أصبح العلماء الآن أكثر قرباً الآن من معرفة تاريخ ولادة المشتري. تشير دراسة جديدة قام بها باحثون في جامعة مونستر ومختبر لورنس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا إلى أن المشتري قد بدأ بالتشكل ربما في غضون المليون سنة التي تلت أولى إشارات نشوء النظام الشمسي. قد يبدو ذلك تأخيراً لمدة طويلة، إلا أنه يجعل المشتري بالنسبة لتاريخ النظام الشمسي الذي يمتد حتى 4.5 مليار سنة، قاطناً كبير السن.
تشير دراسات سابقة إلى أن المشتري كان أحد جيراننا الأكبر سناً، ولكنها قدمت تقديراً مبالغاً فيه بأنه تشكل خلال 10 ملايين سنة من ولادة النظام الشمسي. رغم أن هذه الدراسات قد اعتمدت على النماذج، وليس على البيانات؛ بدلاً من تحليل عينات من المشتري لتقدير عمره، إلا أنها قدرت فترة زمنية كانت خلالها الغازات اللازمة لتشكيل كوكب عملاق مثل المشتري غازات سائدة.
يقول المؤلف الرئيسي للبحث "توماس كروجر" من مختبر لورنس ليفرمور الوطني: "لا يمكنك تحديد عمر شيء ما بدقة من خلال النظر إليه عبر التلسكوب". ويضيف: "هذه هي المرة الأولى التي تمكنا فيها من فعل ذلك باستخدام مقاربة تجريبية".
قام كروجر وزملاؤه بتحليل نظائر المعادن – إصدارات مختلفة من المعدن لديها عدد أكبر أو أقل من النيوترونات في نواتها – لاكتشاف مصدر وعمر عينات الصخور المأخوذة من نيازك مُسنّة صغيرة تشكّلت ضمن حزام الكويكبات الواقع بين المريخ والمشتري.
حيث ركزوا على اثنين من المعادن على وجه التحديد: الموليبدنيوم والتنغستين. ربما سمعت بالتنغستين من قبل؛ فهو يستخدم كسلك داخل المصابيح الكهربائية المتوهجة. في المقابل، لا تقلق إن كان الموليبدنيوم ليس مألوفاً بالنسبة لك، فهو ليس منتشراً بكثرة على الأرض، ويُستخدم بشكل رئيسي كعنصر مضاف لسبائك الصلب.
يمتلك الموليبدنيوم في الفضاء تطبيقاً أكثر إثارة للاهتمام من مواد البناء: حيث يمكن لنظائر الموليبدنيوم الموجودة داخل إحدى العينات أن تخبرك عن المكان الذي نشأ فيه النظام الشمسي. فجميع المواد التي تشكل النظام الشمسي قادمة من نجوم مختلفة، إلا أن المصادر المختلفة لم تختلط تماماً، وهذا هو مفتاح الحل. لا يمكن لنظائر الموليبدنيوم أن تحدد المواقع بدقة، كما يقول كروجر، ولكن بإمكانها أن تكشف لك عن العينات المترابطة.
قام العلماء بتحليل محتوى الموليبدنيوم من النيازك ووجدوا أن الاختلاف الطبيعي بينها يقسمها إلى مجموعتين منفصلتين موجودتين سابقاً: نيازك كربونية وأخرى غير كربونية. كان يعتقد أن الأولى نشأت من مصادر أبعد من المشتري، في حين تشكلت نظيراتها غير الكربونية من مواد أقرب إلى الشمس.
ولكن، ماذا لو حوت مجموعتا النيازك تركيبات مختلفة لأنهما تشكلتا في أوقات مختلفة، وليس نتيجة كونهما منفصلتين؟ وبالتالي، استخدم العلماء نظيراً مختلفاً – تنغستين – لمعرفة عمر هاتين المجموعتين، مثل النظر إلى حلقات الشجرة. بمرور الزمن، تتحلل نظائر التنغستين الأكبر حجماً إلى عناصر أصغر، أي أن رؤية المزيد من النظائر الأصغر حجماً يشير إلى أن النيزك كان موجوداً منذ مدة.
كانت الحقيقة كامنة في التنغستين. رغم أن النيازك غير الكربونية بدأت بالتشكل في وقت أبكر نوعاً ما (حوالي 500 ألف سنة بعد أولى أجرام النظام الشمسي، مقارنة بالنيازك الكربونية الأقدم التي تشكلت بعد مليون سنة من نفس الأجرام المرجعية)، إلا أن كلا النوعين من النيازك استمر بالتشكل في الوقت نفسه طوال السنوات المليون التالية على الأقل.
كان هناك نيازك غير كربونية تشكلت عند حدود 2 مليون سنة، ويعود تاريخ تشكل أحدث النيازك الكربونية إلى حدود تتراوح من 3 إلى 4 مليون سنة بعد ولادة النظام الشمسي.
ويعيدنا هذا إلى المشتري، حيث حدث تداخل في تشكيل كلا المجموعتين من النيازك، وبالتالي لا بد أن الاختلافات في تركيبتهما نجمت عن كونهما أساساً منفصلتين فيزيائياً. ما الذي أدى إلى فصلهما عن بعض؟ حسناً، يمكن لكرة غازية ضخمة أن تفعل ذلك.
يقول كروجر إن البيانات – رغم أنها غير مباشرة – تشير بوضوح إلى تمايز مكاني بين تجمعي النيازك المعتبرين. ومن جهته يشير كيفن وولش، عالم الأبحاث البارز في معهد أبحاث الجنوبي الغربي في بولدر الذي لم يشارك في الدراسة، إلى أنه على الرغم من أن وجود المشتري يمثل أحد التفسيرات الممكنة، إلا أنه قد يكون هناك تفسيرات بديلة.
يقول وولش: "من الممكن أن لدينا تفسيراً ساذجاً للطريقة التي تحركت بها الكتل التي شكلت الكويكبات عبر نظام شمسي حديث العهد، بحيث لا يشكل وجود كوكب ضخم كالمشتري أمراً ضرورياً".
مع ذلك، إن كان المشتري هو الكيان المتسبب بالفصل بين مجموعتي النيازك، فإن التوقيت الذي تشكلت فيه النيازك يقدم أدلة عن المنشأ الخاص بالمشتري نفسه. فنظراً لأن كلا النوعين من النيازك قد نجح بالتشكل بشكل مستقل خلال المدة التي تراوحت بين مليون و4 ملايين سنة بعد ولادة النظام الشمسي، قد يكون وجود المشتري محتملاً عندها، وكبيراً بما يكفي ليفصل بينهما.
تشير دراستهم إلى أن ولادة المشتري ربما حدثت قبل مرور مليون سنة على ولادة النظام الشمسي نفسه. قامت المواد المكونة للكوندريتات غير الكربونية (الكوندريت: نيزك حجري غير معدني) بالتجمّع ضمن المنطقة التي تحولت سريعاً إلى مدار المشتري لاحقاً خلال السنوات المليون الأولى، وحالما أصبح المشتري كبيراً بما فيه الكفاية (حوالي 20 ضعفاً من كتلة الكرة الأرضية) لمنع تدفق المزيد منها، بدأت المواد على الجانب الآخر من الكوكب بتشكيل الكوندريتات الكربونية.
يقول براندون جونسون، الأستاذ المساعد في جامعة براون والذي لم يشارك بالدراسة: "أعتقد أن النتائج مقنعة تماماً". أنجز جونسون أبحاثه الخاصة معتمداً على الكوندريتات لتحديد الزمن الذي تشكل فيه المشتري؛ وقد أضهرت تجارب المحاكاة التي قام بها أن المشتري بلغ حجمه الحالي خلال مدة ترواحت بين 4 إلى 5 ملايين سنة بعد تشكل أولى الأجرام الصلبة للنظام الشمسي، ويقول إن نتائج كروجر مكملة لنتائجه. يقول جونسون: "يمكن لهذه النتائج مجتمعة أن تروي قصة تكوين المشتري من بداية نشأته إلى أن أصبح أكثر شبهاً بالمشتري الذي نعرفه جميعاً اليوم ونحبه".
إن إدراكنا لوجود المشتري (المرجح) منذ انطلاقة النظام الشمسي يفسر الطريقة التي تطور بها بقية هذا النظام.
يقول وولش: "يمكن لتشكّل المشتري أن يغير توزع المواد الصخرية على امتداد النظام الشمسي بأكمله... أو- كما تم طرحه في هذا العمل – أن يلعب دور عائق أمام هجرة المواد الصغيرة".
حتى أن هذا قد يكون السبب وراء وجود أرض واحدة صغيرة نسبياً. يقر كروجر بأن هذه النظرية تخيلية إلى حد ما، ولكن ذلك لا يمنع القول بأنه حالما تشكل المشتري، ربما حال دون وصول المزيد من المواد إلى المنطقة الصالحة للسكن حول الشمس. شكراً جزيلاً أيها المشتري.