كيف تساعدنا دراسة الأجرام السماوية الغريبة على اكتشاف كواكب خارجية جديدة؟

6 دقيقة
ما علاقة دراسة الأجرام السماوية الغريبة مثل أومواموا وبوريسوف بدراسة الكواكب الخارجية؟
1 آي/أومواموا هو أول جرم دخيل بينجمي رُصد وهو يمر عبر المجموعة الشمسية، واقترب إلى مسافة نحو 84 مليون كيلومتر من الشمس في 2017. تحديد شكل هذا الجرم بدقة صعب، ولكن من المرجح أن له شكلاً غريباً ومستطيلاً، كما يظهر في هذا الرسم التوضيحي. وكالة ناسا، وكالة الفضاء الأوروبية، جوزيف أولمستيد (معهد مراصد علوم الفضاء)، فرانك سمرز (معهد مراصد علوم الفضاء).
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عبر جسم غير عادي مجال رؤية تلسكوب كبير يقع بالقرب من قمة جبل بركاني بركان في جزيرة ماوي في هاواي في 17 و18 أكتوبر/تشرين الأول 2017. صُمِم هذا التلسكوب الذي يحمل اسم بان-إس تي أيه آر آر إس1 (Pan-STARRS1) لمسح السماء بحثاً عن الأحداث العابرة، مثل تحليق الكويكبات والمذنبات عبر المجموعة الشمسية. لكن الرصد السابق الذكر كان مختلفاً؛ إذ إن الجسم المرصود لم يكن مرتبطاً بجاذبية الشمس أو أي جرم سماوي آخر، ونشأ من منطقة خارج مجموعتنا الشمسية.

هذا الجسم الغامض هو أول جسم من الفضاء البينجمي يُرصد وهو يمر عبر المجموعة الشمسية. وأطلق عليه علماء الفلك اسم 1 آي/أومواموا (1I/’Oumuamua)، مستخدمين كلمة من لغة جزر هاواي تُترجم على نحو تقريبي إلى “رسول من بعيد يصل أولاً”. بعد ذلك بعامين، وفي أغسطس/آب 2019، اكتشف عالم الفلك الهاوي، غينادي بوريسوف، الدخيل البينجمي الآخر الوحيد المعروف، الذي يحمل الآن اسم 2 آي بوريسوف (2I/Borisov)، باستخدام تلسكوب صنعه بنفسه في مرصد مارغو (MARGO) في ناوتشنيج في شبه جزيرة القرم.

في حين أن الكويكبات والمذنبات النموذجية في المجموعة الشمسية تدور حول الشمس، فإن جرمي أومواموا وبوريسوف هما من الأجرام السماوية الرحّالة؛ إذ إنهما يتجولان في الفضاء البينجمي في معظم الوقت. تنبأ العلماء بوجود مثل هذه الأجرام السماوية في المجموعة الشمسية، ولكنهم توقعوا أنها نادرة. تقول عالمة الفيزياء الفلكية في مركز يوليش للحوسبة الفائقة في ألمانيا، سوزان بفالسنر: “لم أتوقع أن نرصد جرماً من هذه الأجرام”، وهي توقعت ألا تُرصد هذه الأجرام في حياتها على الأقل.

اقرأ أيضاً: كيف تبدو الأرض من الأجرام السماوية البعيدة في الفضاء؟

بعد إجراء الرصدين الأخيرين، يتوقع العلماء الآن أن الأجرام البينجمية الدخيلة أكثر شيوعاً بكثير مما توقعوا سابقاً. وفقاً لتقديرات عالم الكواكب في جامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجلوس، ديفيد جويت، وهو مؤلف مشارك لدراسة مراجعة عامة بعنوان الفهم الحالي للأجرام البينجمية الدخيلة نُشِرت في مجلة المراجعة السنوية لعلم الفلك والفيزياء الفلكية (Annual Review of Astronomy and Astrophysics) في 2023، يمكن أن يوجد نحو 10 آلاف جسم بينجمي بحجم جرم أومواموا داخل مدار كوكب نبتون وحده حالياً

يحاول الباحثون حالياً التوصل إلى إجابات عن الأسئلة الأساسية حول هذه الأجسام الغريبة، مثل تلك المتعلقة بأصلها وسبب تجولها في المجرة على هذا النحو. قد توفّر الأجرام الدخيلة أيضاً طريقة جديدة لدراسة سمات الأنظمة الكوكبية البعيدة، لكن أولاً، يجب على علماء الفلك رصد المزيد منها.

يقول جويت: “لم نرصد ما يكفي من هذه الأجرام، ولكننا نتوقع أن نرصد المزيد”.

يظهر 2 آي/بوريسوف على أنه نقطة زرقاء مبهمة أمام مجرة حلزونية بعيدة (على اليسار) في هذه الصورة التي التقطها تلسكوب هابل الفضائي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عندما كان الجرم على بعد نحو 322 مليون كيلومتر عن الأرض. حقوق الصورة: وكالة ناسا، وكالة الفضاء الأوروبية وديفيد جويت (جامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجلوس)
يظهر 2 آي/بوريسوف على أنه نقطة زرقاء مبهمة أمام مجرة حلزونية بعيدة (على اليسار) في هذه الصورة التي التقطها تلسكوب هابل الفضائي في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 عندما كان الجرم على بعد نحو 322 مليون كيلومتر عن الأرض. حقوق الصورة: وكالة ناسا، وكالة الفضاء الأوروبية وديفيد جويت (جامعة كاليفورنيا في مدينة لوس أنجلوس)

أصول غريبة

أخذ علماء الفلك في الاعتبار إمكانية وجود الأجرام البينجمية منذ بداية القرن الثامن عشر على الأقل. وبيّنت نماذج الكمبيوتر مؤخراً أن الأجسام الأصغر التي تشكلت في المجموعة الشمسية قُذفت إلى الفضاء البينجمي منذ زمن طويل بسبب التفاعلات الثقالية مع الكواكب العملاقة.

توقّع العلماء أن أغلبية الأجسام الدخيلة هي مذنّبات خارجية تتألف من المواد الجليدية. يتطابق جرم بوريسوف مع هذا الوصف؛ إذ إنه تمتّع بذيلٍ يتألف من الغازات وجسيمات الغبار التي تشكلت من الجليد الذي تبخّر في أثناء اقترابه من الشمس. يشير ذلك إلى أن جرم بوريسوف نشأ في منطقة خارجية من نظام كوكبي كانت درجات الحرارة فيها منخفضة بما يكفي لتجميد الغازات مثل أول أوكسيد الكربون في الصخور. تسبب شيء ما بقذف مذنّب بوريسوف الذي يبلغ قطره نحو كيلومتر واحد خارج النظام الذي نشأ فيه في مرحلة ما من حياته.

أحد الاحتمالات المطروحة هو مرور نجم بالقرب من النظام الكوكبي. وفقاً لدراسة حديثة قادتها بفالسنر، يمكن أن تقذف جاذبية نجم عابر الأجسام الأصغر، التي تحمل اسم الكواكب المصغّرة، من الأطراف الخارجية للنظام الكوكبي. يمكن أن تقذف الكواكب العملاقة أيضاً الأجسام من المناطق الخارجية في النظام الكوكبي إذا اقترب كويكب أو مذنب بدرجة كافية ليجعل جاذبية الكوكب تسرّع الجسم الأصغر بما يكفي ليتحرر من جاذبية نجمه. يمكن أن تقع أحداث الاقتراب أيضاً عندما تهاجر الكواكب عبر أنظمتها الكوكبية، كما حدث مع كوكب نبتون خلال المراحل المبكرة من عمر المجموعة الشمسية وفقاً لما يعتقده العلماء.

اكتُشف الدخيل البينجمي 2 آي/بوريسوف (النقطة السوداء الكبيرة) قبل 3 أشهر من مروره بالقرب من الشمس، ما أتاح لعلماء الفلك التقاط صور له مدة عام تقريباً. وصل بُعد بوريسوف عن الأرض (النقطة الزرقاء الكبيرة) في مساره إلى نحو 290 مليون كيلومتر. تُظهر الصورة المواقع النسبية لمذنّب بوريسوف والأرض في 3 لحظات زمنية مختلفة. حقوق الصورة: مجلة نُوابل ماغازين
اكتُشف الدخيل البينجمي 2 آي/بوريسوف (النقطة السوداء الكبيرة) قبل 3 أشهر من مروره بالقرب من الشمس، ما أتاح لعلماء الفلك التقاط صور له مدة عام تقريباً. وصل بُعد بوريسوف عن الأرض (النقطة الزرقاء الكبيرة) في مساره إلى نحو 290 مليون كيلومتر. تُظهر الصورة المواقع النسبية لمذنّب بوريسوف والأرض في 3 لحظات زمنية مختلفة. حقوق الصورة: مجلة نُوابل ماغازين

اقرأ أيضاً: كيف يقدّر العلماء وزن الكون والأجرام السماوية؟

لكن جرم أومواموا ليس كما توقعه العلماء؛ إذ تشير الأرصاد إلى أنه مستطيل للغاية ويصل طوله إلى 240 متراً وعرضه إلى 40 متراً فقط. على عكس مذنّب بوريسوف، لا يبدو أن أومواموا يحتوي على الغازات أو جسيمات الغبار، ما يزيد احتمال أنه نشأ في منطقة أقرب إلى نجمه كانت دافئة لدرجة لا تسمح بتشكّل الجليد. إذا صح ذلك، لن يؤدي مرور نجم أو كوكب عملاق إلى قذف هذا الجرم خارج نظامه. بدلاً من ذلك، من المحتمل أنه قُذِف بسبب التأثيرات الناجمة عن موت نجمه. يمكن أن تدفع دفقات الغاز الصادرة عن نجم يحتضر الكواكب والكواكب المصغرة إلى خارج النظام الكوكبي، ما يؤدي إلى اضطراب مداراتها بدرجة كافية لقذف بعضها إلى الفضاء البينجمي.

لكن من المحتمل أيضاً أن أومواموا تشكّل في المنطقة الخارجية الباردة في نظامه الكوكبي واكتسب ذيلاً غازياً مع اقترابه من الشمس لم تتمكن التلسكوبات من رصده. يتجلى أحد الأدلة في أن الجسم تسارع بمقدار أكبر من مقدار التسارع المتوقّع أن يكتسبه بسبب جاذبية المجموعة الشمسية وحدها.

تشير دراسة حديثة إلى أن هذا التزايد في التسارع يمكن أن ينجم عن إطلاق كميات صغيرة من الهيدروجين لم تتحسسها التلسكوبات. ووفقاً لدراسة أخرى، من المحتمل أن تسارع العديد من الكويكبات في المجموعة الشمسية تزايد على نحو مشابه بسبب إطلاقها بخار الماء. قد يرصد كلٌّ من تلسكوب جيمس ويب الفضائي ومهمة هايابوسا 2 ( JAXA Hayabusa2) الممتدة التابعة لوكالة استكشاف الفضاء اليابانية (التي ستدرس واحداً من كويكبات المجموعة الشمسية التي تحمل اسم المذنبات المظلمة عن كثب في عام 2031)، مستويات منخفضة من الغازات المنبعثة في عمليات الرصد المستقبلية.

يقول عالم الكواكب في جامعة كورنيل والمؤلف المشارك مع جويت لدراسة المراجعة السابقة الذكر حول الأجرام البينجمية الدخيلة، داريل سيلغمان: “من المحتمل أن تكون هذه المذنبات شبيهة بأومواموا، وسنعرف ذلك عند رصدها”.

البحث عن الأجرام الرحّالة

قد يساعد جمع المزيد من البيانات حول الأجرام الدخيلة الجديدة على التوصل إلى إجابات عن هذه الأسئلة، ويجب على العلماء أن يزيدوا احتمال رصد هذه الأجرام عند مرورها عبر المجموعة الشمسية لينجحوا في جمع هذه البيانات. يقول عالم الفلك الذي عمل سابقاً في جامعة هاواي واكتشف جرم أومواموا بدراسة بيانات تلسكوب بان-إس تي أيه آر آر إس 1، روب ويريك: “لو لم يرصد التلسكوب المنطقة من السماء التي رصدها في تلك الليلة بالذات، فمن المرجح أن أومواموا لم يكن ليكُتشف أبداً”.

من المتوقع أن يزيد مشروع مسح ليغاسي للمكان والزمان (Legacy Survey of Space and Time) الذي سيُجرى في مرصد فيرا سي روبن احتمال نجاح علماء الفلك في رصد هذه الأجرام التي تتحرك بسرعة. بدءاً من عام 2025، سيصور تلسكوب المرصد السماء الجنوبية المرئية بأكملها كل بضع ليالٍ، وهو تلسكوب يزيد قطر مرآته الرئيسية على قطر مرآة تلسكوب بان-إس تي أيه آر آر إس 1 بنحو 7 أمتار، ما يمكّنه من رصد الأجسام الخافتة الأبعد.

ستبدأ التلسكوبات الأرضية والفضائية بتصوير الأجرام الدخيلة بمجرد رصدها، وذلك بهدف كشف تركيبها الكيميائي. وإذا رُصِد هدف يمكن الوصول إليه، تمكن إعادة توجيه مركبة كومت إنترسبتر (Comet Interceptor) التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية المقرر إطلاقها عام 2029 لتصوير هذا الهدف عن قرب.

سيُجرى مسح ليغاسي للمكان والزمان في مرصد فيرا سي روبن في شمال تشيلي وسيستمر عقداً من الزمن بدءاً من 2025. سيلتقط تلسكوب سيموني الماسح التابع للمرصد، الذي يبلغ قطره 8.4 أمتار، الصور بمعدل يغطّي السماء المرئية بأكملها كل بضع ليال، ما قد يُتيح رصد المزيد من الأجرام الدخيلة. حقوق الصورة: مرصد فيرا سي روبن/ مؤسسة العلوم الوطنية/أورا/آتش ستوكبراند
سيُجرى مسح ليغاسي للمكان والزمان في مرصد فيرا سي روبن في شمال تشيلي وسيستمر عقداً من الزمن بدءاً من 2025. سيلتقط تلسكوب سيموني الماسح التابع للمرصد، الذي يبلغ قطره 8.4 أمتار، الصور بمعدل يغطّي السماء المرئية بأكملها كل بضع ليال، ما قد يُتيح رصد المزيد من الأجرام الدخيلة. حقوق الصورة: مرصد فيرا سي روبن/ مؤسسة العلوم الوطنية/أورا/آتش ستوكبراند

يأمل علماء الفلك في إنشاء فهرس للأجرام البينجمية على غرار فهرس الكواكب الخارجية، الذي بات يضم أكثر من 5,500 إدخال منذ اكتشاف الكواكب الخارجية أول مرة في عام 1992. يمكن أن يساعد هذا الفهرس الباحثين على التوصل إلى إجابة عن السؤال القائم منذ أمد طويل حول مدى تميّز الأرض والمجموعة الشمسية من عدمه. قد يمنحنا كشف التركيب الكيميائي لعدد كبير من الأجرام البينجمية أدلة حول تركيب الأجسام في الأنظمة الكوكبية الخارجية، مثل تلك التي قد تكون ملائمة لتشكّل الحياة.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن التمييز بين الأجسام الطائرة المجهولة والظواهر الطبيعية في السماء؟

تقول عالمة الفلك من جامعة ويسليان في مدينة ميدل تاون في ولاية كونكتيكت الأميركية، ميريديث هيوز: “الكواكب المصغّرة هي اللبنات الأساسية لتشكّل الكواكب الخارجية”. ويعني ذلك أن دراستها “يمكن أن توفّر معلومات حول البيئات المتنوعة، ومنها تلك التي يمكن أن تكون ملائمة للحياة”.

تجاوز جرم أومواموا مدار كوكب نبتون حالياً، ويبعد مذنب بوريسوف مسافة مساوية تقريباً. سيواصل الجرمان رحلاتهما في الفضاء البينجمي، حيث لا يمكن لأحد تخمين ما سيحدث لهما. ربما سيتجولان للأبد في الأوساط الفارغة في الفضاء، وربما سيأسرهما نجم ما. ربما أيضاً ينهارا في قرص متنامٍ من الغاز والغبار في نظام كوكبي جديد، وينطلقا في رحلتهما مجدداً.

يقدّر علماء الفلك أنه من المحتمل أن عدد الأجسام البينجمية في مجرة درب التبانة يفوق عدد النجوم في الكون المرئي. وسيساعد العثور على المزيد منها على دراسة ألغاز الكون بطريقة جديدة.

تقول بفالسنر: “أروع ما في الأمر هو أن الأجسام البينجمية تتجه نحونا بنفسها”.