تراجع كايري إيرفينج – لاعب الهجوم الخلفي في فريق بوسطن سيلتيكس لكرة السلة – مؤخراً عن الترويج لنظرية الأرض المسطحة (بالمناسبة، ما زالت الأرض كروية)، ولكن من المرجح أنه قد تسبب بدون قصد بإطلاق تيار جديد وبغيض. ففي مدونة صوتية، تحول نجم فريق جولدن ستيت ووريورز ستيف كوري، ومن دون أي سبب يذكر، إلى مشكك بحقيقة الهبوط على القمر، موجهاً سؤالاً خبيثاً إلى أقرانه من لاعبي كرة السلة في اللحظة 46:46 من التسجيل الصوتي: "هل ذهبنا إلى القمر فعلاً؟" وعندما سُئل الحاصل على لقب أفضل لاعب مرتين في الدوري الأميركي لكرة السلة إن كان فعلاً لا يعتقد أن الإنسان هبط على القمر، كرر كلامه مرتين ليجعل موقفه في غاية الوضوح.
من الممكن طبعاً أن كوري وأقرانه كانوا يمزحون، ولكنها لم تبدُ مزحة على الإطلاق. وحتى لو كان الأمر مجرد نكتة، فقد بدأ هذا التوجه بالانتشار مثل النار في الهشيم، ولا شك في أن المزيد من الأشخاص سيخرجون عن صمتهم ويقولون بأنهم يعتقدون أيضاً أن الهبوط على القمر كان مصطنعاً. ويكفي إمضاء بعض الوقت على الإنترنت لإدراك وجود الكثيرين ممن يشككون في حقيقة التحليق الفضائي البشري.
غير أن دلائل ذهابنا إلى القمر موجودة، وليست عصية على الفهم. إليك 7 طرق تثبت بها أن البشر ذهبوا إلى القمر وعادوا منه.
لدينا قطعة من القمر هنا، وهي قيد الدراسة
قد يكون أهم دليل على ذهاب البشر إلى القمر هو إحضار عينات منه إلى كوكبنا، وهي مختلفة بشكل واضح عن أي شيء يمكن أن نجده على كوكبنا. فعلى مدى ست بعثات مختلفة من برنامج أبولو، أحضر رواد الفضاء التابعون لناسا حوالي 382 كيلو جرام من الصخور القمرية حتى يدرسها العلماء، ويبلغ عمر أقدم واحدة منها 4.5 مليار سنة، أي أنها أقدم بحوالي 200 مليون سنة من أقدم الصخور المعروفة على الأرض. وقد أظهرت التحاليل والدراسات بشكل مؤكد، مراراً وتكراراً، أن هذه العينات ليست بالمواد الجيولوجية التي يمكن جمعها بسرعة من الأرض. فهي شبه خالية من المواد المتطايرة (وهي عناصر ومركبات كيميائية ذات درجات غليان منخفضة، وتوجد في قشرة الأرض والغلاف الجوي الأرضي، مثل النيتروجين وثنائي أوكسيد الكربون والماء... إلخ) إضافة إلى المواد الرطبة. ببساطة، فإن هذه الصخور غير موجودة على الأرض في الوقت الحالي.
يمكنك أن ترى مواقع الهبوط بنفسك
ما زال بالإمكان رؤية مواقع هبوط بعثات أبولو على سطح القمر حتى الآن. فقد نشرت ناسا في 2011 مجموعة من الصور التي التقطها مسبار الاستطلاع المداري القمري، وهي تبين بوضوح مواقع هبوط المركبات القمرية لبعثات أبولو 12 و 14 و 17، إضافة إلى مسارات تحركات رواد الفضاء على سطح القمر. وبعد سنة، نشرت ناسا مجموعة أخرى من الصور لموقع هبوط أبولو 11.
قد تسأل: ولكن ماذا لو قامت وكالات الفضاء باصطناع هذه الصور؟ إضافة إلى وكالة الفضاء اليابانية، فقد تمكنت مؤسسات مستقلة كثيرة خارج إطار ناسا، والكثير من الفلكيين الهواة حول العالم، من رؤية آثار ودلائل بعثات أبولو السابقة. وإذا كنت تمتلك تلسكوباً من نوعية ممتازة، وكان القمر المكتمل واضحاً في السماء، فقد تستطيع رؤية الدليل على هذه البعثات بنفسك.
الثرى القمري عاكس للضوء
يحلو لمناصري نظرية المؤامرة حول الهبوط القمري أن يدققوا في الصور الفوتوغرافية التي تم التقاطها في بعثة أبولو 11 للإشارة إلى بعض المواضع التي تدحض عملية الهبوط بأكملها على ما يبدو. ومن هذه الدلائل إنارة بعض الأجسام الواقعة في ظل المركبة القمرية، ما يعني وجود عدة مصادر للضوء أثناء تصوير الفيلم، بدلاً من الشمس فقط كما قيل لنا، أليس كذلك؟
ليس بالضبط. حيث أن التراب القمري – والذي يطلق عليه اسم "الثرى regolith" – مادة عاكسة للضوء، ويرتد ضوء الشمس عنه مثل المرآة تماماً، وهو ما يؤدي إلى إنارة أية أجسام قريبة. ويمكنك أن تفهم هذه المسألة بتفصيل أكبر بالاطلاع على عمل قامت به شركة إنفيديا لتصنيع البطاقات الرسومية في 2014 عندما كانت تستعرض إمكانات أحدث منتجاتها عن طريق تشكيل نسخ جديدة لصور أبولو 11.
أيضاً، اعتُبر وجود ظلال غير متوازية في هذه الصور دليلاً على استخدام عدة مصادر إضاءة أثناء تصوير الفيلم. وهي حجة يسهل دحضها أيضاً بسهولة، حيث أن هذا الأثر ينتج أيضاً على سطح الأرض عندما يكون غير مستوٍ.
النجوم ما زالت موجودة
من الأدلة الأخرى التي تصب في صالح نظرية تزييف الهبوط على سطح القمر عدم وجود نجوم في الصور. فإذا لم يكن هناك غلاف جوي يحيط بالقمر، من المفترض أن نكون قادرين على رؤية السماء منارة بالنجوم البعيدة، أليس كذلك؟ غير أن هذه الحجة تتجاهل بعض القيود التكنولوجية الأساسية المتعلقة بتصوير الأشياء على سطح القمر. فبوجود خلفية مظلمة إلى هذه الدرجة مع أجسام تضيئها الشمس بشكل ساطع، كان من الضروري تصغير فتحة الكاميرا حتى يصبح من الممكن تصوير رواد الفضاء والمركبة بشكل واضح ودقيق، بحيث لا تكون الصور مغشاة كما في حالة فيلم من أفلام الرعب مثلاً. ولهذا، لم تستطع الكاميرا التقاط ضوء النجوم في السماء في خلفية الصورة.
التقطت العربات الجوالة القمرية صوراً لنفس المناظر التي رآها رواد الفضاء
قامت المسابر المدارية والعربات الجوالة التي أرسلناها مؤخراً إلى القمر بالتقاط صور لنفس المناظر والتضاريس التي صورها رواد الفضاء في بعثات أبولو. على سبيل المثال، فقد التقط المسبار المداري الياباني سيلين (كاجويا) مجموعة من الصور التي تبين لدى تجميعها قاعدة جبال أبيناين التي تم تصويرها أيضاً في بعثة أبولو 15.
لم يكن العلم يتحرك
قد يكون هذا من أشهر الدلائل التي تشير إلى تزييف الهبوط القمري، والتي تتحدث عن حركة العلم. ولطالما اعتُبرت الصور التي تبين حركة العلم الأميركي بعد نصبه على سطح القمر دليلاً على هبوب الرياح على القطعة القماشية، وهو أمر مستحيل على سطح القمر.
أما الحقيقة فهي أن العلم لم يكن يخفق، بل كان يهتز أثناء نصبه، وتسببت هذه الاهتزازات بتموج القماش، وهو أمر لا يمكن إنكاره. غير أنه لم يكن يخفق مع الريح. بل إن ناسا نشرت صورة جيف تبين سكون العلم بين صورتين مختلفتين.
ما زال العلم في مكانه في الأعلى، ويبدو وكأنه يخفق مع الرياح، وذلك بفضل أسلاك وُضعت داخل القماش للحفاظ على انتصابه، وقد بقي ساكناً منذ عقود.
ما زالت العواكس في مكانها أيضاً
قامت ناسا بزرع عواكس لقياس المدى بالليزر (LRRRs) على سطح القمر، وهي مرايا تم استهدافها من الأرض بالليزر في إطار تجارب ناسا لقياس بعد القمر عن الأرض، والتي أجريت ضمن برنامج أبولو (نفذت روسيا تجربة مشابهة أيضاً). وتقوم التجربة باختصار بإطلاق ليزر على هذه العواكس وقياس الزمن اللازم حتى يصيب الليزر العواكس ويرتد عائداً إلى الأرض. وقد سمحت لنا نتائج هذه التجارب بمعرفة أن القمر يسلك مساراً حلزونياً يبتعد فيه عن الأرض بحوالي 3.8 سنتمتر سنوياً، وأن نسبة 20% من النواة الداخلية للقمر سائلة، إضافة إلى بعض التفاصيل حول عمل قوى التجاذب، وغير ذلك. ولا يمكن طبعاً إجراء هذه التجارب والتوصل إلى هذه النتائج إلا بتركيب هذه العواكس على سطح القمر.