تخيّل نجمين منهارين على نفسيهما يبعدان عن بعضهما بضع سنين ضوئية، ويدوران حول بعضهما في رقصة هي الأخيرة قبل انتهاء حدث تصادمهما. يتنبأ الفلكيون أن مثل هذا السيناريو سيحدث في نظام يدعى «بي أس آر جاي 1913+1102»، على بعد 500 مليون سنة تقريباً. سيصطدم نجمان نيترونيان ببعضهما مسببان اهتزازاً عبر الكون، إذ سيهتزّ نسيج المكان والزمان على شكل أمواج تثاقلية.
وفقاً لورقة بحثية نُشرت يوم الأربعاء الماضي في دورية «نيتشر»؛ فإن معظم الأنظمة النجمية الثنائية تتضمن نجمين نيترونيين لهما حجمان متقاربان يدوران حول بعضهما البعض في مدار شديد الإحكام. لكن «بي أس آر جاي 1913+1102» يحتوي على زوج من النجوم النيترونية مختلفة الأحجام (أحدهما هو نجم نابض)، وكتله تعادل 1.62 و 1.27 ضعف كتلة الشمس؛ مما يجعل هذا النظام هو أكثر نظام غير متناظر رُصد لهذه اللحظة.
يقدّم هذا النظام النجمي غير المتوازن فرصة فريدة لحل أحد أكثر ألغاز الكون تحييراً، ألا وهو سرعة توسع الكون.
يقول «كولن كابانو» الباحث في معهد ماكس بلانك للفيزياء التثاقلية، وغير مشارك في الورقة البحثية: «كل الأنظمة مزدوجة النجوم النيترونية التي رُصدت من قبل كانت تحتوي على نجوم من كتل متساوية تماماً تقريباً، وأن هذا الرصد الجديد سيجبر الفيزيائيين على إعادة النظر في بعض الافتراضات التي وُضعت حول تشكّل الأنظمة الثنائية التي تحتوي على نجوم نيترونية، وبنفس الوقت، فإنه سيثير أسئلة جديدة يجب الإجابة عنها.
النجوم النيترونيّة هي بقايا عالية الكثافة ومتجمعة على بعضها ناتجة من انفجارات المستعرات العظمى القديمة. يدعى النجم النيتروني بالنجم النابض عندما يُصدر إشعاعاً على شكل نبضات أثناء دورانه، مثل ضوء المنارة. هذه النبضات تُرصد لاحقاً باستخدام التلسكوبات الراديوية على الأرض.
يستطيع باحثون مثل «روبرت فيردمان» -فيزيائي في جامعة أنجليا الشرقية ومؤلف رئيسي للورقة البحثية السابقة- أن يتنبأوا بحدوث النبضات المستقبلية عن طريق تسجيل التوقيت الدقيق للنبضات. يقول فيردمان: «عن طريق فعل ذلك، يمكننا مراقبة دوران النجوم النيترونية مما يساعدنا على استخدامها كـ «ساعات» لتحديد عدة أشياء أخرى، مثل كتل النجوم».
اعتمدت مجموعة دولية من العلماء بقيادة جامعة أنجليا الشرقية في المملكة المتحدة على بيانات جُمعت باستخدام مرصد «أريسيبو» في «بورتوريكو» كجزء من مسح واسع النطاق للمستوى المجري لمجرة درب التبانة. تقدّر الدراسة الجديدة أن الأزواج النجمية الغريبة، مثل بي أس آر جاي 1913+1102 موجودة بالفعل. إذ أن واحداً من كل 10 أزواج من النجوم النيترونية هو زوج غير متناظر من ناحية الكتلة.
يساعد الاكتشاف الجديد الباحثين في التوصل لفهم أفضل للأحداث الفلكية السابقة أيضاً. في 17 أغسطس/ آب 2017؛ شهد الباحثون لحظة حاسمة في تاريخ علم الفلك، إذ رصدوا تصادم نجمين نيترونيين عالييّ الكثافة يبعدان حوالي 130 مليون سنة ضوئية باستخدام مرصدي «ليجو» و«فيرجو». سمي هذا الحدث باسم «جي دبليو 170817»، ولم يكن مفاجئاً حينها، لكن الكمية الكبيرة من المادة التي أطلُقت بسبب هذا التصادم -والتي بلغت حوالي 5 أضعاف الكمية المتوقعة- ظلت لغزاً.
في حين أن كتلة الجسمين المتصادمين معاً بلغت حوالي 2.8 ضعف كتلة الشمس، ظلت كتل النجوم غير معروفة بشكل إفرادي. يمكن تفسير جي دبليو 170817 بسيناريوهات مختلفة، ويقول الباحثون أنه من الممكن أن يكون سبب إطلاق تلك الكمية غير المتوقعة من المادة؛ هو تصادم لأجسام متفاوتة للغاية في الكتل، مثل زوج النجوم النيترونية الموصوف في الورقة البحثية. يقول فيردمان: «عندما تمزّق جاذبية النجم الأكبر النجم الأصغر، فإن ذلك سيتسبب في إطلاق المزيد من المادة في الفضاء».
فيكي كالوجيرا، وهي فيزيائية فلكية في تعاون «ليجو» العلمي، وغير مشاركة في الورقة الأخيرة، تقول أن النتائج الجديد مثيرة جداً، وأن هذا الاكتشاف لا ينسجم بشكل جميل مع الحدث جي دبليو 170817 وحسب، بل من المريح معرفة أن الأنظمة غير المتناظرة مثل بي أس آر جاي 1913+1102 موجودة بالفعل.
يساعد رصد هذا النوع من الأنظمة الثنائية في تحديد سرعة توسّع الكون، والتي يُعبَّر عنها باستخدام «ثابت هبل»، ورقم يعد محل جدل كبير بين الفيزيائيين. يخبرنا تدقيق هذا الرقم بالكثير عن أصل وعمر الكون وتطوره، وفي النهاية مصيره. مع ذلك، فإن أدق طريقتين لقياسه، وهما رصد الضوء القادم من نجوم وامضة قريبة، أو رصده من أقدم مصدر للضوء في الكون (إشعاع الخلفية الكوني الراديوي)، تعطيان نتائج متناقضة، بنسبة اختلاف محيّرة تبلغ %8. كما يمكن أن توفّق طريقة ثالثة مستقلة في قياس ثابت هبل بين النتائج المتناقضة لأول طريقتين، ويأمل فيردمان وزملاؤه أن التصادمات غير المتناظرة هي المفتاح لهذا.
إن تصادمات النجوم النيترونية تلعب دور خيميائي (تحويل العناصر إلى مواد ثمينة) عملاق في الكون، إذا أنها تحضّر في داخلها أثقل العناصر في الكون من عناصر أخرى أخف منها. بالرغم من أن الفلكيين تعجبوا من هذه الأحداث لعقود طويلة، إلا أن ما يدور في أعماقها لا يزال غير مفهوم كلياً. إن التصادمات الكبيرة للنجوم النيترونية -وخاصة منها النجوم النيترونية غير المتناظرة- قد تساعد العلماء في فهم طبيعة المادة الغريبة التي توجد داخل هذه الأجسام الكثيفة للغاية.
ستأتي أجوبة تلك الأسئلة الكبيرة والمحيرة عن طريق القيام بالمزيد من الأرصاد. وفي هذا الوقت، يتطلع فيردمان وزملاؤه إلى استخدام النظام بي أس آر جاي 1913+1102 كمختبر بعيد لاختبار فهمنا للجاذبية.