خطة الشمس السرية لتصبح مصنعاً لليثيوم

4 دقائق

يًستخدم عنصر الليثيوم في كل شيء تقريباً، بدءاً من الدواء وصولاً إلى بطاريات الهواتف، ولكن هل تساءلت يوماً من أين يأتي هذا العنصر؟ نعلم أنه يستخرج من باطن الأرض، ولكن ليس لدينا فهم كافٍ عن مكان وجوده وكيفية تشكّله في الكون.

لقد درسنا مئات الآلاف من النجوم التي تشبه شمسنا، ووجدنا أنها تنتج كمياتٍ هائلة من الليثيوم في وقتٍ متأخر من حياتها. هذا الاكتشاف الذي نُشرت تفاصيله في دورية «نيتشر أسترونومي»، يتعارض مع تنبؤات أفضل النماذج الفلكية والنظريات التي تتناول تشكّل النجوم وتطورها، مما يشير إلى أنّ بعض الظواهر الفيزيائية غير مُضمنةٍ في نظرية نشوء النجوم.

عنصر هش

الليثيوم عنصرُ متميز، فهو المعدن الوحيد الذي نجم عن الانفجار العظيم منذ نحو 13.7 مليار سنة. ورغم أن النجوم أنتجت كمياتٍ كبيرة من العناصر الأخرى منذ ذلك الحين، إلا أنّ الزيادة في كمية الليثيوم كانت قليلة نسبياً.

وحتى مصدر هذا القدر الصغير من الليثيوم لا يزال يثير جدلاً علمياً. حيث يعتقد أن نحو نصف كمية الليثيوم الموجود في الكون؛ ينتج عن تفاعل الأشعّة الكونية عالية الطاقة مع عناصر أثقل -مثل الهيدروجين والأكسجين المتواجد في الفضاء النجمي- عند اصطدامه بها، ويحوّلها إلى ذراتٍ أخف وزناً.

يعتبر الفلكيون الليثيوم عنصراً ضعيفاً، حيث يمكن أن يتفكك بسهولة بفعل الحرارة العالية داخل نواة النجم. يمكن لعلماء الفلك من خلال تحليل ضوء النجوم تحديد كمية العناصر التي يحملها النجم، بما في ذلك عنصر الليثيوم، وقد أثبتت عمليات الرصد تلك أن عنصر الليثيوم يتفكّك ويتلاشى تدريجياً على سطح النجوم مع تقدمها بالعمر.

النجوم الغامضة الغنية بالليثيوم

ومع ذلك، هناك فئة من النجوم تُعتبر استثناءً لهذه القاعدة، وتُدعى «النجوم العملاقة الغنية بالليثيوم»، والتي اكتشفت لأول مرة منذ 40 عاماً. تحتوي هذه الفئة من النجوم كمية تعادل 1000 مرّة ما تحويه النجوم العملاقة الأخرى. ورغم أنها ليست شائعة جداً -فقط 1% من النجوم العملاقة غنية بالليثيوم- إلا أن الكيفية التي تصنع بها الليثيوم لا تزال لغزاً يحير العلماء.

من المشاكل الرئيسية التي واجهها علماء الفلك في تحديد الطريقة التي يمكن أن تنتج بها هذه النجوم كمياتٍ كبيرةٍ من الليثيوم؛ هي عدم معرفتهم إلى أي نمطٍ من النجوم العملاقة الحمراء كانت تنتمي لها تلك النجوم.

في الواقع، تصبح جميع النجوم الشبيهة بالشمس في نهاية المطاف نجوماً حمراء عملاقة بعد أن يحترق كلّ الهيدروجين في داخلها؛ لتصبح أكثر لمعاناً، وتكتسب حُمرة أكثر، حيث يزداد حجمها مئات المرات، وتبتلع الكواكب التي تدور حولها غالباً (شمسنا لن تفعل ذلك إلا بعد 5 مليارات سنة).

عندما تصبح النجوم عملاقة، فإنها تمر بثلاث مراحل مختلفة (والتي تبدو فيها جميعها متشابهة تماماً في اللون والسطوع)، لذا من المهم معرفة المرحلة التي يمر بها النجم الغني بالليثيوم عندما تنتجه.

هناك العديد من النظريات التي تشرح ذلك، ومؤخراً ظهرت نظرية جديدة لشرح تلك الظاهرة في محاولةٍ لتجاوز الجدل العلمي حول الأمر. منذ حوالي 10 سنوات، أدرك فريقنا أن النجوم العملاقة الغنية بالليثيوم كانت على الأرجح في المرحلة الثانية لتحولها إلى نجمٍ عملاق (تُعرف أيضاً باسم مرحلة المتثاقل الأحمر). حيث تحرق هذه النجوم الهيليوم داخل نواتها لنحو 100 مليون سنة.

أثبتت هذه النظرية في وقتٍ لاحق من خلال دراسة ذبذبات هذه النجوم لتحديد المرحلة الدقيقة من دورة حياتها التي تمرّ بها. وقد بتنا نعلم الآن على وجه اليقين أن الغالبية العظمى من النجوم العملاقة الغنية بالليثيوم هي نجوم تمر بمرحلة «المتثاقلة حمراء».

التحقيق في مرحلة «المتثاقل الأحمر»

في دراستنا الجديدة، استخدمنا البيانات المسحية لمليون نجمٍ في مشروع «جالا» الأسترالي، بالإضافة إلى المسوحات التي جمعها التلسكوب الأوروبي «جايا» للتحقق من النجوم العملاقة الغنية بالليثيوم.

أثبت العينة المدروسة التي تتكون من 200 ألف نجم شبيه بالشمس من ناحية الكتلة والتركيب المعدني؛ أن النجوم العملاقة الغنية بالليثيوم هي في مرحلة المتثاقل الأحمر. واكتشفنا أيضاً أن التدمير المتوقع لليثيوم يحدث في مرحلة «فرع العملاق الأحمر»، والتي تأتي قبل مرحلة المتثاقل الأحمر مباشرة.

تصبح النجوم الشبيهة بالشمس مصانع لليثيوم في وقتٍ لاحق من حياتها

لكننا اكتشفنا أمراً غريباً، وهو أن النجوم الأخرى التي تمر بمرحلة المتثاقل الأحمر، رغم أنها ليست غنية بعنصر الليثيوم، تحتوي على كمياتٍ أكبر بكثير من النجوم التي تكون مرحلةٍ متأخرة من «فرع العملاق الأحمر». ونظراً لأن مرحلة المتثاقل الأحمر تأتي مباشرة بعد مرحلة فرع العملاق الأحمر، فقد استنتجنا أن النجوم لا بدّ وأنها تنتج الليثيوم عند انتقالها من مرحلةٍ إلى أخرى.

والأهم من ذلك، يبدو أن جميع النجوم التي تكون في مرحلة المتثاقل الأحمر تحتوي نسبة أعلى من الليثيوم من تلك الموجودة في النجوم التي تمرّ بمرحلة فرع العملاق الأحمر. هذا يعني أن الشمس نفسها ستصنع الليثيوم في المستقبل، لأن دراستنا ركّزت على النجوم الشبيهة بالشمس.

في الواقع، من خلال دراسة النجوم الغنية بالليثيوم فقط -التي تمثل 1% فقط من النجوم العملاقة- لم يكن الفلكيون يدرسون سوى جزء بسيطٍ جداً من الليثيوم الموجود في الكون عملياً. يظهر الآن أن جميع النجوم العملاقة في مرحلة المتثاقل الأحمر تحمل كمية كبيرة من عنصر الليثيوم، بينما النجوم الغنية العملاقة الغنية بالليثيوم لا تحوي سوى جزءٍ بسيط من الليثيوم الكوني.

أوضحنا في دراستنا أن النجوم تزيد محتواها من الليثيوم بمعدّل 40 مرة خلال حياتها في المتوسط، وأنّ كمية الليثيوم المُنتجة في واحدٍ من هذه النجوم ستكون كافيةً لصنع بطاريات لـ 20.000 تريليون سيارة كهربائية.

لم تتنبأ به النظريات

لا تُعرف آلية تشكّل الليثيوم إلى الآن في النجوم، ولم تتوقعها أفضل نماذجنا النجمية مطلقاً. من الواضح أن بعض العمليات الفيزيائية غائبة في النظرية النجمية.

يمكننا القول، وبناءً على نتائجنا، أن عنصر الليثيوم يتشكل في كل النجوم الشبيهة بالشمس. وتحديداً في الفترة الفاصلة بين نهاية مرحلة فرع العملاق الأحمر وبداية مرحلة المتثاقل الأحمر.

بالنسبة لدراستنا القادمة، سنحاول تحديد توقيت مرحلة إنتاج الليثيوم بدقة أكبر. ستساعد هذه المعلومات العلماء -بما فيهم فريقنا- على تحديد العملية الفيزيائية الكامنة وراء إنتاج الليثيوم.

أخيراً، بالنظر إلى أن بعض الليثيوم الذي يتشكّل حديثاً على بعض النجوم سينتهي في الرياح النجمية بعد انفجارها، فإن ذلك سيساعدنا أيضاً على فهم مدى إمداد هذه النجوم مجرتنا وكوكبنا بالليثيوم.

المحتوى محمي