من الممكن أن نسمع عن الثقوب السوداء في أفلام الخيال العلمي، ولكن عندما يبدأ الشخص بالبحث عن طبيعة هذه الثقوب السوداء وعملها وأهميتها ودورها في الكون، سيفاجأ بالتعقيد الذي تحمله هذه الثقوب في طياتها، لذا إليك 10 حقائق شاملة ومبسطة عن الثقوب السوداء وأهميتها في مجال الفيزياء الفلكية.
اقرأ أيضاً: ما هي مفارقة الثقوب السوداء التي لم تحل بعد؟
10 حقائق شاملة ومحدّثة عن الثقوب السوداء
يمكن تلخيص أبرز الحقائق وأهم ما توصل إليه علم الفيزياء الفلكية عن الثقوب السوداء بما يلي:
1. لا يمكن رؤية الثقوب السوداء بشكلٍ مباشر
فالثقوب السوداء دُعيت بهذا الاسم لعدم قدرة الضوء على الإفلات منها بسبب جاذبيتها القوية، لكن يمكننا رؤية الآثار التي تشير إلى وجود الثقب الأسود، وبتحليل المنطقة المحيطة بالثقب الأسود وبقايا الضوء الموجودة حوله، يمكننا رؤية تأثيره على بيئته. فعلى سبيل المثال، يمكننا رؤية نجم قريب من الثقب الأسود يتم سحبه إليه ونلاحظ الضوء الذي يجذبه الثقب الأسود نحوه.
2. تتشكل الثقوب السوداء النجمية من النجوم المحتضرة
يؤدي موت النجوم الكبيرة إلى ظهور الثقوب السوداء، حيث تتشكل الثقوب السوداء النجمية عندما ينهار مركز نجم ضخم على نفسه، ويتسبب هذا الانهيار في تشكُّل المستعر الأعظم أو النجم المنفجر، ما يؤدي إلى انتشار جزء من النجم في الفضاء.
اقرأ أيضاً: العلم المذهل وراء الثقوب السوداء
3. لا تنمو الثقوب السوداء إلى الأبد
تُصور عدة أفلام وكتب خيال علمي الثقوب السوداء بأنها وحوش تنمو إلى أجل غير مسمى لتبتلع المجرات، ولكن في الحقيقة لا تنمو الثقوب السوداء إلى الأبد لأنها تصدر إشعاعات مستمرة ما يؤدي إلى تبخرها، ويُسمّى هذا الإشعاع بـ "إشعاع هوكينغ" نسبةً إلى مكتشفه العالم ستيفن هوكينغ، وكلما زاد حجم الثقب الأسود زادت المدة اللازمة لتبخره.
4. تعد الثقوب السوداء شائعة في أنحاء الكون كافة
توجد مليارات من الثقوب السوداء في كوننا، ووفقاً لتقديرات وكالة ناسا للفضاء، فإن مجرة درب التبانة التي نوجد فيها قد تحتوي على ما بين 10 ملايين إلى مليار ثقب أسود نجمي، علماً أن مجرتنا هي واحدة من أكثر من 300 مليار مجرة متوقع وجودها في الكون حتى الآن.
5. لم يكتشف الفيزيائي ألبرت أينشتاين الثقوب السوداء
لم يكن ألبرت أينشتاين مَن اكتشف وجود الثقوب السوداء على عكس الاعتقاد الشائع، لكن نظرية أينشتاين في النسبية العامة ساعدت العالِم كارل شوارزشيلد على إثبات وجود الثقوب السوداء عام 1915، ويعد نصف قطر شوارزشيلد في الفيزياء الفلكية قياساً لمدى صغر حجم الجسم الذي يجب أن يتم ضغطه لتكوين ثقب أسود.
6. يُتوقع وجود نظير للثقوب السوداء يُدعى بالثقوب البيضاء
يفترض العديد من النظريات الفيزيائية الفلكية أن الثقوب البيضاء موجودة أيضاً ولكن بوظيفة مضادة للثقوب السوداء، حيث يُفترض أن الثقوب البيضاء تسكب المادة في الكون بدلاً من امتصاصها، لكن لم يثبت وجودها حتى الآن.
اقرأ أيضاً: لماذا يدرس العلماء الثقوب السوداء؟
7. تؤثّر الثقوب السوداء في الزمن
وفقاً للنظرية النسبية العامة لأينشتاين، فإن الزمن يتباطأ بالقرب من الثقب الأسود، ويُعرف هذا التأثير باسم "تمدد الزمن الثقالي"، فكلما تحركت الأجسام بشكلٍ أسرع مرَّ الوقت بشكلٍ أبطأ بالنسبة للجسم الذي يتحرك بسرعة، وإذا افترضنا أنك وصلت إلى منطقة أفق الحدث الخاصة بالثقب الأسود، فإن قوة الجاذبية الشديدة ستجعلك تتحرك بسرعة كبيرة، ما سيؤدي إلى إبطاء الزمن بالنسبة لك، وبالنسبة لشخص خارج الثقب الأسود ينظر إليك، سيبدو الأمر له كما لو أن الزمن قد توقف بالنسبة لك. لكن من وجهة نظرك، يمكنك أن تستدير وترى العالم الخارجي يتحرك بوتيرة سريعة قبل أن يبتلعك الثقب الأسود وتتلاشى.
تم الكشف عن بنية الثقوب السوداء
يتكون الثقب الأسود من الطبقات التالية:
- الطبقة الخارجية: يشار إليها باسم أفق الحدث الخارجي، وهو الحد المحيط بمركز الثقب الأسود، وتكون قوة الجاذبية بالقرب من هذه المنطقة ضعيفة نسبياً، ولا يزال بإمكان الأجسام الهروب من الثقب الأسود.
- الطبقة الداخلية: وتقع في منتصف الثقب الأسود، وتُدعى باسم أفق الحدث الداخلي، وهنا تكون قوة الجاذبية قوية لدرجة لا يستطيع حتى الضوء الإفلات منها.
- مركز الثقب الأسود: وهو المكان الذي تتركز فيه الكتلة ويُدعى "المتفرد" (Singularity)، ويمتلك مركز الثقب الأسود جاذبية أكبر من باقي أجزاء الثقب.
9. تم تصوير أول ثقب أسود في تاريخ البشرية عام 2019
التقط تلسكوب أفق الحدث Event Horizon أول صورة لثقب أسود يُسمّى "M87*" عام 2019، وتفوق كتلته 6.5 مليار مرة كتلة الشمس، وفي عام 2022 رصد العلماء الثقب الأسود الموجود في مركز مجرة درب التبانة، ولكي نستطيع التقاط صور للثقوب السوداء، يقوم العلماء بتوصيل التلسكوبات من أنحاء الكرة الأرضية كافة لتعمل بشكلٍ متناسق وتشكّل تلسكوباً فائقاً، ما يساعد على التقاط صور المنطقة المحيطة بالثقب الأسود ومركزه المظلم من عدة زوايا مختلفة لرسم صورة شاملة له.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن تساعد الثقوب السوداء على تشكل النجوم؟
10. توجد أنواع للثقوب السوداء
يقسِّم العلماء الثقوب السوداء إلى الأنواع التالية:
- الثقوب السوداء البدائية: ويُعتقَد أن هذه الثقوب السوداء الصغيرة تشكلت من تكثف المواد الخام في مراحل الكون المبكرة، وأنها ظهرت بعد وقتٍ قصير من الانفجار الكبير، ويُفترض أن معظمها صغيرة بحجم الذرة أو أصغر. وعلى الرغم من أن أصغر الثقوب السوداء البدائية قد تبخر غالباً، لكن الثقوب السوداء البدائية الأكبر حجماً قد تكون موجودة حالياً لكن لم نكتشفها بعد.
- الثقوب السوداء النجمية: وتعد من أكثر الثقوب السوداء شيوعاً، وتتشكل من المستعر الأعظم، وتفوق كتلة معظم الثقوب السوداء النجمية كتلة الشمس بنحو 5 إلى 10 مرات، لكن اكتُشِف العديد من الثقوب السوداء التي تفوق كتلتها كتلة الشمس بـ 100 مرة.
- الثقوب السوداء متوسطة الكتلة: وتضم الثقوب السوداء التي تتراوح كتلتها من نحو مئة إلى مئات الآلاف من كتلة الشمس، وقد تم تأكيد وجودها مؤخراً، وهناك عدة سيناريوهات مقترحة قد تُفسّر تكوينها كوجود بيئات كثيفة بالنجوم أو من خلال اندماج ثقوب سوداء نجمية أو غيرها من الطرق.
- الثقوب السوداء فائقة الكتلة: وتتراوح كتلتها من ملايين إلى مليارات المرات من كتلة الشمس، ومن المحتمل وجودها في مراكز المجرات جميعها تقريباً، ويُعرف الثقب الأسود الهائل الموجود في مركز مجرة درب التبانة باسم ساغيتاريوس أ "Sagittarius A" وتعادل كتلته 4 ملايين مرة كتلة الشمس.
اقرأ أيضاً: تعرّف على ماهية الثقوب السوداء الهائمة
ما أهمية الثقوب السوداء؟
يعتقد البعض بأن الثقوب السوداء هي عبارة عن تهديد فضائي للكون المنظور، لكن تعد الثقوب السوداء مهمة للغاية من عدة نواحٍ، ومن أبرز الجوانب التي تبرز أهمية الثقوب السوداء ما يلي:
-
توفير العناصر الأساسية للكون وانتشارها
تتشكل الثقوب السوداء عند موت النجوم الذي يسبب قذف الملايين من العناصر مثل الهيدروجين والأوكسجين والنيتروجين والكربون، ثم تنتشر تلك العناصر نتيجة الاصطدامات بين الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية، ولولا وجود هذه المواد في الفضاء، ربما لم تكن الأرض ولا البشر موجودين في هذا الكون.
-
ولادة النجوم الجديدة
يساعد الثقب الأسود ذو الكتلة الفائقة على ولادة النجوم الجديدة في المجرات التابعة الصغيرة الموجودة على أطراف المجرات الضخمة التي يوجد الثقب الأسود فائق الكتلة فيها.
-
الاستقرار والثبات في المجرات والكون
تحافظ الثقوب السوداء بفضل جاذبيتها الكبيرة على النجوم والمواد الموجودة في النظام الشمسي في مواقعها الصحيحة.
-
التقدم التكنولوجي وتطوير البحث بالمجال الفيزيائي الفلكي
تعد الثقوب السوداء تحدياً علمياً حقيقياً، وبفضل الثقوب السوداء زادت معرفتنا عن الجاذبية وطبيعتها وتطورت طرق رصد الفضاء التي نستخدمها، وبالوقت ذاته تدفعنا الثقوب السوداء لابتكار نظريات جديدة وتقنيات حديثة لفهم خصائص الكون والجاذبية والزمن والسفر عبر الفضاء.