عند النظر إلى أعماق الكون، تبدو جميع الأجسام صغيرة، بما فيها الأجسام الضخمة مثل الكواكب والنجوم والمجرات. وعلى الرغم من أن قدرات التكبير والتضخيم يمكن أن تساعد، إلا أن العثور على عدسة مكبرة لرؤية نجوم تبعد مليارات السنوات الضوئية أمر صعب للغاية.
ولهذا، يجب أن نبحث عن المساعدة البصرية خارج الأرض. تنشأ ظاهرة العدسة الثقالية عندما تتسبب جاذبية جسم ضخم للغاية (مجرة، على سبيل المثال) بحني الضوء المار قربها، ويمكن لهذا التغيير أن يتسبب بتكبير المصادر الضوئية الضعيفة، ويجعلها مرئية أكثر بالنسبة للأرض. وفي الواقع، فقد تمكنا بفضل هذه الظاهرة من تصوير المستعرات العظمى البعيدة والحصول على الكثير من المعلومات حول المادة المظلمة.
نشرت ورقتان بحثيتان حول هذا الموضوع مؤخراً في مجلة Nature Astronomy، حيث استخدم الباحثون العدسة الثقالية للنظر بعيداً في الماضي، وبدقة عالية للغاية.
في الدراسة الأولى، رأى الباحثون ضوءاً متلألئاً سطع بشكل مفاجئ عندما كانوا يحاولون دراسة مستعر أعظم بعيد في نفس المنطقة من السماء، وعند التدقيق، وجدوا أن هذا التوهج المفاجئ كان على الأرجح ناتجاً عن تأثير العدسة الثقالية على نجم ظهر إلى الوجود بعد الانفجار الكبير بفترة 4.4 مليار سنة فقط، وهو وقت يقع في الماضي السحيق. ونظراً للبعد الكبير، فقد كان النجم نفسه خافتاً للغاية.
يقول المؤلف الرئيسي لهذا البحث، الفلكي باتريك كيلي، في تصريح صحفي: "من الممكن أن نرى المجرات المنفردة، ولكن هذا النجم يقع على مسافة تساوي على الأقل 100 ضعف من بعد النجم التالي الذي يمكننا دراسته، باستثناء انفجارات المستعرات العظمى"
يبلغ توهج هذا النجم الأزرق العملاق ضعف توهج الشمس تقريباً، ولم نتمكن من رؤيته إلا بسبب تراصف النجوم. فقد كان ضوؤه مضخماً بمقدار 600 مرة بسبب وجود عنقود مجرات بين هذا النجم والتلسكوب الفضائي هابل. ولكن عندما مر نجم بحجم الشمس تقريباً ضمن هذه المجرة بين النجم الذكور أعلاه وهابل، ارتفعت قيمة التكبير بشكل كبير. ويظهر حالياً أسطع بحوالي 2000 مرة من العادة، وهي ظاهرة معروفة باسم العدسة الميكروية. وقد أطلق الفلكيون اسماً غير رسمي على هذا النجم القديم: إيكاروس.
أما في الدراسة الثانية المنشورة في Nature Astronomy، فقد رصد الباحثون ومضتين ضوئيتين تأثرتا بالعدسة الثقالية الناتجة عن مجرة هائلة مماثلة. وكانت الومضتان ساطعتين ووجيزتين، ولكنهما لم تتوافقا مع مواصفات المستعر الأعظم، فقد كانتا أخفت وأكثر سرعة. ولكنهما كانت أيضاً أكثر سطوعاً من الانفجارات المتكررة للمستعر العادي. وقد اقتراح الفلكي ستيفن رودني وزملاؤه المؤلفون عدة تفسيرات لهذا الحدث غير العادي. فقد تكونان عبارة عن انفجارات متكررة لنجم أكبر حجماً، أو مستعراً كبيراً للغاية، ولكنهما قد تكونان أيضاً حدثين تابعين لنفس النظام النجمي تعرضا للتكبير بالعدسة الميكروية، بشكل شبيه للحدث الذي رصده كيلي.
في كلتا الحالتين، فإن هذا المنظر المكبر للنقطتين البعيدتين في أعماق الكون أثار حماسة الأوساط الفلكية في العالم. وفي تعليق مرافق للمقالة، كتبت الفلكية روزاريو دي ستيفانو:
"... يبين لنا هذا الاكتشاف أن عمليات المسح المرئية التي تأخذ بالاعتبار التغيرات في ظاهرة العدسة الثقالية للمجرات قد تسمح لنا باستكشاف العمليات التي حصلت في بدايات تاريخ الكون. وإضافة إلى المقارنة في التغيرات ما بين الماضي والحاضر للأجسام المعروفة، هناك أيضاً الاحتمال المثير لاكتشاف أنواع جديدة من الأحداث الفلكية، خصوصاً تلك التي تعتبر نادرة حالياً ولكنها كانت أكثر حدوثاً في الفترات المبكرة والأكثر نشاطاً لتجمع واندماج المجرات. مثل التصادمات النجمية والتصادمات الكوكبية مع الأجسام المضغوطة، وانهيارات الأجسام الناتجة عن زيادة النمو، واندماج الأجسام المضغوطة بما في ذلك الثقوب السوداء".
مع اقترابنا من موعد إطلاق التلسكوب الفضائي جيمس ويب، والذي تأجل مرات عديدة، والبدء بعمليات مسح السماء من الأرض باستخدام تلسكوب المسح الشامل الكبير، سنرى السماء بشكل أفضل. ولكننا ما زلنا بحاجة إلى هذه المساعدة الثقالية لرؤية المزيد من الأحداث المثيرة في بدايات الكون، وسيعتمد الباحثون على العدسات الثقالية لمساعدة نظرنا الضعيف على الامتداد إلى أقاصي الكون البعيدة.