نورد فيما يلي مقتطفات من كتاب "السعي نحو بلوغ الفضاء" Chasing Space لمؤلفه ليلاند ملفين.
في أول يوم لي من التدريب على السير في الفضاء في مختبر ناسا للطفو المحايد في مركز جونسون الفضائي، تراءى لي المستقبل مشرقاً أمام عيني كإشراق السماء التي كنت أتمنى بلوغها. أردت إتقان الأساسيات، وعلمت، ككل رواد الفضاء، أن مهارة السير في الفضاء كانت الطريق الأسرع نحو مهمة التحليق الأولى تلك التي يتوق الجميع بالاشتراك بها.
كلما تمكنت من التحليق في أسرع وقت، كلما تسنى لي قضاء المزيد من الوقت خارج الأرض مع ابتداء دوريتي المدارية. يعيش ما يقارب 7.5 مليار شخص على كوكب الأرض. لم يحلق في الفضاء منهم سوى 555 شخصاً. حيث كان 362 شخصاً من بين هؤلاء هم رواد فضاء أميركيين. إنه نادٍ حصري للغاية، وبما أنني كنت مستعداً لتجارب ذلك اليوم، كنت عازماً على الانضمام إلى المهمة.
بدأت بالنزول إلى قعر الحوض الكهفي الذي يحوي داخله نماذج مغمورة عن مكوك الفضاء، والمحطة الفضائية الدولية للتدرب على تركيب وتثبيت العتاد الصلب بهدف قضاء يوم واحد من العمل المماثل على متن المحطة الفضائية الحقيقية التي تبلغ كلفتها 150 مليار دولار أميركي وهي تدور في مدارها فوق كوكبنا.
كنت قد أكملت العديد من جولات الغطس في الحوض قبل ذلك، لكن التدرب على تنفيذ نشاطات خارج المركبة الفضائية (إيفا: EVA) داخل البدلة يشبه كثيراً السير في الوسط الفضائي عديم الجاذبية. تنفيذ ذلك ليس بالأمر السهل. فالبدلة لوحدها جعلتني أبدو بمظهر يجمع بين تميمة الحظ "بيلز بيري دوبوي" الخاصة بشركة بيلز بيري للمواد الغذائية، ورمز شركة ميشلان للإطارات "رجل ميشلان" (أو بيبندوم).
على عمق 3 أمتار، لاحظت أن الكتلة الصغيرة من مادة البوليستيرين - التي تسمى جهاز فالسالفا - كانت مفقودة. حيث يتم تثبيت هذا الجهاز عادة على مستوى الأنف داخل الخوذة لتساعد الغطاس على إخلاء مجرى الأذنين لديه ببساطة من خلال ضغط الأنف باتجاهها. قبل أسبوع فقط من بدء التدريب، حرصت على إبلاغ المسؤول التقني بأنني أحتاجها خلال التدريب.
عبر سماعة الرأس الخاصة بالخوذة، أخبرت مدير الاختبار "غريغ سيمز" بأن الجهاز كان مفقوداً. لقد استمتعت بالعمل مع غريغ. كنا قد تقابلنا قبل بضعة أشعر في هانتسفيل، تكساس، عندما كان يتولى إدارة عمليات الغطس التأهيلية التي خضتها للحصول على شهادة في الغطس. كان عليّ أن أوقف الغطس للحصول على جهاز جديد، ولكنني أردت الاستمرار بالتدريب. لذلك أقنعت نفسي – وغريغ – بأنني قادر على الاستمرار بالتدريب من دون أي مشاكل. فأجابني بموافقته المشروطة: "حسناً، احرص فقط على ألا تؤذي نفسك".
لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن أشعر بانسداد أذنيّ، يشبه الأمر الضغط الذي يشعر به الراكب عندما تغير الطائرة سرعتها أثناء التحليق، ولكنه أسوأ من ذلك بكثير. بعد أن يئست مع زوال الانسداد الذي أصاب أذنيّ، دفعت رأسي بحيث أضع أنفي على حلقة الخوذة المحاذية للرقبة، ولكنها كانت أبعد بكثير من أصل إليها. أخبرني أطبائي لاحقاً بأن ما منعني من إدراك حقيقة خطورة الموقف الذي مررت به، هو إما القدرات الرياضية التي أتمتع بها كرياضي محترف، أو درجة تحمل الألم المرتفعة التي أتمتع بها. قد يكون الأمر كذلك، ولكنني في 3 أبريل، من العام 2001، قلت لنفسي ببساطة بأن انسداد أذني سيزول.
كنت أعلم بأن أمراً ما كان يجري على نحو خاطئ على عمق 6 أمتار. حيث قلت لغريغ في تلك اللحظة: "لا يمكنني أن أسمعك، هل يمكنك أن ترفع درجة الصوت؟". شعرت بالتوتر وأنا أحاول سماع إجابة ما، ولكني لم أتلق سوى السكون. حسبت أن خطباً ما أصاب إما سماعة الرأس، أو الكابل الذي يخرج من بدلتي إلى سطح الحوض حيث يمكن لتشكل عقدة واحدة فيه أن يقطع الصوت.
صرخت عبر الميكروفون قائلاً: "ارفع الصوت". متعجباً من تجاهل الرجال لي على الطرف الآخر من الخط. بدأ غريغ وفريقه برفعي وإنزالي ببطء داخل الحوض، ظناً منهم أن ذلك قد يزيل الانسداد الحاصل في أذنيّ بطريقة مماثلة تقريباً لما يمكن لزيادة الارتفاع أن يفعل أثناء التواجد على متن الطائرة. ولكني بقيت غير قادر على سماع غريغ. وبعد بضع ثوان، سمعت صوتاً مزعجاً من سماعة الرأس، تلته أصوات خشخشة ضعيفة وصوت مبهم.
أحدهم كان يحاول أن يقول لي شيئاً ما، ولكنني لم أتمكن من فهم كلماته. في تلك اللحظة، انتهى التدريب. وعندما عمت باتجاه السطح، رأيت داني أوليفاس، الزميل المتدرب، في الجزء السفلي من الحوض مستعداً لعرض مهاراته في "إيفا". أنا أعلم ما الذي كان يجول في خاطره: ما الذي يحدث مع ليلاند؟ وربما كان يتساءل إن كانت مشكلتي ستؤخر حصته التدريبية.
كان الدكتور ريتشارد ماكلوسكي بانتظاري، وهو جراح رحلة ناسا الذي قدم المساعدة أثناء التدريب. وكان الفني الذي ساعدني بارتداء خوذتي هو نفس الشخص المسؤول عن "التحقق من ملاءمة الخوذة" بالنسبة لي، وهو اختبار تم تطبيقه على كافة المعدات التي سأستخدمها في اليوم المخصص لي للتدرب تحت الماء. كان قد سألني إن كنت بحاجة لجهاز فالسالفا، حيث تعلمت نتيجة عدة مرات من الغطس في البحر الأحمر، أن بإمكاني إزالة الانسداد الحاصل في أذني فقط عبر سد فتحتي الأنف. لذلك قل له: أجل.
علمت من النظرة التي بدت على وجه الطبيب أن شيئاً ما قد جرى على نحو خاطئ. في الواقع، رأيت القلق بادياً على وجوه الجميع. جميعهم كانوا يتحدثون كلمات لم تسمع أصواتها، وتساءلوا لماذا التحدث بصوت مرتفع لم يكن كافياً.
عندما لمس الطبيب ماكلوسكي أذني اليمنى، لاحظت الدم على إصبعه، وبدأت أشعر به يسيل على الجانب الأيمن من وجهي. بدأ على الفور يفحص أذنيّ، حيث لاحظ حدوث تراجع في غشاء الطبل لدي. نظراً لاشتباهه بأن المشكلة حدثت نتيجة تغير في الضغط تحت الماء، قام الطبيب بإعطاء ليلاند رذاذاً أنفياً وأجرى له نفخاً للأذن الوسطى، وهو أجراء طبي يتضمن نفخ الأذن الوسطى من خلال ضخ الهواء عبر الأنف. لم تفلح أي من المحاولتين. حيث بقيت غير قادر على السمع.
اصطحبني الدكتور ماكلوسكي بعد ذلك إلى حجرة الارتفاعات العالية منخفضة الضغط، والتي تقوم تحاكي تجربة ارتفاع طائرة أثناء التحليق. عند حاجز 3,048 متراً، لم أشعر بأي شيء مختلف، ولكن عندما حاول الدكتور نفخ أذني الوسطى مرة أخرى، بدأ انسداد أذني بالزوال. حيث تحسن سمعي قليلاً.
وفقاً للسجلات الطبية، كنت قادراً على سماع حديث يجري من على بعد حوالي 1.5 متر. مع ذلك، عندما أعادتني الحجرة إلى مستوى سطح البحر، حدث انسداد في أذنيّ من جديد، لم أكن قادراً على سماع أي شيء تقريباً.
لم يكن بإمكاني سوى الجلوس داخل الأنبوب الفولاذي، محدقاً عبر النافذة إلى وجوه كل من الأطباء والفنيين، متسائلاً إن كانوا يشعرون بأي مسؤولية بشأن إيذاء أحد أفراد عائلة ناسا. بعد انتهاء مهمتي داخل حجرة الارتفاعات، بدت الغرفة وكأنها تدور، وأخذت الجدران والتجهيزات والوجوه تتداعى معاً ضمن دوامة من الصور المتداخلة. تقيأت عندما وصلت إلى الدوش. حمداً لله أنني تمكنت من الوصول إلى هذا الحد.
كانت محطتي التالية هي عيادة طب الطيران، التي لم تكن بعيدة عن مختبر الطفو الحيادي. حيث قام أطباء العيادة بفحص أذنيّ وأخضعوني لاختبار التوازن الذي اجتزته بسهولة. لم يكن الوضع سيئاً بالنسبة لشخص ينزف من أذنه. مع ذلك، لم أكن قادراً على السمع. ثم قام الأطباء بعد ذلك بنقلي إلى مستشفى هيوستن ميثوديست، حيث تم فحصي من قبل الدكتور بوبي آلفورد، وهو طبيب مشهور متخصص في الأذن والأنف والحنجرة.
منحني هذا الطبيب إذن الدخول إلى المستشفى بعد أن أخضعني لمجموعة من اختبارات السمع والتوازن، والتي كشفت إصابتي بشدة بفقدان ثنائي للسمع. حيث تضمن برنامجي العلاجي المضادات الحيوية، ومضادات الفيروسات، وثنائي أوكسيد الكربون لزيادة تدفق الدم إلى الدماغ. لسوء الحظ، لم يتمكن أطبائي من تحديد سبب فقداني للسمع.
مقتطفات من كتاب "السعي نحو بلوغ الفضاء" لمؤلفه ليلاند ملفين. حقوق التأليف والنشر للعام 2017 من قبل ليلاند ملفين. تم نشره بإذن من أميستاد بريس وهاربر كولينز للنشر.
إن كنت تود أن تعرف كيف تصبح رائد فضاء، أعددنا لك هذا الفيديو: