قد لا تعني الأسماء شيئاً ذا أهمية، فجميع الكويكبات، مهما اختلفت أسماؤها، لها ذات الرائحة الناتجة عن الاحتراق، وجميعها مجرد صخور تدور حول الشمس في رحلة بعيدة.
لكن، على كل حال، يجب أن نجد طريقة ما حتى نتتبع هذه الكويكبات، والمذنبات، والكواكب الصغيرة والملامح الكوكبية المميزة، وعندما نريد أن نفرق بين كل هذه الأجسام التي تسبح في النظام الشمسي، فإن إطلاق أسماء محددة عليها أسهل بكثير من أن نقول: "هل تتذكر ذلك الكويكب الذي اكتشفوه في 1916؟ ماذا حل به؟"
بعد ازدياد قدرات التلسكوبات، التي جعلتنا قادرين على رؤية عدد هائل من الأجسام السماوية التي كانت بعيدة عن أنظارنا، أصبح إطلاق أسماء مميزة على المذنبات والكويكبات أكثر أهمية من ذي قبل. وقد اتخذت مسألة التسمية منحى مفاجئاً أكثر ضرورة من فترة وجيزة عندما أصبح جسم صغير داكن اللون أول زائر معروف للنظام الشمسي من خارجه.
التسمية المستعجلة
تم تصنيف هذا الجسم في البداية على أنه مذنب، لا ككويكب، وأطلق عليه الاسم المؤقت A/2017 U1. عادة ما يتابع الفلكيون دراسة الجسم باستخدام التلسكوبات، ويحاولون تحديد مداره إلى أن يتوصلوا إلى تقدير جيد للمكان الذي جاء منه ووجهته. ومن ثم يقومون بإرسال هذه المعلومات إلى الاتحاد العالمي للفلك IAU، حيث تتم دراسة البيانات، وإذا تمت الموافقة عليها، يُمنح الجسم اسماً ورقماً بوصفه مذنباً أو كويكباً، ومن ثم يتابع الجميع حياتهم كالعادة.
غير أن هذا الجسم لم يكن اعتيادياً، ولم يكن هناك ما يكفي من الوقت للحصول على البيانات المطلوبة عادة قبل عملية التسمية الرسمية.
يقول جاريث ويليامز، المدير المساعد لمركز الكواكب الصغيرة MPC التابع للاتحاد العالمي للفلك: "إنه جسم صغير، بعرض قد لا يتجاوز مائتي متر، وبالتالي فإن الوقت المتاح لمراقبته قصير للغاية. وفي الواقع، لم يكن أمام الراغبين بدراسته لتحديد صفاته الفيزيائية أكثر من فترة يوم واحد تقريباً. وبعد شهر، سيكون من الصعب رؤيته حتى باستخدام تلسكوبات مثل تلسكوب هابل".
ولكن، وعلى الرغم من الحجم الصغير لهذا الزائر، فقد شعر المسؤولون في الاتحاد العالمي للفلك أنه يجب أن يطلقوا عليه اسماً ما، وأنه يجب أن يكون لديهم خطة جاهزة للتنفيذ في الحالات المماثلة اللاحقة. ولهذا، أعلن مركز الكواكب الصغيرة مؤخراً عن تسمية مؤقتة للجسم الفضائي الصغير، وسيتم لاحقاً وضع خطة رسمية لتسمية أي زوار جدد.
وضعت عدة احتمالات للتصنيف، مثل E اختصاراً للكلمة extrasolar، أي من خارج النظام الشمسي (لا يبدو بروعة الخيارات الأخرى)، و G اختصاراً للكلمة Galactic، أي من مكان ما في المجرة (ماذا سنفعل إذا جاءنا جسم ما من خارج المجرة؟)، ولكن في النهاية اعتمد التصنيف I اختصاراً للكلمة interstellar، أي بين النجوم، وسيتم ضمه إلى التصنيفين الموجودين حالياً، A اختصاراً للكلمة asteroid، أي كويكب، و C اختصاراً للكلمة comet، أي مذنب.
غير أن الاسم المعتمد، 1I/2017 U1، يكاد يكون متعباً للسان والفكين، حتى لو كان شبه رسمي، إضافة إلى أن جسماً بهذه الأهمية يتطلب اسماً آخر، وأكثر سهولة وألفة لاستخدامه على المستوى العام.
إن كان الجسم مذنباً، يمكن أن يطلق عليه اسم مكتشفه، وإن كان كويكباً، يمكن للمكتشف أن يطلق عليه الاسم الذي يريد، ضمن حدود المنطق طبعاً (سنعود لاحقاً إلى هذه الفكرة)، وقد اختار الفريق الذي اكتشف الجسم اسماً من هاواي: "أومواموا" Oumuamua.
ويقول الباحثون، في بيان صحفي لمركز الكواكب المصغرة، أن الاسم "يعكس طبيعة الجسم بوصفه كشّافاً أو مراسلاً أتى من الماضي البعيد إلينا" (تعني كلمة ou الذهاب إلى أو الوصول إلى، أما كلمة موا mua فتعني أولاً أو مسبقاً، وتكرر موا للتأكيد).
كلا، لا يمكنك أن تطلق عليه هذا الاسم
لم يكن "أومواموا" الوحيد الذي حصل على اسم جديد، فوكالة ناسا تقوم حالياً بقبول اقتراحات الأسماء للجسم البعيد في حزام كيبر، والذي ستحلق مركبة نيو هواريزنز قربه في يوم رأس السنة في 2019.
تتضمن الاقتراحات حتى الآن أسماء بعض المكسرات، والمخلوقات الأسطورية، والمدن الخيالية، وبعض التضاريس هنا على الأرض. يمكنك بطبيعة الحال أن تقترح اسماً سخيفاً، ولكن يوجد هناك فريق متخصص بالتدقيق في الاقتراحات التي يتجاوز عددها عشرة آلاف وتحديد من يستحق الدراسة الجدية.
وبالتالي، إذا حاولت أن تتحذلق وتقترح اسماً غريباً، مثل "روكي ماك روك فيسز" Rocky McRockfaces أو "كايبر ماك أسترويد فيسز"Kuiper McAsteroidfaces ، فإن مارك شوالتر، من العلماء الباحثين الأساسيين في مشروع البحث عن الحياة الفضائية الذكية ومدير حملة التسمية، سيرد عليك ضاحكاً: "لا تقلقوا، فقد خطرت على بالنا أفكار مماثلة، ومن الأرجح أننا لن نستخدمها".
يحاول شوالتر إثارة اهتمام وحماسة الرأي العام بالمرحلة الجديدة من بعثة نيو هواريزنز، ولكن يبدو أن العلماء المختصين بالكواكب يشاركون العامة حماستهم، ولا يرغبون بأن يشيروا إلى هذا الجسم بالاسم MU69 لمدة أربعة عشر شهراً.
يقول شوالتر: "إذا كنا سنتحدث عن هذا الجسم لمدة سنوات كاملة، فإن MU69 ليس بالاسم الذي يمكن استخدامه بانسيابية، إنه أقرب للوحة تسجيل السيارة. هل تعرفون أحداً يستخدم رقم التسجيل للإشارة إلى سيارته؟ إن البشر بطبيعتهم يميلون إلى إطلاق الأسماء على الأشياء".
تحليل لوحة التعريف
لا يمكن أن ننكر أن الاسم الرسمي يبدو شبيهاً برقم تسجيل السيارة بعض الشيء، ولكن يوجد معنى فعلي لكل من هذه الأحرف والأرقام. لنأخذ مثالاً الجسم الذي تتجه إليه مركبة نيو هورايزنز، واسمه الرسمي (486958) 2014 MU69. قد يبدو هذا الرمز مربكاً بعض الشيء، ولكن عند تحليله بشكل واضح، سيبدو منطقياً تماماً. لنفسر كل خانة على حدة.
486958: هذا الرقم هو الاسم الرسمي ضمن نظام ترميز الكويكبات، والتي يفوق عددها عدد المذنبات بحوالي 300 جسم، وعدد الأجسام من بين النجوم (والتي لا يوجد منها سوى واحد حالياً). وبالتالي، فإن هذا الكويكب هو الكويكب رقم 486958 والذي تم تسجيله رسمياً لدى الاتحاد العالمي للفلك.
2014: يمكن تفسير هذا الرقم بسهولة، وهو العام الذي رصد فيه العلماء هذا الكويكب لأول مرة باستخدام التلسكوب. يقول ويليامز أنه في بعض الأحيان قد تمر سنوات كاملة قبل أن يلاحظ أحدهم أن أحد التلسكوبات رصد شيئاً مثيراً للاهتمام في صورة ما، وفي هذا الحالة، يتم اعتماد الوقت الذي التقط التلسكوب فيه صورة الجسم، لا الوقت الذي لاحظ الفلكي فيه هذا الجسم في الصورة.
M: هذا الجزء من الاسم غامض بالنسبة لغير المتخصصين، حيث يقوم الفلكيون، ولمزيد من الدقة في تحديد الزمن، بتقسيم السنة إلى أنصاف أشهر، ويرمز لكل منها بحرف. وبالتالي فإن النصف الأول من يناير هو A، والنصف الثاني من يناير هو B، وهكذا دواليك، ولكن بدون استخدام الحرفين I و Z. وبما أن الجسم التقطت صورته في أواخر يونيو 2014، استخدم الحرف M.
U: هنا تزداد الأمور غرابة، فالأجسام التي تُكتشف ضمن فترة نصف شهر محدد توضع في قائمة، ويعطى كل منها حرفاً: A للأول، B للثاني، وهكذا دواليك، وبدون استخدام الحرف I أيضاً، وقد حاز هذا الجسم على U، ولكن هناك معامل مهم آخر.
69: يكتب هذا الرقم كترقيم فرعي، فعندما يكتشف الفلكيون 25 كويكباً ضمن فترة نصف شهر، يتابعون التعداد من أول الأحرف الأبجدية مرة أخرى، ولكن مع إضافة الترقيم الفرعي 1 للمرة الأولى، 2 للمرة الثانية، وهكذا دواليك. وقد اضطر الفلكيون في حالة هذا الجسم لتكرار هذا الإجراء 69 مرة ضمن الفترة M من 2014 قبل اكتشاف هذا الجسم بالتحديد، أي أنه كان الكويكب رقم 1745 الذي اكتشف ضمن فترة نصف الشهر تلك. جميل أليس كذلك؟
مواضيع الأسماء
لكن كل هذا لا يكفي، فالكويكبات التي تحصل على أسماء أكثر ألفة للبشر يتم تصنيفها بشكل صارم باستخدام مجموعة محددة من الصفات المميزة، وفقاً للطريقة التي تدور بها حول الشمس. يقول ويليامز: "لا يمكنك أن تطلق عليه اسم قطتك أو زوجتك أو حماتك". تحتفظ وكالة المسح الجيولوجي الأميركية بسجل من الصفات المميزة والتي اعتمدها فهرس التسميات الفلكية التابع للاتحاد العالمي للفلك.
على سبيل المثال، لننظر إلى شروط تسمية الأجسام في فئة المشتري، والتي لا تساعد فقط على تحديد ما إذا كان جسم ما من أقمار المشتري، بل أيضاً تشير إلى اتجاه مداره:
فهرس التسميات الفلكية: تسمى الأقمار في نظام المشتري (المسمى بالنظام الجوفياني نسبة إلى جوبيتير) بأسماء زوجات وعشيقات وسلالة زيوس/جوبيتير. وبشكل عام، تنتهي أسماء الأقمار ذات المدار المباشر (من الغرب إلى الشرق) بالحرف a (على الرغم من إبقاء النهاية بالحرف o لبعض الحالات المميزة)، كما أن أسماء الأقمار ذات المدار المعاكس (من الشرق إلى الغرب) تنتهي بالحرف e.
عندما يتم اقتراح الاسم المناسب على الاتحاد العالمي للفلك والموافقة عليه رسمياً، يجب أن يتعلق بإحدى أساطير الخلق على الأرض، لكن ما زال شوالتر وغيره يدرسون الكثير من الخيارات حتى الآن. يقول شوالتر: "في مكان ما على هذا الكوكب، يملك أحدهم الاسم المناسب لهذا الجسم. وما عليه إلا أن يكتبه".