أصبح الأمر رسمياً: فقد نجحت مركبة نيو هورايزنز التابعة لناسا، والتي زارت بلوتو في 2015، في تنفيذ عملية مرور قرب الجسم 2014 MU69، وهو أبعد جسم درسته مركبة فضائية عن كثب على الإطلاق.
احتفلت ناسا بالحدث على المستوى الذي يليق به مباشرة بعد منتصف ليلة رأس السنة (بتوقيت المنطقة الشرقية من الولايات المتحدة)، وهو الوقت الذي يفترض عنده أن تكون المركبة الفضائية قد وصلت إلى أقرب نقطة لها من الجسم الصخري. غير أن هذه الاحتفالات كانت أقرب إلى الأمل الإيجابي، حيث تبعد نيو هورايزنز أكثر من 6.4 مليار كيلومتر عن الأرض، أي أن وصول البيانات إلى الأرض سيستغرق عدة ساعات، ولهذا لم يكن أحد متأكداً بالفعل من نجاح المهمة حتى الساعة العاشرة ونصف صباحاً تقريباً من يوم الثلاثاء الموافق 1 يناير، عندما وصلت البيانات من نيو هورايزنز أخيراً. وعندما تتحرك المركبة الفضائية بسرعة أكثر من 48,000 كيلومتر في الساعة متجهة نحو جسم يبلغ عرضه 32 كيلومتر فقط، فلا يوجد مجال كبير للخطأ في المسار، أي أن النجاح لم يكن مضموناً على الإطلاق.
على الرغم من أن المزاج في ناسا ليلة الاثنين كان بهيجاً بالكامل – فلا يوجد مجال للخطأ عند الاحتفال بإنجاز افتراضي – فقد كان مشرفو البعثة ينتظرون بقلق وصول الدليل الفعلي على نجاح عملية المرور. خف التوتر إلى حد كبير لدى تأكيد وصول إشارة قوية، ولكن الفريق اضطر إلى الانتظار لعدة دقائق حتى يكتمل تحميل البيانات الفعلية. وفي الساعة 10:34 صباحاً من اليوم التالي، بدا أن أليس بومان مديرة عمليات البعثة كانت تدمدم قائلة: "أعتقد أننا فعلناها"، محاولة إخفاض صوتها وكتم ابتسامتها أثناء انتظارها التأكيد النهائي. وفي الساعة 10:36 تلقى الفريق بيانات علمية صحيحة من MU69، وهكذا تأكد للجميع أن نيو هورايزنز نجحت في استخدام أجهزتها لالتقاط معلومات حول الجسم، وكانت ترسل بالبيانات الثمينة إلى الأرض.
تقول بومان: "لدينا مركبة فضائية بحالة جيدة، وقد حققنا أبعد عملية عبور على الإطلاق". وتضيف أن البيانات التي حصلوا عليها في وقت لاحق من ذلك النهار "ستساعدنا على فهم أصول نظامنا الشمسي".
ليس MU69 بالجسم الفريد على نحو خاص، على الأقل وفقاً لمعلوماتنا الحالية. وهو على الأرجح لا يتجاوز كونه من السكان النموذجيين في حزام كايبر. غير أنه هذا بحد ذاته كافٍ لإثارة الكثير من الاهتمام العلمي، فحزام كايبر بارد وبعيد عن ضوء الشمس لدرجة أن الأجسام فيه لم تتغير على الأرجح من حالتها عندما انتهى بها المطاف هناك في بدايات النظام الشمسي. ويأمل الباحثون أن دراسة هذه الأجسام مثل MU69 ستساعدنا على زيادة فهمنا للكتل الأساسية التي شكلت كوكبنا والكواكب المجاورة، وكيف ومتى تجمعت معاً.
خلال مؤتمر صحفي في وقت لاحق من الثلاثاء 1 يناير، عرض الفريق صورة ثانية تم التقاطها قبل الحد الأقصى للاقتراب (الصورة الأولى التي تم إطلاقها الاثنين مبينة في الأعلى)، وها هي ذي:
يظهر التخيل الفني الموضح في اليمين جسماً صغيراً بشكل حبة الفستق، ولكن العلماء ليسوا متأكدين تماماً من أن MU69 جسم واحد فقط، فقد يكون في الواقع صخرتين تتحركان بشكل متناغم. وحتى هذه الصورة الأولى من نوعها ليست واضحة بما يكفي لتأكيد طبيعته. يقول هال ويفر، أحد العلماء في المشروع، متحدثاً عن اللقطة المغشاة في المؤتمر الصحفي: "قد تكون هذه اللقطة مثيرة للسخرية، ولكنها أفضل مما حصلنا عليه البارحة".
يمكننا أن نتوقع أن تطلق ناسا صوراً أكثر وضوحاً، وهي التي تم التقاطها خلال تواجد المركبة في أقرب نقطة إلى الجسم، على افتراض أن نيو هورايزنز تمكنت من توجيه كاميرتها إلى المساحة الصحيحة من الفضاء لالتقاط هذه الصور. يتوقع فريق نيو هورايزنز أن يحدد شكل MU69 قطعياً بفضل هذه الصور، على الرغم من أن الصور ذات الدقة الأعلى لن تصل حتى فبراير. وبسبب التأخير الكبير لدى تحميل البيانات من مركبة بعيدة مثل نيو هورايزنز، يتعين على العلماء أن يحددوا أولوياتهم فيما يتعلق بالبيانات بعناية. وسيستغرق حجم البيانات التي جمعت خلال عملية العبور 20 شهراً حتى يصل بالكامل إلى الأرض.
تعتقد ناسا (وببهجة غريبة) أن محور دوران الجسم يجعله يبدو بالنسبة لنا مثل المروحة. ومن المحتمل أن هذا اللغز قد حُلّ، فقد كان العلماء يتساءلون لماذا لم يروا الجسم يخفت ويسطع مع دورانه، وهو ما يمكن تفسيره بأننا كنا نرى فقط جانبه المضاء بالشمس.
بالنظر إلى بعثات عمليات المرور السابقة، فسوف يقوم فريق نيو هورايزنز في الفترة المقبلة بإطلاق بضعة تخمينات حول اكتشافات علمية جديدة، من دون أية تأكيدات، ولكن معظم الأشياء التي سنعرفها حول MU69 ستأتي بعد أشهر وسنوات من الآن، حيث سيعمل علماء الأرض على البيانات ويقومون بتحليلها ومناقشة معناها. وباختصار، فإن البعثة أبعد ما تكون عن الانتهاء. أما بالنسبة للمركبة الفضائية نفسها، فقد بقي فيها من الوقود ما قد يكفي لهدف واحد إضافي. وتعمل ناسا على تحديد احتمالات زيارة إضافية أكثر بعداً في حزام كايبر، بحيث تقوم بها نيو هورايزنز في وقت ما من العقد المقبل.