أصبح البحث عن الكواكب الخارجية الشبيهة بالأرض أحد أهم أولويات علم الفلك في العقد الماضي. في الواقع، يشبه البحث بين مليارات المجرات والأنظمة النجمية للعثور على علامات تدل على وجود الحياة البحث عن إبرة في كومة قش، لكن نهجاً جديداً ابتكرته وكالة ناسا يهدف إلى تسهيل اكتشاف الكواكب الخارجية إلى حدّ كبير.
الجيل التالي من التلسكوبات القوية
ستبني الدراسة المقترحة، والتي أُطلق عليها اسم "المرصد الهجين للكواكب الخارجية الشبيهة بالأرض" (HOEE)، مرصداً من جزأين؛ واحد في الأرض والآخر في المدار، ليكون بذلك أقوى المراصد التي تبحث عن الكواكب الخارجية على الإطلاق. من المقرر أن يعتمد هذا المرصد الهجين على الجيل التالي من التلسكوبات القوية قيد الإنشاء حالياً، مثل تلسكوب ماجلان العملاق والتلسكوب فائق الكبر (ELT) اللذان يُبنيان حالياً في صحراء أتاكاما في تشيلي، جنباً إلى جنب مع أداة فضائية تسمى "ستارشيد" (starshade) وهي عبارةٍ عن جسم بمثابة ستارة نجمية سيتم وضعها في الفضاء ويمكنها حجب الأضواء الصادرة عن الأجسام شديدة السطوع.
اقرأ أيضاً: محاكاة حاسوبية تكشف أفضل الشروط لتوافر الماء السائل على سطح الكواكب الخارجية
هناك طريقتان حالياً يمكن للعلماء من خلالهما مشاهدة الكواكب الخارجية بشكلٍ مباشر. يمكن للعلماء التقاط صور بواسطة كاميرات التلسكوبات عالية الأداء، والتي يمكن إرسالها إلى الأرض عبر موجات الراديو لتحديد المكان الذي قد يدور فيه كوكب حول نجم. على سبيل المثال، عثر تلسكوب هابل الفضائي على مئات الكواكب الخارجية باستخدام كاميرته الرقمية. ويستخدم العلماء طريقة أخرى للبحث عن الكواكب الخارجية تُدعى "تحليل الطيف العابر" (transit spectroscopy). عندما يمر الضوء المنبعث من نجم قريب عبر الغلاف الجوي لكوكب يدور حوله، فإنه يكتسب خصائص ذلك الغلاف الجوي.
عندما يصل هذا الضوء إلى تلسكوب في الفضاء وعلى الأرض، يمكن للعلماء استخلاص الكثير من البيانات منه، مثل بيانات الغلاف الجوي والبيانات الهيكلية الخاصة بالبيئة التي مرّ بها الضوء، وقد استخدم تلسكوب جيمس ويب الفضائي هذه الطريقة لرصد الكوكب الخارجي "واسب-96" (Wasp-96). ولكن على الرغم من قدرة تلسكوب جيمس ويب على اكتشاف الكواكب الخارجية، فإن أهدافه البحثية الرئيسية وتصميمه لا يركزان على البحث عن الحياة خارج كوكب الأرض على الكواكب البعيدة جداً. وهنا يمكن أن يؤدي المرصد الهجين دوراً، وهو نظام مكون من جزأين، يعتمد على أدوات أرضية وفضائية، لحل هذه المشكلة.
اقرأ أيضاً: عدد الكواكب الهائمة في الفضاء أكبر مما ظننا
لماذا يصعُب اكتشاف الكواكب الخارجية؟
يقول عالم الفيزياء الفلكية البارز في مختبر علم الفلك الرصدي في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا وقائد دراسة المرصد الهجين، جون ماثر، موضحاً: «الضوء المنبعث من الكواكب البعيدة الشبيهة بالأرض خافت للغاية، لذلك من السهل أن تحجبها النجوم الساطعة مثل شمسنا. سيشكل ذلك عائقاً أمام الفلكيين عندما يبحثون عن أماكن في المجرة تشبه نظامنا الشمسي».
ويضيف ماثر: «يبلغ سطوع الشمس 10 مليارات ضعف سطوع كوكب الأرض، وهو سطوع هائل في الواقع. إن البحث عن أجسام صغيرة، خصوصاً الأجسام الشبيهة بالأرض، في ظل هذا التوهج الشديد أمر صعب جداً. لكن الستارة النجمية ستوفر طريقة لحجب سطوع النجم المضيف».
مبدأ عمل الستارة النجمية
بشكل عام، الستارة النجمية عبارة عن جسم سيتم وضعه في الفضاء في مكان بين التلسكوب على الأرض والنجم الذي يرغب علماء الفلك بدراسته، بهدف حجب الضوء بشكلٍ أساسي قبل أن يصل إلى مرايا التلسكوب. يجب ألا يقل قطر الستارة النجمية الوظيفي عن 90 متراً، وأن تكون على بعدٍ لا يقل عن 160 ألف كيلومتر عن الأرض. ونظراً لأنها ستكون بعيدةً جداً، يجب أن تكون قادرةً على العمل بشكلٍ مستقل دون تدخل بشري. وبذلك ستكون الستارة النجمية مجرد أداة من شأنها أن تسمح لأي تلسكوب على الأرض بالنظر في الكون بشكل عام دون عوائق، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان من الممكن تصميمه ليعمل من تلقاء نفسه.
سيسمح المرصد الهجين، إذا ما تم إنجازه، للعلماء باستكشاف أعماق مجرة درب التبانة والأنظمة الأخرى ذات الأهمية عن قرب أكثر مما تتيحه التكنولوجيا الحالية. وفقاً لماثر، فإن الرصد لدقيقة واحدة بالمرصد الهجين سيكون كافياً لإثبات وجود كوكب خارجي في المنطقة المرصودة، ويمكن أن يوفر الرصد لمدة ساعة أدلة حول ما إذا كان هناك أوكسجين أو ماء في غلافه الجوي.
اقرأ أيضاً: في لعبة ناسا الجديدة: كن أنت التلسكوب الذي يبحث عن المادة المظلمة
تحديات بناء مثل هذه الأداة
يقول ماثر إن التكنولوجيا اللازمة لبناء ستارة نجمية ما تزال بعيدة المنال في الوقت الحالي. أحد أكبر التحديات الكامنة وراء هذه الستارة هو الحجم الذي يجب أن تكون عليه حتى تعمل بالطريقة التي يريدها العلماء. لقد كانت التصميمات السابقة لمختبر الدفع النفاث التابع لناسا كبيرة جداً بحيث لا يمكن وضعها على صاروخ، لكن الباحثين يتطلعون إلى ستائر يمكن طيها وفتحها لاحقاً في الفضاء، على غرار المرآة المطوية لتلسكوب جيمس ويب. يقول ماثر: «لم يفكر أحد بشيءٍ بمثل هذه الضخامة من قبل. من الصعب وضع شيءٍ بهذا الحجم الكبير في الفضاء».
على الرغم من أن وكالة ناسا لم تسعَ إلى تطوير هذا المفهوم، فإنها أطلقت مؤخراً "تحدي التصميم الهيكلي للستارة النجمية" (Ultralight Starshade Structural Design)، وهي مسابقة تسعى إلى جمع الأفكار حول تصميم المرصد من الجمهور. ستحظى المشاركات الخمس الأولى الفائزة بجوائز نقدية، حيث سيحصل التصميم الأول على جائزة قدرها 3 آلاف دولار. في وقت كتابة هذا التقرير، تم تقديم 11 تصميماً، ولكن لا تزال الفرصة متاحة أمام المهتمين حتى 22 أغسطس/ آب لتقديم تصاميمهم. يقول ماثر، والذي سيرأس الفريق الذي سيختار التصميم الفائز، إن أفكار الجمهور يمكن أن تساعد في دفع مفهوم الستارة النجمية لتصبح واقعاً في الفضاء.
اقرأ أيضاً: بحثاً عن الكائنات الفضائية: مشروع دولي يلاحق الكواكب الشبيهة بالأرض
ويضيف أخيراً: «نحاول إيجاد حلٍّ لبعض المشكلات الهندسية المعقدة. من ناحية أخرى، أعتقد أن الأمر يستحق المحاولة».