على بعد 15000 سنة ضوئية من الأرض، تُنتج سحابة غازية في مجرتنا ومضات فائقة السطوع من أشعة جاما بشكلٍ منتظم. كما لاحظ الباحثون أن هذه «النبضات» الغريبة متناسقة مع نبضات ثقب أسود يبعد عن السحابة الغازية 100 سنة ضوئية. لا يزال الباحثون يجهلون سبب هذا التناسق بعيد المدى بينهما.
باستخدام بيانات من مرصد «أريسيبو» في بورتوريكو، وتلسكوب «فيرمي» الفضائي لأشعة جاما الخاص بوكالة ناسا، لاحظ فريق دولي من الباحثين نفس النمط من النبضات في نظام اسمه «إس إس 433» الذي يقع في كوكبة العُقاب، على بعد حوالي 15000 سنة ضوئية من الأرض. أورد العلماء اكتشافهم في ورقة علمية نُشرت في 17 أغسطس/ آب في دورية «نيتشر أسترونومي».
يقول «جيان لي»، متخصص في الفيزياء الفلكية، وزميل في مؤسسة «همبولت» البحثية، ويعمل في مركز «دويتشس إليكترونين-سينكروترون» في ألمانيا، ومؤلف مشارك في الدراسة: «سيساعدنا هذا الاكتشاف في دراسة كيفية تشكُّل الجسيمات وانتقالها عبر الكون».
أصبح النظام «إس إس 433» أول «ميكروكوازار» يرصد سنة 1977، واكتشفت بضع عشرات أخرى من الأجسام المماثلة منذ ذلك الحين. «الميكروكوازارات» هي نسخ مصغّرة من الكوازارات، وهي أجسام شبيهة بالنجوم أكثر سطوعاً وبعداً عنّا في الكون المعروف. ويعتقد أن كلاً من الكوازارات والميكروكوازات تزوَّد بالطاقة من قبل الثقوب السوداء.
يتألف نظام «إس إس 433» من ثقب أسود يتخذ مداراً حول نجم عملاق تبلغ كتلته 30 ضعفاً من كتلة الشمس. يمتص الثقب الأسود المادة من النجم، مما يؤدي إلى تشكل قرص حائم متنامي الحجم يصب في الثقب الأسود. على الرغم من أن بعضاً من المادة يسقط في الثقب الأسود، إلا أن بعضها الآخر يُقذف في الفضاء بواسطة نافورتين نافثتين تخرجان من مركز القرص في اتجاهين متعاكسين. يدور قرص نظام «إس إس 433» مثل قمة دوارة تدور 162 يوماً، مما يسبب تحرك النافورتين بشكل حلزوني بدلاً من تحركهما بخط مستقيم.
عندما أجرى الباحثون تحليلاً زمنياً على سحابة غازية مجهولة تدعى «فيرمي جي 1913+0515» تبعد 100 سنة ضوئية من النظام «إس إس 433»، لاحظوا قدوم إشارات دورية من أشعة جاما لها نفس الدور بالضبط، 162 يوماً. يقول لي: «لم تتنبأ أي نظرية أو ورقة علمية بهذه الدوريّة من قبل. إن اكتشاف اتصال حقيقي في توقيت النبضات على هذه المسافة من المكروكوازار، ومن مصدر ليس على محاذاة النافورتين؛ هو أمر مفاجئ بقدر ما هو رائع».
إذن لماذا ينبض هذان الجرمان غير المرتبطين بهذا التناسق؟ لدى لي وزملائه نظرية تفسر ذلك: البروتونات التي يصدرها الثقب الأسود تتفاعل مع السحابة، مما يؤدي إلى إصدار أشعة جاما. تتشكل هذه البروتونات في قمم النوافير التي تخرج من الثقب الأسود، وتُقذف إلى السحابة. وعندما تصطدم بها، تشع السحابة بأشعة جاما. قد تكون هذه النبضات من أشعة جاما هي التي رصدها الباحثون.
تقول «ماشا تشيرينكوفا»، متخصصة في الفيزياء الفلكية في جامعة دبلن سيتي وغير مشاركة في الدراسة: «هذا الاكتشاف الأخير حول تناغم النبضات من السحابة فيرماي والنظام إس إس 433؛ يعطينا معلومات جديدة عن طريقة انتشار الجسيمات النسبية التي يصدرها هذا النظام». بعبارة أخرى، يعطينا هذا الاكتشاف فكرة أفضل عن كيفية انتقال الجسيمات ذات الطاقة العالية في الكون.
ومع ذلك، كما تشير تشيرينكوفا إن المصدر ضعيف نسبياً. لذلك، فإن الباحثين يحتاجون إلى المزيد من المعلومات لمعرفة سبب تناسق نبضات هذين الجُرمين. يعمل لي وفريقه حالياً على تجميع بيانات إضافية باستخدام التلسكوب الراديوي «آي آر إيه إم»، البالغ قطره 30متراً في إسبانيا.