رتيبة ومملّة وتبعث على الضجر. هذه الكلمات لا نستخدمها عادة لوصف شمسنا المتوّهجة التي جعلت كوكب الأرض يعج بالحياة، لكن دراسة حديثة تُشير إلى أن شمسنا «مملة وكسولة إلى حدٍ ما» مقارنة بالنجوم الشبيهة بها.
في دراسةٍ حديثة نُشرت في دورية «ساينس»، قارن الباحثون شمسنا بـ 369 نجمة شبيهة بها من جوانب عدة مثل؛ الوقت اللازم لإتمام دورة واحدة حول محورها، والتراكيب الكيميائية، الكتلة، العمر، ودرجات الحرارة السطحية. تمت مراقبة كل من الأجسام النجمية التي دُرست بواسطة تلسكوب كيبلر الفضائي التابع لناسا من عام 2009 إلى 2013، مما سمح للباحثين بمقارنة تقلبات السطوع خلال تلك الفترة بينها وبين شمسنا.
يقول «ألكسندر شابيرو»، مؤلف الدراسة من معهد «ماكس بلانك» لأبحاث النظام الشمسي، في بيانٍ له: «فوجئنا كثيراً بأن معظم النجوم الشبيهة بالشمس أكثر نشاطاً من الشمس». فقد أظهرت النجوم الأخرى حوالي 5 أضعاف تغير السطوع الذي أظهرته شمسنا خلال نفس الفترة. يعني ذلك أن شمسنا قد تكون من النوع الهادئ بشكلٍ غير عادي بالنسبة لنوعها، الأمر الذي قد يكون شيئاً جيداً بالنسبة لكوكب الأرض ولنا».
يظهر النجم أكثر خفوتاً عندما تزداد على سطحه البقع الشمسية، وهي بقع تظهر على سطح الشمس، تتميز بدرجة حرارة منخفضة عن المناطق المحيطة بها. تحدث البقع الشمسية عندما يكون المجال المغناطيسي للنجم قوياً جداً، لدرجة أنه يحتجز الحرارة في الأسفل عميقاً، بينما يبقى السطح أبرد. وبالرغم من أن البقع الشمسية نفسها باردة ومظلمة نسبياً (مقارنة بمحيطها الأعلى حرارة)، فإن وجودها يشير إلى أن النجم يمر باضطرابات كبيرة.
يعني ذلك أنّ المجالات المغناطيسية التي تُسببها السحب الغازية المشحونة؛ قوية جداً، وبالتالي فإنه من المرجّح أن تتفاعل بين بعضها البعض، وتتسبب في حدوث الانفجارات الشمسية. يمكن أن تؤدي هذه الانفجارات العنيفة في الغلاف الجوي للشمس إلى خروج انبعاثات ضخمة من البلازما والإشعاع من الشمس، ويمكن أن تتصادم مع المجال المغناطيسي للأرض، وتشكيل ما يُسمّى بـ «أضواء الشفق القطبي». وقد تؤثّر على الشبكات الكهربائية، وأنظمة «جي بي إس»، وأقمار الاتصالات، وحتّى على روّاد الفضاء إن لم نكن محظوظين حينها.
قد يكون تأثير الاندفاعات القوية للإشعاع الكوني قوياً على الأرض وسكّانها، لذلك ربّما كان كسل وخمول الشمس النسبي مفيد جداً للأرض.
يقول «تيمو رينهولد»، المؤلف الرئيسي للدراسة والفلكي في معهد ماكس بلانك لوكالة رويترز: «وجود نجم أنشط من اللازم من شأنه أن يغيّر ظروف الحياة على الكوكب بالتأكيد، لذلك فإن العيش مع نجم ممل جداً ليس الخيار الأسوأ».
ولكن هل ولدت شمسنا باهتة، أم أنها تمر بمرحلة من التوعك؟ بالإضافة إلى السجلات الجيدة لنشاط البقع الشمسية التي تعود إلى عدة مئات من السنين؛ استخدم العلماء آثار العناصر المشعة في حلقات الأشجار، وقلب الجليد لتقدير نشاط الشمس الذي يعود إلى حوالي 9000 سنة مضت - نحن نعلم أن حالة ركودها استمرت لفترة طويلة على الأقل.
يقول رينهولد: «مقارنة مع عمر الشمس البالغ 4.6 مليار سنة، فإن 9 آلاف سنة تشبه غمضة عين، وهذا يعني أنه من الممكن تقنياً أن تعود شمسنا لنشاطها لاحقاً». لكن مؤلفي الدراسة يشتبهون في تفسير مختلف يفيد أن شمسنا تشيخ شيئاً فشيئاً، والحياة على الأرض قد استفادت كثيراً من ضعفها في الفترة السابقة.