزن الثالث من وزن كوكب زحل.
على الرغم من أن الباحثين تمكنوا من رصد جزء محدود من أحداث العدسة الصغرية التي تسببت بها هذه الكواكب، فقد تمكنوا من استبعاد الفرضيات الأخرى التي يمكن أن تفسر الإشارات الضوئية المرصودة بثقة. يقول عالم الفلك في جامعة ولاية أوهايو، سكوت غاودي (Scott Gaudi)، الذي لم يشارك في الدراسة الجديدة، إن هذه الأرصاد "تبين أننا نستطيع اكتشاف أشياء مثيرة للاهتمام تتعلق بالكواكب الخارجية حتى بدراسة البيانات غير المكتملة".
البحث عن الكواكب الخارجية يستمر
تقول عالمة الفلك في جامعة هارفارد والمؤلفة المشاركة للدراسة الجديدة، جينيفر يي (Jennifer Yee)، إن العدسة الصغرية هي "تقنية مكمّلة إلى حد كبير" لتقنيات اكتشاف الكواكب الخارجية الأخرى. وفقاً لغاودي، يمكن استخدام هذه التقنية لاكتشاف الكواكب التي لا يمكن اكتشافها بالطرق المستخدمة حالياً، ومنها كواكب يصل حجمها إلى حجم قمر المشتري غانيميد أو إلى بضعة أضعاف حجم كوكب الأرض.
يقول غاودي إن كفاءة هذه التقنية تكمن في أنها "تعمل على المستوى الإحصائي، أي أنها تمكّن العلماء من رصد عدد كبير من الكواكب". تعتبر هذه القدرة على رصد الكواكب المختلفة الأحجام البالغة الأهمية بالنسبة لعلماء الفلك الذين يجرون حالياً تعداداً شاملاً للكواكب الخارجية بهدف تحديد النوع الأكثر شيوعاً من الكواكب واكتشاف مدى تفرّد مجموعتنا الشمسية.
يسعى علماء الفلك لاكتساب المزيد من الخبرة في تطبيق تقنية العدسة الصغرية من خلال رصد الكواكب الخارجية مثل التي رصدها العلماء في شبكة تلسكوبات العدسة الصغرية الكورية، وهم يحاولون الاعتياد على التعامل مع هذا النوع من البيانات قبل إطلاق التلسكوبات الفضائية الجديدة في السنوات القليلة المقبلة. على سبيل المثال، ستؤدي تقنية العدسة الصغرية دوراً كبيراً في مهمات التلسكوب الفضائي الروماني المخطط لإجرائها بعد إطلاقه في منتصف العقد الجاري.
اقرأ أيضاً: ما تبعات السرعة الهائلة التي يرسل بها تلسكوب جيمس ويب البيانات على العلماء؟
يقول غاودي: "سيزداد عدد الكواكب التي سنكتشفها بمقدار عدة آلاف بعد إطلاق هذا التلسكوب، وربما أكثر أيضاً. كان تلسكوب كبلر هو المرصد الرائد في اكتشاف الكواكب الخارجية، ثم احتل هذه المكانة القمر الاصطناعي لمسح الكواكب الخارجية العابرة التابع لوكالة ناسا، وأعتقد أن التلسكوب الفضائي الروماني سيكون التلسكوب الرائد في هذا المجال بعد إطلاقه، كما ستؤدي تقنية العدسة الصغرية دوراً مهماً أيضاً".