تقوم وكالة ناسا حالياً بتحديث قمر استطلاع صناعي سابق للبحث عن كواكب خارج النظام الشمسي. حيث تخطّط وكالة الفضاء لإطلاق المركبة في غضون 5 سنوات، وبمجرد أن تصبح هذه المركبة جاهزة، يمكنها الكشف عن أصول الحياة بواسطة البحث عن الكواكب في المناطق البعيدة عن أنظمتها الشمسية.
تلسكوب نانسي جريس رومان
وبعد أن تم إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي أخيراً، وهو في وضع التشغيل العلمي الكامل، يتطلّع المجتمع الفلكي بترقّب شديد إلى عملية الإطلاق الكبرى القادمة لتلسكوب نانسي جريس رومان الفضائي. ومن بين التوجّهات الأخرى، سيقوم التلسكوب الجديد باكتشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية بشكل غير عادي، حيث سيكشف عن معلومات مهمّة حول نشأة الأنظمة الشمسية والكواكب الشبيهة بنظامنا الشمسي وكوكبنا.
لكن في البداية، بدا أنّ المهمة لن تحدث أبداً. في أوائل القرن الحادي والعشرين، اقترح العلماء في وكالة ناسا ووزارة الطاقة إنشاء قمر صناعي جديد لدراسة أبعد نقاط الكون، على أمل فهم السبب وراء الطاقة المظلمة، وهو الاسم الذي يطلق على التوسع الغامض والمتسارع للكون. لكن هذا الاقتراح قد توقف مع توجّه رأس المال السياسي والمالي إلى تطوير تلسكوب جيمس ويب.
ثم في عام 2011 جاءت هدية غير متوقعة. يبدو أن مكتب الاستطلاع الوطني، وهو مؤسسة داخل الحكومة الأميركية مكلّفة ببناء وتشغيل أقمار الاستطلاع لوكالة الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية والوكالات الحكومية الأخرى، كان لديه ما يقدّمه في ذلك الصّدد. حيث كانت هناك مرآتان في مستودع في شمال ولاية نيويورك، تشبهان المرايا الموجودة على تلسكوب هابل الفضائي، ويبدو أن مكتب الاستطلاع الوطني ليس بحاجة لهما، فقام بتقديم المرايا لوكالة ناسا مجاناً.
اقرأ أيضاً: تلسكوب جيمس ويب الفضائي يُشعل المنافسة بين الباحثين من أجل مراقبة الفضاء
مرآتان منقذتان
ولأخذ فكرة عن مدى روعة هذا الأمر، تخيّل كل الوقت والمال والهندسة التي استُخدمت في تصميم وإطلاق تلسكوب جيمس ويب. وتصوَّر أن مكتب الاستطلاع كانت لديه أداتان إضافيتان من فئة الأدوات المستخدمة في تلسكوب جيمس ويب، ولكنه لم يعد بحاجة إليهما.
على الرغم من أن التكلفة الفعليّة للمرآة لا تمثّل سوى جزء صغير نسبياً من الميزانية الإجمالية لمهمة فضائية كهذه، إلا أن الهدية غير المتوقعة دعمت القمر الصناعي، وحصلت المهمة على أول اسم رسمي لها: تلسكوب الفضاء للمسح الميداني الواسع بالأشعة تحت الحمراء، أو اختصاراً (WFIRST).
ومن المتوقع إطلاقه في عام 2026 أو 2027 (على الرغم من أنه من المحتمل تأجيل ذلك إلى وقتٍ لاحق، حيث تم تأجيل تطويره بالفعل بسبب تأخر وصول تلسكوب جيمس ويب إلى الفضاء)، وقد أُطلق على هذا التلسكوب اسماً جديداً، تكريماً لأول امرأة تشغل منصباً تنفيذياً في وكالة ناسا، نانسي رومان، والتي شغلت أيضاً منصب أول رئيسة لعلم الفلك بالوكالة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
ما الذي يميز تلسكوب رومان؟
إن حجم المرآة في تلسكوب رومان هو نفس حجم مرآة تلسكوب هابل، لكنها تتمتع بمجال رؤية أوسع بكثير. فهي مجهزة بكاميرا كبيرة بما يكفي، يمكنها أن تلتقط صوراً أفضل بـ 100 مرّة من صور تلسكوب هابل. يقول أستاذ علم الفلك في جامعة ولاية أوهايو، سكوت غاودي، أحد قادة مهمة تلسكوب رومان: يأمل الفريق في العثور على نحو 1500 كوكب خارجي خلال مهمته الأولية المخطط لها، والتي تستغرق 5 سنوات، ومع ذلك، من الصعب تحديد العدد الدقيق، لأن معرفة عدد الكواكب التي تدور حول النجوم الأخرى هو بالضبط ما يحاول تلسكوب رومان اكتشافه.
اقرأ أيضاً: في لعبة ناسا الجديدة: كن أنت التلسكوب الذي يبحث عن المادة المظلمة
نحو اكتشاف الكواكب الخارجية
ومن بين الأهداف العلمية الأخرى، ستكون إحدى المهام الأساسية لتلسكوب رومان الفضائي هي اكتشاف مجموعات جديدة من الكواكب الخارجية باستخدام تقنية مبتكرة تُعرف باسم عدسة الجاذبية الدقيقة.
يقول غاودي: يحدث تأثير العدسة الدقيقة عندما يتم تضخيم الضوء القادم من النجوم الخلفية البعيدة بشكل مؤقت عند مرور نظام كوكبي بالقرب من مجال رؤيتنا. تعتمد العدسة الدقيقة على الصدفة المطلقة: ففي أثناء التحديق بأحد النجوم، إذا مرّ جسم آخر عبر مجال الرؤية إلى ذلك النجم، فإن ضوء الخلفية هذا سيزداد لفترة وجيزة في السطوع بسبب انحناء الضوء حول الجسم.
يمكن أن يكون الجسم المتداخل نظاماً كوكبياً كاملاً، أو قد يكون كوكباً خارجياً شارداً أو هائماً، ومنفصلاً عن أي نجم. لا يعرف علماء الفلك سوى بضع عشرات من هذه الكواكب الهائمة، لكنهم يقدّرون أن مجرتنا يمكن أن تعجّ بمئات المليارات منها. يمكن لتلسكوب رومان أن يعثر على كواكب خارجية شاردة صغيرة مثل المريخ، ويمكن أن يوسّع قائمة تلك الكواكب إلى بضع مئات. وهذا من شأنه أن يعطي علماء الفلك معلومات مهمة عن مدى عشوائية نشأة النظام الشمسي، ما سيساعد في ضبط نماذج تطور الكواكب الشبيهة بالأرض.
اقرأ أيضاً: ما هي خطة العلماء الجديدة لتسهيل رصد الكواكب الخارجية؟
استخدام تقنية العدسة الدقيقة
ونظراً لأن تقنية العدسة الدقيقة تواجه مشكلة في تحديد الكواكب التي تدور بالقرب من نجومها الأم، فلن يتمكن تلسكوب الفضاء رومان من اكتشاف الكواكب الشبيهة بالأرض. وبدلاً من ذلك، سيركّز على الكواكب التي تدور بعيداً عن مجموعتها الشمسية، والمشابهة للكواكب الغازيّة والجليدية في نظامنا الشمسي. لا يعرف علماء الفلك ما إذا كان نظامنا الشمسي، الذي يهيمن عليه كوكبا المشتري وزحل، نموذجاً لذلك، أو ما إذا كانت الكواكب الجليدية مثل نبتون وأورانوس أكثر شيوعاً. أو ربما يكون هناك ما هو أصغر: على عكس أي تلسكوب آخر للبحث عن الكواكب الخارجية، سيكون تلسكوب رومان قادراً على اكتشاف كواكب صغيرة تصل كتلتها إلى بضعة أضعاف كتلة القمر.
يُعد إنشاء أول مسح للكواكب التي تدور بعيداً عن نجومها أمراً بالغ الأهمية لفهم أصول الحياة على الكواكب الشبيهة بالأرض. يقول غاودي: "بما أننا نعتقد أن كل المياه الموجودة على الكواكب الشبيهة بالأرض قد تشكّلت من المناطق الخارجية لأنظمة الكواكب، فمن خلال مسح هذه المناطق، يمكننا فهم مدى انتشار الكواكب الصالحة للسكن".
البحث عن الكواكب باستخدام الكوروناغراف
وإذا لم يكن ذلك كافياً، فإن لدى تلسكوب رومان تقنية أخرى تساعده في البحث عن الكواكب. حيث سيحمل التلسكوب جهاز كوروناغراف، وهو جهاز يسمح بحجب الضوء من النجوم القريبة وتصوير أي كواكب خارجية من حولها مباشرةً، وهو إنجاز لا يستطيع حتى تلسكوب جيمس ويب القيام به.
إجمالاً، نلاحظ تفاعل غاودي وحماسه تجاه المفاجآت المُنتظرة من هذا التلسكوب الخارق القادم.