أعلنت وكالة ناسا في 31 ديسمبر/كانون الأول 2021 أن الإدارة الأميركية تنوي تمديد مهمّة محطة الفضاء الدولية حتى عام 2030، مؤجّلة الموعد النهائي لتمويل المحطة بضع سنوات.
قال "بِل نيلسون"، مدير وكالة ناسا، في بيان صحفي أصدرته الوكالة في 31 ديسمبر/كانون الأول 2021: "مع ازدياد عدد الدول التي تمتلك برامجاً فضائية، من الضروري الآن أكثر من أي وقت مضى أن تستمر الولايات المتحدة بقيادة العالم خلال تنامي التحالفات الفضائية الدولية، وإنشاء قواعد ومعايير استكشاف الفضاء السلمي والآمن".
كان من المقرر سابقاً إيقاف تمويل محطة الفضاء الدولية في 2024، وذلك وفقاً لقرار من مجلس الشيوخ الأميركي صدر في 2014. لكن وفقاً لـ "روبن غيتينز"، مديرة العمليات الفضائية في المحطة الفضائية الدولية، تعتقد وكالة ناسا أنها ستموّل المحطة رسمياً حتى عام 2030.
لم يكن تمديد التمويل مفاجئاً بالنسبة لـ "ويندي ويتمان كوب"، وهي أستاذة في الدراسات الاستراتيجية والأمنية في كلية القوات الجوية الأميركية للدراسات الجوية والفضائية المتقدّمة. تقول كوب: "أعتقد أن تمديد تمويل المحطة كان مخططاً له منذ البداية"، وتضيف: "وضوحاً، دائماً ما ينطوي تمويل وكالة ناسا على نوع ما من المعارك السياسية، لذلك فمجلس الشيوخ كان مستعداً لتمويل المحطة لعدد معين من السنوات".
تاريخ موجز عن مهمة محطّة الفضاء الدولية
أُطلقت أولى أقسام المحطة إلى مدارها في 1998، وجُمّعت في مدار أرضي منخفض تدريجياً عبر السنين. أجري في هذا المختبر الذي يبلغ طوله 108.5 متراً أكثر من 3000 بحثاً خلال الـ 24 سنة الماضية، وتضمّنت الدراسات كيفية زراعة البازلاء في الفضاء، والطريقة التي يؤثر عليها السفر في الفضاء على صغار الحبار.
تواجد طاقم من الخبراء في المحطة بشكل مستمر منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2000، كتعاون بين 5 وكالات فضائية و15 دولة. تقول ويتمان كوب إن المحطة "هي رمز عظيم للتعاون الدولي حتى عندما كانت الدول تختلف مع بعضها. حتى وكالة الفضاء الروسية "روس كوزموس"، هي مساهم كبير".
وفقاً لغيتينز، تغيرت أهداف محطة الفضاء الدولية بشكل كبير خلال فترة عملها.
تقول غيتينز: "في العقد الأول، كنّا نجمّع المحطة فقط … في العقد الثاني، بدأنا باستخدامها وزيادة استخداماتها"، وتضيف: "الآن مع دخولنا العقد الثالث … يمكننا الاستفادة منها بشكل كبير. لذلك نحن ندعو هذا العقد عقد النتائج".
اقرأ أيضاً: كيف يستمتع رواد الفضاء بوقتهم؟
أهمية تمديد مهمة وكالة الفضاء
يعد تمديد مهمة محطة الفضاء الدولية حتى عام 2030 أمراً بالغ الضرورة لخطط وكالة ناسا للعودة إلى القمر من خلال مهمة "أرتميس" في عام 2025، وإطلاق مهمة مأهولة إلى المريخ في المستقبل. تقول غيتينز: "يوفر التمديد منصة اختبار ومنصة مثالية لتقنيات مثل أنظمة دعم الحياة التي ستكون ضرورية للمهام طويلة الأمد"، وتضيف: "نحن بحاجة إلى وقت طويل لاختبار هذه الأنظمة حتى نتمكن من الاعتماد عليها والتأكد من أنها ستكون موثوقة". تشير غيتينز أيضاً إلى أن التمديد لعام 2030 ضروري لمواصلة البحث عن المخاطر المحتملة للسفر عبر الفضاء على صحة الإنسان وطرق مواجهتها.
السبب المهم الآخر لإبقاء محطة الفضاء الدولية تعمل هو ضمان تواجد مستمر في مدار أرضي منخفض حتى تتمكن المحطات الفضائية التجارية من تولي زمام الأمور. في ديسمبر/كانون الأول 2021، موّلت وكالة ناسا 3 اتفاقيات مع شركة "نانو راكس إل إل سي" وشركة "نورث روب غرومان سستيمز"، وشركة "بلو أوريجن" (والتي يديرها "جيف بيزوس"، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "أمازون"، والذي رفع دعوى قضائية ضد وكالة ناسا في أغسطس/آب 2021) لبناء محطات فضائية خاصة.
اقرأ أيضاً: وكالة ناسا تنفق الكثير على رحلات الفضاء التجارية
المنافسة مع الدول لها دور أيضاً في تمديد مهمة محطة الفضاء الدولية
تسعى ناسا إلى تجنب وجود فجوة في الوجود الأميركي في المدار الأرضي المنخفض، خاصة مع تخطيط الصين لإطلاق محطة الفضاء "تيانغونغ" الخاصة بها بحلول نهاية عام 2022.
قال "جيفري مانبر"، رئيس مجلس إدارة شركة نانو راكس، في جلسة استماع في اللجنة الفرعية العلمية التابعة لمجلس النواب الأميركي والمعنية بالفضاء والملاحة في سبتمبر/أيلول 2021: "لا يمكننا السماح بتصور أننا سنتنازل عن 20 عاماً من جهود البشر في المدار الأرضي المنخفض للآخرين".
تقول غيتينز: "أصبح واضحاً بالنسبة لنا أننا نحتاج للمزيد من الوقت حتى نتمكّن من إنجاز تحوّل سلس دون إحداث فجوة".
وفقاً لغيتينز، تتنبأ وكالة ناسا بأنه بحلول عام 2028، سيكون هناك محطّات فضائية تجارية عاملة، ما يمنح ناسا فترة عامين حتى تنهي مهمّتها في محطة الفضاء الدولية.
اقرأ أيضاً: ما هو مفهوم حزام الكويكبات؟
مختبر جاذبية منخفضة مصمم ليدوم
لكن يبقى السؤال، هل يمكن لمحطة الفضاء الدولية أن تعمل حتى عام 2030؟ بدأت تظهر شقوق على سطح المحطة، وهي عرضة للحطام الفضائي مثل الأقمار الصناعية الروسية التي تنفجر إلى قطع صغيرة. مع ذلك، فإن كلاً من ناسا وشركة "بوينغ"، المقاول الرئيسي لمحطة الفضاء الدولية، واثقان من صلاحية بنيتها التحتية.
كتب "جون مولهولاند"، نائب رئيس شركة "بوينغ"، ومدير برنامج محطة الفضاء الدولية، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "أظهرت محطة الفضاء الدولية حسب تقييمنا أنها في حالة مناسبة وستبقى كذلك حتى عام 2030 وما بعده".
تؤكد غيتينز على ذلك، وتقول إن تحليلاً أجرته الوكالة يبيّن عدم وجود أي مشاكل خطيرة، وأن الوكالة ستستمر في مراقبة أداء المحطة كما جرت العادة.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه محطة الفضاء الدولية قد لا يأتي من الفضاء الخارجي. تقول ويتمان كوب: "أعتقد أن المشكلة الفورية ستتمثل في جعل روسيا تتعاون معنا، لا سيما بالنظر إلى الظروف الجيوسياسية الدولية الأخرى التي نجد أنفسنا في مواجهة فيها مع هذه الدولة".
وفقاً لغيتينز، يتعين على كل شريك في محطة الفضاء الدولية أن يبذل نفس الجهود مع حكومته لتمديد تمويل المحطة. مع ذلك ، تضيف غيتينز أنه "بما يخص وكالة الفضاء الروسية، فالدولة تلتزم بالقيام بالتمديد".
اقرأ أيضاً: السياحة الفضائية: سبيس إكس تزود رواد الفضاء بإطلالة بانورامية
مصير محطة الفضاء الدولية بعد 2030
حتى مع تعاون جميع وكالات الفضاء، يبدو أن محطة الفضاء الدولية ستتوقف عن العمل أخيراً في عام 2030. تقول غيتينز إن السبب الوحيد الذي يسمح للمحطة بأن تعمل خلال العقد القادم هو أن محطات الفضاء التجارية لن تكون جاهزة بعد .
تقول ويتمان كوب: "أعتقد أن هذه هي الفترة الأخيرة للمحطة على الأرجح"، مشيرةً إلى أنه بحلول عام 2030 سيكون قد مضى 40 عاماً على تصميم بعض أجهزة المحطة. تقول ويتمان كوب: "الفضاء بيئة قاسية للغاية من حيث الإشعاع والحطام وصعوبة العمل، لذلك لا أعتقد أن هناك نية باستمرار تشغيل المحطة لما بعد عام 2030".
بمجرد أن تصبح جميع وكالات الفضاء الشريكة جاهزة لإيقاف عمليات محطة الفضاء الدولية، لا تزال هناك مسألة إخراج المحطة التي تزن نحو 419,725 كيلوغراماً، والتي يعادل طولها طول ملعب كرة قدم أميركية تقريباً من مدارها.
تقول ويتمان كوب: "هذه آلة كبيرة الحجم. يجب أن نتأكد من أنها ستنزل فوق المياه غير المأهولة بالسكان حتى لا تؤذي أي شخص أو أي ممتلكات"، وتضيف: "أعتقد أن هذا سيكون التحدي الأصعب".