تمكّن علماء الفلك من اكتشاف وحش فضائي مظلم وجائع. يلتهم الثقب الأسود المكتشف حديثاً، الذي يسمَّى "سويفت جيه 0230" (Swift J0230)، تدريجياً أجزاء ضخمة من نجم يشبه شمسنا إلى حد كبير. في كل مرة يقترب فيها هذا النجم من الثقب الأسود، يفقد كتلة تعادل 3 أضعاف كتلة الأرض. وُصفت النتائج في دراسة نُشرت في 7 سبتمبر/ أيلول في مجلة نيتشر أسترونومي (Nature Astronomy).
ثقب أسود جائع على بعد 500 سنة ضوئية
ظهر وميض أشعة سينية ساطعة تبدو كأنها تنبعث من مركز مجرة قريبة تُسمَّى "2 ماس إكس جيه 02301709+2836050" (2MASX J02301709+2836050)؛ ما دفع فريقاً من علماء الفلك في جامعة ليستر إلى دراستها. تبعد هذه المجرة نحو 500 مليون سنة ضوئية عن مجرة درب التبانة، واكتُشف الثقب الأسود رسمياً عبر أداة جديدة طورها العلماء في مرصد نيل غيريلز سويفت (Neil Gehrels Swift Observatory) التابع لوكالة ناسا.
أجرى الفريق مزيداً من عمليات مراقبة هذا الثقب الأسود، ووجد الباحثون أنه بدلاً من أن يتلاشى كما كانوا يتوقعون، فإنه يستمر بالتوهج مدةً تتراوح بين 7 إلى 10 أيام قبل أن ينطفئ فجأة ويكرر هذه العملية كل 25 يوماً تقريباً.
اقرأ أيضاً: العملاق الجميل: اكتشاف وتصوير أول ثقب أسود في قلب مجرتنا درب التبانة
تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة وعالمة الفيزياء الفلكية بجامعة ليستر، كيم بيج (Kim Page)، في بيان صحفي: "نظراً إلى أننا وجدنا هذا الثقب الأسود في غضون بضعة أشهر من تفعيل أداة البحث عن الظواهر العابرة الجديدة، فإننا نتوقع وجود الكثير من الأجسام المماثلة".
ووفقاً للفريق، لوحظ سلوك مماثل في الانفجارات شبه الدورية والظواهر النووية الدورية. عندما يدور النجم بالقرب من الثقب الأسود، يبدأ الثقب الأسود بتفتيت المواد التي يتكون منها هذا النجم. يمكن أن تختلف الثقوب السوداء من حيث مدى تكرار حدوث الانفجارات ونوع الانبعاثات الشعاعية التي تصاحبها، سواء أكانت في شكل أشعة سينية أم ضوء بصري. يتراوح انتظام انبعاثات الثقب الأسود سويفت جيه 0230 (Swift J0230) بين هذين النوعين من الانفجارات؛ ما يشير إلى أنه يمكن أن يشكل حلقة الوصل المفقودة بين الانفجارات ذات الطبيعة شبه الدورية والانفجارات النووية الدورية.
يقول المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الفلك بجامعة ليستر، فيل إيفانز (Phil Evans)، في بيان صحفي: "هذه المرة الأولى التي نرى فيها ثقباً أسود صغير الكتلة يلتهم نجماً يشبه الشمس ويفتته بصورة متكررة. تُعد أحداث اضطرابات المد والجزر المتكررة والجزئية اكتشافاً جديداً تماماً، ويبدو أنها تنقسم إلى نوعين: الانفجارات التي تحدث كل بضع ساعات، وتلك التي تحدث مرة في كل عام تقريباً، ويشير هذا النظام الجديد من الظواهر الفلكية إلى وجود نمط يتوسط النوعين السابقين. وعند تحليل البيانات والأرقام، نجد أن الأجسام التي توجد في هذا النظام الجديد تندرج ضمن هذا النمط".
انفجارات سويفت جيه 0230
استخدم الفريق النماذج المقترحة لهاتين الفئتين من الأحداث لاستخدامها بوصفها دليلاً ومرجعاً في أثناء إجراء الدراسة. توصل الباحثون إلى أن انفجارات سويفت جيه 0230 (Swift J0230) تمثل وجود نجم بحجم الشمس في مدار بيضاوي الشكل حول ثقب أسود منخفض الكتلة يقع في وسط مجرته.
عندما يقترب مدار هذا النجم من الثقب الأسود، يتأثر بجاذبيته القوية، ونتيجة لذلك؛ يمتص الثقب مادة تعادل 3 أضعاف كتلة الأرض من الغلاف الجوي للنجم؛ إذ ترتفع درجة حرارة هذه المادة في أثناء اندفاعها نحو الثقب الأسود. تصل درجة الحرارة الشديدة إلى نحو 2 مليون درجة مئوية وتطلق موجة من الأشعة السينية التي اكتشفها القمر الصناعي سويفت للمرة الأولى.
اقرأ أيضاً: هل يستطيع أي إنسان الدخول إلى ثقب أسود لدراسته؟
ثقب أسود كتلته صغيرة خلافاً للثقوب السوداء وسط المجرات
يقدر الفريق أن كتلة الثقب الأسود تبلغ نحو 10,000 إلى 100,000 ضعف كتلة شمسنا، وهو حجم صغير جداً مقارنة بالثقوب السوداء الهائلة الكتلة التي توجد عادة في وسط المجرات. في المقابل، يُعتقد أن كتلة الثقب الأسود الموجود في مركز مجرتنا تبلغ نحو 4 ملايين ضعف كتلة الشمس؛ بينما تبلغ كتلة معظم الثقوب السوداء نحو 100 مليون ضعف كتلة الشمس.
يُعد هذا الاكتشاف الأول لجهاز الكشف عن الظواهر العابرة المثبت على القمر الصناعي سويفت (Swift) الذي طوّره فريق جامعة ليستر، ويتعامل الفريق مع البيانات التي يقدمها الجهاز على أجهزتهم الحاسوبية.
يقول إيفانز: "كان هذا النوع من الأجسام غير قابل للاكتشاف حتى إنشاء هذا الجهاز الحديث، وبعد فترة وجيزة من تشغيله عثرنا على هذا الحدث الجديد تماماً الذي لم تسبق رؤيته من قبل. يبلغ عمر القمر الصناعي سويفت 20 عاماً تقريباً، واكتشف فجأة أحداثاً جديدة تماماً لم نكن نعلم بوجودها من قبل، وأعتقد أنه في كل مرة نجد طريقة جديدة لاستكشاف الفضاء، فإننا نتعلم شيئاً جديداً ونكتشف وجود أشياء لم نعرفها من قبل".
حصل الفريق على الدعم من وكالة الفضاء البريطانية (UK Space Agency) ومجلس مرافق العلوم والتكنولوجيا في المملكة المتحدة (STFC).